تتطلب حالة وزير التربية والتعليم التونسي، ناجي جلول، التوقف، فمن بين مختلف وزراء حكومة الحبيب الصيد، بدا الأكثر قدرة، مقارنة بزملائه، على إثارة الجدل حوله، وهو ما أثبته استطلاع للرأي، أجرته مؤسسة “إيمرود”، خاص بالشأن السياسي لشهر سبتمبر/ أيلول الجاري، وكشف عن حصول هذا الوزير على 17% من رضى التونسيين على أدائه، مقارنة ببقية الفريق الحكومي.
ويعود سبب ذلك إلى المعركة المفتوحة، للسنة الثانية على التوالي، مع نقابة التعليم الثانوي أولا، ثم الآن مع نقابة التعليم الأساسي. فبسبب هذا الصراع، كادت السنة الماضية أن تنقلب إلى سنة بيضاء، بعد أن هدد الأساتذة بمقاطعة امتحان البكالوريا، بحجة عدم استجابة الوزارة لمطالبهم التي تمسكوا بها إلى آخر لحظة.
المزيد: تونس: بعد أزمة التعليم الثانوي..63 ألف معلم يعتزمون الدخول في اضراب وايقاف الدروس
لم يرفض الوزير المطالب المادية للأساتذة والمعلمين، فهو أستاذ متحدّر من أسرة محدودة الدخل، لكنه حاول أن يقنع النقابيين بأن تونس تمر بظرف صعب واستثنائي، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تطحن البلاد منذ خمس سنوات. ودعاهم إلى ضرورة مراعاة دقة المرحلة، وذلك بتقسيم مطالبهم، والحصول علي زيادات في أجورهم بشكل متدرّج.
لا خلاف حول الظروف الصعبة التي تمر بها الأسرة التربوية في تونس، فالقدرة الشرائية للأستاذ أو المعلم تراجعت بشكل تراجيدي طوال العشرية الماضية. وهو ما زاد من هشاشة النظام التعليمي التونسي الذي تراجع مستواه كثيراً، خصوصاً بعد أن استشرت البطالة في صفوف الخريجين من الجامعات.
لا ينتمي الوزير لحركة النهضة، حتى يتهم بأنه يريد أسلمة التعليم والتآمر على الحركة النقابية، فهو يتحدّر من اليسار، وانتمى إلى الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض في الفترة الصعبة من حكم بن علي. واليوم هو من كوادر حزب نداء تونس، المسؤول الأول عن الحكومة الائتلافية الراهنة، وكان قاد حملة شرسة ضد حركة النهضة في الانتخابات البرلمانية.
تتنزّل معركة الوزير ضد النقابات في سياق التحدي الذي فرضته الدعوات إلى إصلاح التعليم. وعلى الرغم من أن الاستشارة الوطنية التي دعا إليها الوزير متواصلة، بالتنسيق مع النقابات وجزء من منظمات المجتمع المدني، إلا أنه لم ينتظر التوافق نهائياً حول التوصيات الجماعية، فخرق القاعدة، واتخذ جملة من الإجراءات العملية، وقرر تنفيذها على عجل، ابتداءً من السنة التعليمية الحالية، وهو ما جعله أيضاً عرضة للانتقادات اللاذعة من النقابيين. لم يأبه كثيراً لاتهامه بالانفراد بالقرار، وشرع مباشرة في إيجاد واقع جديد داخل المدارس والمعاهد، حيث قام بتغيير الزمن التربوي، وفرض الانضباط على التلاميذ، بإجبارهم على لبس “الميدعة”، ومنع بالقانون الدروس الخصوصية التي أرهقت الأولياء، وحوّلت التعليم المجاني إلى بضاعة يتاجر بها عدد محدود من الأساتذة والمعلمين. كما شن حملة واسعة لإصلاح مئات من المدارس الآيلة للسقوط، والتي تفتقر للحد الأدنى من الصيانة والخدمات. ونظراً لضعف ميزانية وزارة التعليم، استعان الوزير بالمجتمع المدني الذي تمكّن من توفير مساعدات مالية ضرورية لإصلاح آلاف المدارس والمعاهد. وتصدى أيضاً لمعضلة التلاميذ الفقراء في الريف الذين يحتاجون إلى السير على أقدامهم ساعات ليلتحقوا بمدارسهم البعيدة. وقرر أيضاً، بالتعاون مع رجال أعمال، توفير الحد الأدنى من الغذاء للتلاميذ، حتى يستعيدوا الثقة في مدارسهم.
المزيد: الإصلاح التربوي المنتظر في تونس: إصلاح في الصّميم أم مجرد ترميم؟
بدأت هذه القرارات تغيّر ملامح الحياة المدرسية، وأحدثت وضعاً جديداً دفع الأولياء إلى الوقوف إلى جانب الوزير، في صراعه ضد النقابات التي نفذت إضراباً ليومين، وهي تهدد بمعركة مفتوحة ضد الحكومة.
ما أكدته قصة الوزير التونسي أن المسؤول السياسي إما أن يكون صاحب قرار أو يرحل، وأن تونس في هذا الظرف الصعب في حاجة إلى فعل، ولو كان محدوداً، بعد أن تعب التونسيون من الثرثرة والمزايدات التي لا تنتهي. أما العمل النقابي، فهو في أشد الحاجة إلى إعادة نظر في أعقاب ثورةٍ لا تزال تبحث عن ثوريين.
*كاتب من تونس/”العربي الجديد”