بقلم: مفتاح شعيب*
نزل نبأ منح الرباعي الراعي للحوار التونسي جائزة نوبل للسلام كالمفاجأة غير المتوقعة بالنسبة إلى التونسيين وغيرهم، فقد كانت أسماء كبيرة مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والبابا فرانسيس الثاني بابا الفاتيكان أكثر تداولاً على ألسنة وسائل الإعلام المتابعة، وحتى قبل دقائق من الإعلان الرسمي في أوسلو كانت تونس غير مرجحة وحظوظها ضعيفة للغاية.
التشويق والمفاجأة والصدمة ثلاث، قرائن تمنح أي مكافأة وقعاً خاصاً، من دونها لن يكون لها أي صدى، وهذا ما يحصل في كل عام تقريباً. وبقطع النظر عن الجدل الذي يدور حول الجائزة وأصلها والمقاييس التي تعتمدها للمنح أو الحجب، فقد أصبحت قيمة دولية ذات رمزية عالية لم تسبقها إليها جائزة أخرى. وعلى مدار العام تتعلق أنظار العالم بالعاصمة النرويج للتعرف إلى المحظوظين بالفوز بجوائز نوبل في المجالات الخمسة، وبالذات «نوبل للسلام» التي تعتبر أشهر الجوائز وأكثرها قيمة اعتبارية، وظلت تمنح على مدار أكثر من قرن إلى شخصيات عملت على إرساء مفاهيم السلام والتعايش ونبذت الحرب ومنطق العنف، وباستثناء بعض الشخصيات التي فازت رغم تحفظات كثيرة، فإن أغلب الفائزين وخاصة المنظمات الإنسانية والمدنية، كانت تستحق تلك الجائزة عن جدارة لأنها نجحت في صناعة السلام في أكثر من مكان.
المزيد: فوز اللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس بجائزة نوبل للسلام
المنظمات التونسية الأربع، الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة أرباب العمل، ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين، وهي القوة الحقيقية في تونس، استطاعت أن تصنع السلام في ظروف دقيقة بين عامي 2012 و2014، فانتصرت بالحوار لقيم التعايش وأنقذت تونس من سيناريو كان معدّاً سلفاً لدفعها إلى فتنة دامية بين الدولة ومنظمات إرهابية هدّدت الأمن العام وأوصلته إلى حافة الانفجار. وإذا كانت هذه المنظمات قد نجحت في مهمتها، فقد كان نجاحها وفوزها هذا العام بجائزة نوبل للسلام تكريماً للشعب التونسي بأكمله، ووساماً على صدر المجتمع المدني، وهو خيار تبنته تونس ونشأت عليه الحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي في النصف الأول من القرن العشرين، وهو أيضاً منهج دافع عنه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال ووفر له كل ما يلزم من تشريعات وبنى تحتية في الصحة والتعليم ونشر ثقافة الوسطية والإيمان بسيادة القرار الوطني.
منذ تفجر الثورة التونسية قبل خمس سنوات، حصلت أحداث مؤلمة تمثلت في سقوط عشرات من الشهداء من سياسيين وأفراد من الجيش والشرطة في أعمال إرهابية واغتيالات، كما حدثت أيضاً أخبار سارة مثل إرساء تجربة ديمقراطية عبر محطات انتخابية شفافة ومستقلة. أما الفوز بجائزة نوبل للسلام فهو واحد من الأحداث السارّة أيضاً، ويمكن للتجربة التونسية أن تستفيد من أصداء الحدث، فالفوز بالجائزة يدعم الرغبة الكبيرة في بناء ديمقراطية حقيقية تكفل الحريات والحقوق لكل التونسيين تحت سقف القانون والدستور. وهذا الفوز قد يكون بداية الطريق لا نهايته. وفي غمرة الفرحة والاستبشار لابد من الاعتراف بأن الصعوبات المهددة للمسار التونسي ما زالت قائمة وتستوجب مزيداً من العمل لحلحلتها، فالوضع الاقتصادي صعب ويتطلب حلولاً عاجلة، والأمن مازال مهدداً ويحتاج إرادة سياسية أكثر جرأة. وربما تحرك جائزة نوبل جميع الأطراف التونسية، بما فيها المنظمات الفائزة، إلى وضع مقاربات جديدة تقهر ما بقي من صعوبات وتبث روحاً جديدة في المسار العام للبلاد.
*كاتب صحفي/”الخليج”