كتبت صحيفة (هافينغتون بوست) الأميركية مؤخراً أن الطابع متعدد الأبعاد والبراجماتي للاستراتيجية الأفريقية للعاهل المغربي الملك محمد السادس يشكل نموذجا يحتذى في الوقت الذي احتضنت فيه نيودلهي منذ أيام قمة منتدى الهند - أفريقيا 2015.
فالعاهل المغربي أطلق خلال جولاته الأفريقية الأخيرة، دينامية جيدة تروم استفادة بلدان المنطقة من الخبرة التي راكمتها المملكة في مجال التنمية البشرية، لا سيما من خلال توقيع ما لا يقل عن 500 شراكة تشمل مجموعة واسعة من القطاعات الحيوية، التي تهم الصحة وتطوير البنيات التحتية ودعم الحكامة الجيدة والتعليم، وهذه الدينامية المغربية تتميز بالدور الرئيسي الذي تضطلع به الشركات المغربية، على مستوى بلورة المشاريع الواعدة في مجال التجهيزات الأساسية والاستثمارات، وكذا في القطاع البنكي والفلاحي والنقل.
فالمغرب يعد اليوم ملاذاً للاستقرار في محيط تسوده الاضطرابات، والمغرب قادر على الاستفادة من قوة امتداده الاقتصادي بفضل تنوع علاقاته الاقتصادية والتجارية على صعيد القارة الأفريقية، وكذا بالنظر إلى موقعه كمركز بالنسبة للاستثمارات نحو هذا الجزء من العالم، وهو ما يجعل المملكة شريكاً مؤثراً بالنسبة للدول العربية، ولأوروبا وللولايات المتحدة على صعيد القارة. وأصبح المغرب أول مستثمر أفريقي في منطقة غرب أفريقيا، والثاني على مستوى القارة، وأضحى حريصاً على بلورة مشاريع ملموسة، سواء على المستوى الثنائي، أو في إطار التعاون الثلاثي، في المجالات المنتجة، المحفزة للنمو وفرص الشغل، وذات الأثر المباشر على حياة المواطنين.
للمزيد:الملك محمد السادس من الهند: مستقبل شعوبنا أمانة في أعناقنا
نظمت إذن القمة الثالثة لمنتدى «الهند-أفريقيا»، في نيودلهي، في بلد آسيوي، له موقع ومكانة على الصعيد الإقليمي والدولي، تربطه علاقات متميزة مع المملكة المغربية، منذ مرحلة كفاح شعوب بلدان الجنوب من أجل الاستقلال، ثم في إطار حركة عدم الانحياز. أما جذور العلاقات التاريخية بين البلدين فتعود إلى القرن الرابع عشر، عندما زار الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة بلاد الهند، واستقر بها عشر سنوات، كتب خلالها عن تجربته في مؤلفه الشهير «الرحلة».
ولا يخفى على أحد أن القارة الأفريقية أصبحت مجالاً جديداً للتنافس بين العديد من الفاعلين الأقوياء في النظام الدولي وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية والصين دون نسيان المستعمرتين التاريخيتين فرنسا وبريطانيا. والهند ذات النظرة الاستشرافية في توجيه التكتلات المربحة فهمت أن إيجاد دول حليفة في القارة، مسألة ذات بعد استراتيجي للاستثمار المربح، ولإيجاد أسواق استهلاكية لتصريف السلع والمنتوجات. ولهذه الأسباب مجتمعة، تجد الهند في المغرب حليفاً لا محيد عنه، لأنه بلد ذو مصداقية وموثوق به، نظراً لاستقراره السياسي، وموقعه الجغرافي المتميز، وعلاقاته التاريخية والسياسية والاقتصادية الوطيدة مع العديد من الدول الأفريقية. ومن حضر القمة الهندية الأفريقية سيكون قد اطلع على إشادة وسائل الإعلام الهندية بالنموذج الاقتصادي المغربي، يتمثل مثلا في المركز المالي للدار البيضاء (كازا فينانس سيتي)، الذي يهدف إلى إحداث مركز للتمويل بالنسبة لمنطقة شمال أفريقيا والساحل والصحراء، ويعمل على تقديم حوافز كالإعفاءات الضريبية بالنسبة للشركات الوطنية والدولية، بهدف تطبيق أمثل للسياسة الاقتصادية للمملكة وجذب الاستثمارات وتوجيهها إلى بلدان أخرى في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل من خلال شراكات مستدامة تبرز قوة العمق الأفريقي للمغرب ودوره الرائد في المنطقة. وهذا لا يعني أن البعد الأفريقي للمغرب ينأى به عن التعاون مع أقاليم أخرى، بل إن المغرب لا يكون في وضعه الطبيعي إلا وقد استوى في رباعيته الإقليمية، المتوسط والأطلنطي وأفريقيا والعالم العربي، وهذا ما فهمته الهند جلياً من خلال تقدير مكانة ودور المغرب في تحريك عجلة التعاون متعدد الأطراف وبين أمصار متعددة.
ولفهم هذا التدخل الإقليمي بأبعاده الأربعة يقول لنا التاريخ إن المغرب حينما انسحب من المتوسط مثلا انغلق على نفسه وغرق في الفتن الداخلية، وانشغل عن النهضة التي كانت تعتمل في قربه، على إيقاع توجه أوروبا نحو الحداثة. وبالتنافس في حلبة المتوسط يتم صقل المؤهلات، ويكون البقاء للأصلح. والمغرب اليوم، العازم على اقتحام التنافسية، والقابل لتحديات التبادل الحر ومقتضيات العولمة، مؤهل لاحتلال مكانه المستحق في هذه الحلبة. والأبعاد الإقليمية الأربعة، يكمل أحدها الآخر. وهو ما طبع تحركات المغرب طيلة العشرية الماضية في الواجهة العربية والمتوسطية والأفريقية والأطلسية.
* رئيس المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية/”الاتحاد”