بقلم: سمير عطا الله*
اختار المصريون ألا يختاروا. ظلّوا عقودًا يطالبون بالديمقراطية. ولما نودي عليهم، فضّلوا البقاء في بيوتهم، أو الذهاب إلى الحدائق، أو النوم. فهم متعبون. أتعبتهم الميادين، وأتعبتهم الشوارع، وأتعبتهم الحرائق، وأتعبتهم حمى الفضائيات، وأتعبتهم دوامة الكلام، وأتعبهم الإعلام الذي سلواه الوحيدة ابتذال الذات، وابتذال السياسة، وابتذال معاني الحياة.
لقد سقطت السياسة في العالم العربي، بعدما حوّلها الربيع إلى ثمار فاسدة. وسقط معها الأمل بالحلم والتغيير. وضاعت الشعارات الجميلة بين أقدام الكذبة والهمج. وأمام الحياة نفسها أصبحت مباهجها ترفًا لا ضرورة له. الناس الآن خائفة على بيوتها وديارها ورغيفها. والحديث أو الكتابة عنها يتم في حياء أو خجل. وفي بلد مثل لبنان، لا يجرؤ الناس بعد 17 شهرًا على المطالبة بانتخاب رئيس للدولة، لكي لا يُعتبر ذلك استفزازًا لمن يريدون وأد الديمقراطية اللبنانية القائمة منذ 70 عامًا. أي من عمر الاستقلال. وهو أيضًا شيء تتحدث عنه الناس بحياء وخجل، لأن الولاءات المعلنة للخارج محت جميع آثاره ومعانيه، وحل محلها الاستقواء بالآخرين.
للمزيد:مصر: إقبال ضعيف يرخي بظلاله على الانتخابات البرلمانية
والدولة السورية التي كانت تقدم السيادة على كل شيء، أصبحت تفاخر بالقوى الرسمية والميليشية القادمة لحماية النظام. والعراق اعتاد منذ زمن الآن الحديث العلني عن حلفه العسكري المزدوج مع أميركا وإيران. مرة يلتقط صورة تذكارية مع سليماني، ومرة مع المستشارين الأميركيين، والآن مع الإخوة الروس، في مقعد واحد.
ماذا بقي للعرب من مفهوم السياسة؟ لقد فاز بشار الأسد بالرئاسة بثمانين في المائة من أصوات السوريين، فيما كانت أصواتهم الحقيقية تتوزع في كل اتجاه والاقتراع آخر همومهم. والامتناع المصري هو نوع من التصويت على مفهوم الديمقراطية العربية، وليس على الحكم الذي لم يعطَ إلى الآن فرصته في إعادة البلد إلى حياة الإنتاج العادية بعد خمس سنوات من الفوران والغليان والاضطراب.
مؤسف أن الربيع هو الذي ألغى من نفوسنا الرغبة في حق الاختيار. وهو الذي ألغى فينا الأمل بإقامة حياة مشابهة للآخرين في ظل القانون وأحكامه.
الخلل الذي نحن فيه سوف يتفاقم، لأن القوى المؤمنة بالقيم والعدالة قررت الصمت، يأسًا وخوفًا. وهذا أسوأ ما يمكن أن يحدث للشعوب والأمم. سوف يتقدم الذين لا قِيَم لهم.
*كاتب وصحافي لبناني/”الشرق الأوسط”