شاركتُ، أخيراً، في اجتماع عقد الأسبوع الماضي في نيويورك، بدعوة من المعهد الدولي للسلام، وكان هدفه البحث عن مقترحات تكون ناجعة لمقاومة ما وصفته ورقة العمل التي نوقشت “التطرف العنيف”. وجاء اللقاء الذي جمع خبراء تمت دعوتهم من دول عديدة، أغلبهم باحثون ونشطاء مجتمع مدني، في إثر قمة فبراير/شباط 2015 التي دعا إليها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، والتأمت في البيت الأبيض، وخصصت للموضوع نفسه.
في السياق نفسه، يستعد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، لإطلاق مبادرة لمواجهة كل أشكال التطرف العنيف في خطابه عند افتتاح الدورة الجديدة لأشغال الجمعية العمومية. كما يتزامن هذا الحراك مع تفاقم أزمة اللاجئين السوريين، وتصاعد حدة الاقتتال في ليبيا، إلى جانب تعزيز موسكو حضورها العسكري في سورية، من دون أن يثير ذلك ردود فعل قوية من أميركا والأوروبيين، حيث توالت المؤشرات عن قبول الحل السياسي للأزمة السورية، بمشاركة محتملة للرئيس بشار الأسد، على الرغم من اعتراض باريس وغيرها.
المزيد: التطرف والعيش في الغرب
تدل كل المعطيات على أن حشدا دوليا غير مسبوق بصدد التشكل، وأن جميع الدول اتفقت، فيما يبدو، على توحيد جهودها لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، والعمل على إنهاء وجوده في القريب العاجل، كما يدعي كثيرون، وأن ذلك سيتجلى في الأشهر المقبلة، مما جعل الزميل في قناة الجزيرة، محمد كريشان، يعلق ساخراً على هذا التحشيد السياسي والعسكري والإعلامي بقوله “إذا فشل كل هذا الحشد الدولي العالمي في هزم داعش، فلا مفر من الاعتراف بها القوة الأولى في العالم، ودخولها عضواً دائما في مجلس الأمن”.
على الرغم من هذه الرغبة المعلنة في المواجهة الجماعية لتنظيم الدولة، إلا أن الجديد في اجتماع نيويورك، الذي شاركتُ فيه، اعتراف الذين دعوا إليه بعدم قدرتهم، حتى الآن، على امتلاك معرفة دقيقة بالظاهرة التي يريدون محاربتها، وأصبحت تهدد مصالح جميع الأطراف وأمنهم. وهم يستندون، في ذلك، إلى ما قاله وزير الخارجية الأميركي، جون كيري:”لا يمكن مقاومة الظواهر التي لا نفهمها”. ولهذا السبب، لجأوا إلى الاستماع لوجهات نظر باحثين مختصين في دراسة الجماعات الراديكالية، سواء التي تزعم أنها تستند إلى مرجعية إسلامية، أو غيرها، أنتجتها مجتمعات ودوائر حضارية مختلفة.
وأهم ما يحيّر هؤلاء المسؤولين أنهم لا يفهمون الانتصارات التي تحققها هذه الجماعات، ولماذا يلتحق بها هذا العدد الكبير من الشباب والأنصار؟ من أين تستمد قوتها، وكيف يتم الانتقال من حال الاعتدال إلى التجذر، واستعمال العنف وبشكل وحشي؟
الاعتراف الآخر الذي كشف عنه المنظمون لهذا الاجتماع، عندما قال بعضهم “لا يجب أن نغذّي الأوهام، فالتقارير الرسمية غير كافية لفهم هذه الظاهرة”. ولهذا السبب، قرروا “اللجوء إلى الاستماع إلى وجهات نظر الأشخاص، وليس الحكومات”.
المزيد: داعش يدعو اللاجئين للهجرة إلى المناطق التابعة له
على الرغم مما تملكه الحكومات، بما في ذلك الغربية منها، من إمكانات جبارة وأجهزة مخابرات وأسلحة فتاكة، إلا أن النتائج التي توصلت إليها ضعيفة، مما زاد تفاقم الأزمة، ووسع رقعة نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية. ولا يعود ذلك فقط إلى صعوبات ميدانية، تواجهها هذه الحكومات، وإنما يعود عجزها أيضا إلى عدم فهمها طبيعة الظاهرة الإرهابية، وانعدام القدرة على وضع حد للأسباب الحقيقية والعميقة التي لا تزال فاعلة، وتمد التنظيمات المسلحة بالمتطوعين الراغبين في الموت، وتغيير الأوضاع الراهنة. وهو ما يعني اعتراف بفشل الخطة التي نفذت في المرحلة السابقة، والتي اعتقد أصحابها أن القصف الجوي بالطائرات لمخابئ “داعش” سيكون كافيا لتدميرها، أو إيقاف زحفها على الأقل.
المعضلة الرئيسية أن هذه الحكومات التي يتم حشدها لخوض المعركة الحاسمة مع التطرف المسلح، ليست لها الحسابات نفسها، ووضعها يشبه من كانت قلوبهم مع علي، وسيوفهم مع معاوية.
* كاتب من تونس/”العربي الجديد”