جرائم في حق الطفولة ترتكب علناً، الجناة فيها آباء وأمهات أو إخوة وأقارب، دفعهم جهلهم وقلة وعيهم للتعامل مع الطفل كمادة للفكاهة والضحك، على حساب سلامته ومشاعره، مستغلين ضعفه وقلة حيلته لجذب الأنظار إلى بطولاتهم المزيفة، والنتيجة تكون دوماً تفاعلاً جماهيرياً، إما بمشاركتهم هذا الاستهتار والضحك عليه، وإما استنكار ما تم عرضه.
هذا هو حال مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، صور ومقاطع مؤلمة أبطالها أطفال أبرياء، أولهم معلق على الجدران والخوف يملأ عينيه، وصوت تهديد والده بنبرة ساخرة ترافق المشهد، والثانية تنفث دخان سيجارة بنهم ونفس عميق متبعة تعليمات والدتها، والثالث لا يكاد يلتقط أنفاسه حتى يلقيه أخاه في المسبح مرة تلو الأخرى ليُضحك أصدقاءه عليه، والرابعة تصوب المسدس تجاه ابنتها بكل طيش وتهور، أما الهدف من كل ذلك، فهو عرض هذا المقطع «القيِّم»، والتباهي به أمام المتابعين على قائمة الأصدقاء.
المزيد: تعرفوا على الأساليب الحديثة لتربية الطفل
تأثيرات وعواقب
ولأن الأمر بمثابة جريمة تجاه هؤلاء الأطفال، كان لا بد من تسليط الضوء على مثل هذه المقاطع، ومناقشة تأثيراتها وعواقبها من الناحية النفسية.
«البيان» تواصلت مع الدكتورة فاطمة سجواني، الاختصاصية النفسية بمنطقة الشارقة التعليمية، لتؤكد آسفة أن الأمر تجاوز الحدود، وقالت: للأسف أصبحت تربية أبنائنا في أيدي مربين لا يعرفون معنى التربية الصحيحة، ويجهلون كيف يتعاملون مع الأطفال، وهم العجينة اللينة، التي تتشكل بسهولة، أما نتائجها فيمكن تلمسها في السنوات اللاحقة.
ولفتت سجواني إلى أنه حين تأتي الإساءة من الغرباء كفئة الخدم وغيرهم، فإن الأمر يكون أسهل بكثير فيما لو أتى من أقرب الناس، وقالت: من المؤلم أن يعيش الطفل مع أشخاص يستهينون ببراءته، ويحولونه إلى مادة للضحك والسخرية، وبرأيي أن سبب انتشار مثل هذه المقاطع يعود إلى الفراغ الذي يعيشه الكثيرون، ليتجهوا بحثاً عن التفاهات، التي غلبت وطغت في يومنا هذا.
أزمة ثقة
وأشارت سجواني إلى أن هدف أصحاب هذه المقاطع هو لفت الأنظار، وقالت: يعاني هؤلاء من ضعف الثقة في أنفسهم، ما يدفعهم لتعويض هذا النقص، من خلال جذب أنظار الآخرين بأي طريقة، وبسبب ضعفهم، فغالباً ما يتجهون للفئات الأضعف منهم، ليتفننوا بالتالي في إبراز مهاراتهم في العبث بالطفولة، غافلين عن أي عواقب قد تلحق بالأطفال، ومن خلال هذه التعليقات وردود الأفعال يكتسب الشخص العابث قيمته ويشعر بأهميته.
وطالبت سجواني بفرض عقوبات وقوانين على المستهترين في حق الطفولة، ما يحد بالتالي من مثل هذه التصرفات، كما طالبت بتوعية الآباء والأمهات والمجتمع ككل، في ما يتعلق بالمساس بكرامة الأطفال الأبرياء.
ردود أفعال
تتباين تعليقات وردود أفعال مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي على المقاطع المصورة الخاصة بالأطفال، وللأسف فنسبة كبيرة منها يتفاعل بطريقة ساخرة معها، ويضحك على مشاهد قد تتسبب في كوارث حقيقة للأطفال، ما يشجع أصحاب النفوس الضعيفة على مواصلة استهتارهم بحق الأطفال، بينما يتفاعل البعض الآخر بطريقة يظهر فيها الوعي والرفض لمثل هذه التصرفات.