قال الرئيس الكوبي، راوول كاسترو، انه سيعود الى الصلاة في الكنيسة، اذا استمر قداسة البابا، على نهجه، في اشارة الى انفتاحه الفكري، واعترافا بالدور الكبير الذي لعبه من اجل التقريب بين كوبا والولايات المتحدة التي فرضت حصارا قاسيا على الجزيرة، منذ اكثر من نصف قرن،فوت عليها فرص التقدم وتركها اسيرة المعسكر الشيوعي المنهار.
وادلى كاسترو، بهذا الاعتراف الديني المقير، في اعقاب لقائه، صباح يوم الاحد، بالبابا في حاضرة الفاتيكان التي وصلها الرئيس الكوبي، في الموعد المحدد أي التاسعة والنصف بالتوقيت المحلي.
ولاحظت الصحافة التي حضرت بكثافة ان،كاسترو، كان ظاهر الارتياح وخصها بتحية، كما ظهر مهندما بكيفية انيقة. ودام لقاء الاثنين، حوالي الساعة،اكثر من المدة التي استغرقها لقاء،كاسترو، في مارس الماضي،مع الرئيس باراك اوباما.
وخلال الاستقبال الذي جرى بالقرب من اقامة البابا في القاعة التي تحمل اسم البابا الراحل، بولس السادس، تبادل الزعيمان الروحي والسياسي، الهدايا، واستعرضا ترتيبات الزيارة التي ينوي الحبر الاعظم،القيام بها الى كوبا في غضون الخريف المقبل،وتقوده الى بلدان اخرى.
وفيما بدا انه احترام للبابا وكياسة وأدب، حيال شخصه ووضعه الرمزي،التزم كاسترو، انه سيرافق البابا وسيؤدي الى جانبه الصلوات التي سيقيمها في الكنائس الكوبية خلال زيارته الرسمية المنتظرة الى بلاده
واستناد الى ما اوردته الصحافة عن اللقاء، بين رئيس الكنيسة الكاثوليكية وزعيم حزب شيوعي يؤمن بالماركسية، فقد لاحظت انه كان مغعما بالود والتلقائية ولم يحاول احدهما اقناع الاخر بمعتقداته، لكن الرئيس الكوبي كشف لوسائل الاعلام انه درس شخصيا في مدارس “الجيزويت” مثل البابا وبالتالي فانهما استعادا جذورهما الفكرية والتربوية المشتركة
وساعد حديث الزعيمين الى بعضهما باللغة الام اي الاسبانية، في اضفاء تلقائية ومنبسطة على اجواء اللقاء،وهي التي تنعدم حينما يحضر مترجم، يتولى،بحذر بالغ، ترجمة الافكار ونقلها بامانة، فيسود الارتباك احيانا بسبب التدقيق في معاني الكلمات
ويبدو ان شقيق، فيديل كاسترو، وهو في الثالثة والثمانين من العمر، ماض في نهجه الاصلاحي في الداخل.والانفتاح على العالم الخارجي،ومن الواضح ان اخاه ” فيدل “المعتزل،لا يعرقل نهجه الاصلاحي، دون استبعاد حدوث تشاور بين الشقيقين.
ويتوخى الرئيس الكوبي، تهييء جيل جديد من المسؤولين، يتولون بعده القيادة، لا يجدون انفسهم في وضعية عزلة عن ما يجري في العالم من تحولات عميقة طالت الافكار والبشر.
وفي هذا السياق، يمكن، لآل كاسترو، ان يفخروا انهم حافظوا على استقلال بلادهم وكبريائها الوطني بصمودهم في وجه حصار ظالم فأفشلوا كل محاولات تركيع بلادهم. لم يطرقوا ابواب الاجانب بل هؤلاء هم الذين اتوا اليهم لاكتشافهم او مساعدتهم.
ويأتي التقارب،بين كوبا،أخر معاقل الشيوعية، والكنيسة الكاثوليكية المعروفة بمحافظتها، تتويجا لسلسلة من المبادرات التصالحية،اشرفت عليها او شجعتها هذه الاخيرة،وبالتالي فان الزعيم الكوبي الحالي، ليس غريبا على الفاتيكان،فقد سبق ان زاره والتقى البابا السابق،وهو وزير للدفاع عام 2007.
ومن جهتها تسعى الكنيسة الى دعم تحركها السياسي،كطرف فاعل ملطف للاجواء بين الدول والثقافات، وكإطفائي للنزاعات والتوترات التي يعاني منها العالم بل تهدده بحرب قد لا تبقي ولا تذر.
وعلى الصعيد الشخصي، يجتهد البابا الحالي ليخلف اثرا لا يمحى، في الكنيسة، باعتباره ينتمي الى احدى دول اميركا اللاتينية (الأرجنتين) وربما يستحضر موقف الرهبان الذي ساندوا الانتفاضات والثورات الشعبية التي اندلعت في القارة الناطقة بالاسبانية، وخاصة في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ومهدت لعودة الديموقراطية اليها.
ومن مفارقات التطور الفكري في الوقت الراهن، ان الايديولوجيات الثورية المتشددة اخذة في التراجع، مفسحة المجال لفكر اشتراكي ديموقراطي ذي ملامح انسانية، يؤمن بالفعالية البشرية وليس بالتطاحن بين الطبقات ؛ ما يبشر بانبثاق عهد جديد قوامه الاعتدال والتساكن المنتج بين الافكار والمعتقدات، على الرغم من قتامة الصورة راهنا.
تجدر الاشارة الى ان الولايات المتحدة، بانهائها حالة الحصار على كوبا، فتحت ابواب الجزيرة على مصراعيها لتتدفق عليها الشركات والمستثمرون والمقامرون والمغامرون والجواسيس والباحثون عن اللذة والراحة.
هل للاشتراكية مستقبل في كوبا؟ يمكن الجواب بالايجاب، فالتجربة الصينية ماثلة امامهم، بنجحاحتها الاقتصادية المبهرة وبلوغها مرتبة الدول العظمى. طبعا لا قياس مع الفارق، ولكن بامكان كوبا، ان تخطط طريقها المستقل والخاص نحو الاشتراكية المتواضعة؛ تترك جانبا الاحلام الثورية التي قادت الثوار الى الجبال اواخر الخمسينيات، فقد تغيرت الظروف الموضوعية وهي شرط الثورة حسب الادبيات الماركسية.
*تعليق الصورة: قداسة البابا والرئيس الكوبي بحاضرة الفاتيكان