يقل في رمضان معدل التفاعلات الحيوية بسبب نقص الغذاء، وبذلك تقل الحاجة للأكسجين اللازم لمثل هذه العمليات. ولذلك، جاءت نتائج بعض الدراسات لتؤكد أن معدل التنفس يقل مع الصيام، وأن وظائف الرئة في الغالب لا تتأثر. ويعتقد كثير من الأطباء أن الصيام عن الماء قد يزيد من كثافة البلغم وخانته، خاصة في فصل الصيف مع الحرارة الشديدة، وبذلك قد يعاني المريض من صعوبة إخراج البلغم.
– الزكام ونزلة البرد والأنفلونزا وما شابهها
هذه الأمراض لا يكاد يسلم منها أحد، وهي في العادة تبقى أياما قليلة وتزول. وعلاجها يكون عادة بالراحة والمسكنات والإكثار من السوائل وبعض الأدوية.
والغالب أن هؤلاء المرضى يستطيعون الصيام من دون أية مشاكل، لكن في بعض الحالات، وخاصة لدى كبار السن، قد يكون في الصيام مشقة كبيرة، ومثل هذه الحالات تدخل في أهل الأعذار فلهم أن يفطروا.
– الربو و أمراض الصدر المزمنة
يشكل مرضى الجهاز التنفسي غالبية مراجعي عيادات أمراض الصدر في المستشفيات، وهي أمراض تبقى مع المريض لسنوات عديدة، ويجد في المريض يجد صعوبة في التنفس، إما على مدار الساعة طوال السنة، أو على شكل نوبات متفرقة تأتي بين حين وآخر. ويكون المريض قد تأقلم في العادة على التعايش معها، وعلى أدويتها المتعددة وعلى الزيارات المتكررة للطبيب.
المشكلة الأساسية لدى هؤلاء المرضى في رمضان هي في حاجتهم المستمرة للأدوية وعلى مدار الساعة أحيانا، ويتساءلون حول إمكانية الصيام والحفاظ على العلاج، أم يتناولون علاجهم ويفطرون.
لنتعرف على أنواع أدوية الصدر المزمنة.
أولا: البخاخات:
تعد هذه البخاخات تقنية رائعة وفعالة، ونقلة نوعية هائلة في علاج أمراض الصدر يسرها الله بفضله، لأنها جعلت بالإمكان إيصال الدواء بتراكيز قليلة لكن كافية إلى الرئة مباشرة، دون الحاجة لتناول أدوية عن طريق الفم، قد تصيب مضاعفاتها أعضاء أخرى من الجسم.
والبخاخات أربع أنواع:
– البخاخ الغازي: وهو علبة مضغوط فيها الدواء بهيئته الغازية، يضعها المريض في فمه، ثم يفتحها فيندفع الغاز إلى فمه، وعليه بعد ذلك أن يسحبه إلى رئتيه.
والبخاخات الغازية نوعان: نوع موسع للقصبات وتيسير التنفس، وهو ضروري جدا لمنع الاختناق، ويؤخذ عادة عند الحاجة وبسرعة.
والنوع الثاني المسمى البخاخات الوقائية، وهي ضرورية على المدى الطويل، حيث تحسن من كفاءة القصبات الهوائية، لكنها لا يحتاج إليها كعلاج إسعافي، ويمكن تأخيرها. وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في هذا النوع، هل يفطر أم لا، والذي رجحته اللجنة الدائمة للإفتاء والندوة الفقهية الطبية وتوقف فيه المجمع الفقهي، وهو رأي الشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله، أن هذا النوع لا يفطر.
ويرى بعض أطباء الصدر أنه، بسبب الخلاف، يمكن لمريض الربو أن يأخذ البخاخ الغازي الموسع، عند الحاجة إليه، ولو في النهار، أما البخاخات الوقائية فلا مانع من تأخيرها إلى الليل، بين الإفطار والسحور.
– البخاخ المسحوق: وهو في عمله كالنوع الغازي، إلاّ أنه مسحوق كالطحين. والخلاف فيه أقوى بسبب مادته. ولا إشكال هنا، فبإمكان مريض الربو الذي اعتاد على النوع المسحوق أن يتوقف عنه مؤقتا في رمضان، ويأخذ البخاخ الغازي.
– البخاخ المائي: يستخدم في حالات الطوارئ، حيث يجعل الدواء مع محلول الماء المقطر في جهاز تبخير، متصل بقناع أنفي، يضعه المريض على أنفه وفمه ليستنشق الدواء.
والتوصيف الشرعي له أنه بخار الماء مع بخار مواد أخرى، ولهذا توقف عنده كثير من العلماء. ونحن نقول إن هذا العلاج إسعافي، فإذا احتاج إليه المريض فليأخذه ويفطر ويقضي فيما بعد. وإن كان في الحقيقة يمكن الاستعاضة عنه بكميات متكررة من البخاخ الغازي، وسيعطي النتيجة نفسها.
– بخاخ الأكسجين: ويسميه الناس الأسطوانة، لأن الأكسجين يأتي في أسطوانات عادة، يوصل المريض بها أنبوبا ذا قناع، فيصل إليه الأكسجين حسب حاجته من التركيز فيستنشقه، ولا يخلط عادة بأي شيء أخر. ويحتاج إليه مرضى أمراض الرئة المزمنة والتليف والتكيس الرئوي. وهذا بإجماع المعاصرين لا يفطر، لأنه الأكسجين نفسه الذي نستنشقه من الهواء!
ثانيا: الحبوب والكبسولات:
هذه تفطر طبعا، لكن الحاجةَ إليها أقل، وأغلبها مضادات حيوية يأخذها المريض عند الحاجة. وبعضها حبوب كورتيزون أو مادة الثيوفيلين، وهذه بالإمكان أخذها بين الفطور والسحور.
ولابد من التنبيه الشديد هنا إلى أنه لا يجوز لمريض الربو أن يترك أخذ البخاخ الموسع عندما يحتاج إليه رغبة منه في عدم قطع الصيام، فإن هذا في نوع من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة. وإذا كان المريض لم يقتنع بأن البخاخ الغازي لا يفطر، فلا عليه! يأخذ العلاج ويفطر ويقضي فيما بعد، أما أن يعرّض نفسه للخطر ويرفض أخذ العلاج والعمل برخصة الله، فقد آذى نفسه ولم يأخذ برحمة الله له.