مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية والإقليمية في اسبانيا، تتضاعف مخاوف الحزب الشعبي الحاكم من معاقبة الناخبين له، ليس على سوء أدائه الاقتصادي، وإنما للكيفية التي يعالج بها ملف رئيس الوزراء الأسبق، رودريغو راتو، المورط في سلسلة فضائح مالية ضمنها التملص الضريبي والغش في التصريح بالممتلكات، والذي يجري التحقيق معه في الوقت الراهن.
ويجاهر مرشحون من الحزب، للانتخابات في الأقاليم بأنهم باتوا متأكدين انهم سيؤدون ثمن أخطاء “راتو” في أجواء انتخابية تكثر فيها المزايدات وتعالى الدعوات الى محاربة الفساد، وظهور قيادات حزبية جديدة ترتدي أقنعة التخليق والطهارة السياسية. وكلها شعارات تلاقي هوى في نفوس الناخبين منذ مدة وذلك ما عكسته بصورة جلية ومتواترة، مجموعة من استطلاعات الرأي، أبرزت أغلبيتها تعاظم الشك في الطبقة السياسية التقليدية من طرف المستجوبين وتعاطفهم مع الشباب الذين اقتحموا حلبة السياسة في إسبانيا وحققوا مكاسب وانتصارات منذرة بحدوث أزمة عميقة في النظام السياسي الاسباني الذي تأسس، منذ اعتماده،قاعدة الثنائية الحزبية.
ويشعر أنصار الحزب الشعبي، في مختلف الأقاليم بالحيرة والارتباك، أمام سلسة الفضائح التي تلقي بظلالها الثقيلة على الحزب الذي يقود الحكومة الوطنية.
وليس أمام المصدومين من حزب، ماريانو راخوي، سوى خيارين أحلاهما مر: فإما مقاطعة صناديق الاقتراع، أو التصويت لمرشحين آخرين. وفي هذه الحالة لن يجدوا تنظيما حزبيا اقرب اليهم من “ثيودادانوس” على اعتبار انه خارج من معطف العائلة الليبرالية بل يرمز الى الجناح النظيف في الحزب الشعبي مع ميله الى ايديولوجية الوسط.
غير ان المحبذين لهذا الاختيار وسط المساندين التاريخيين للحزب الشعبي، يخشون من ضعف التجربة السياسية لزعماء “ثيودادانوس ” وبالتالي فان التصويت لصالحهم قد يعجل بإغراق البلاد في بئر سحيقة.
وليس الحزب الاشتراكي العمالي، المعارض، بالقادر على استثمار نقمة الناخبين على رموز الفساد في الحزب الشعبي، كونهم ليسوا القدوة الصالحة على اعتبار ان قياديين اشتراكيين سابقين يخضعون للتحقيق في منطقة الأندلس على سبيل المثال، مع فارق كبير في التهمم؛ فالمنسوب للاشتراكيين ليس الفساد المالي من نوع الاختلاس والتملص الضريبي؛ وإنما ممارسة نوع من الزبونية السياسية مع أنصارهم وانعدام الشفافية في بعض الصفقات.
وفي هذا السياق يتوقع المراقبون ان تكون خسارة الحزب الاشتراكي، اقل من تلك التي ستطال الحزب الشعبي، بدليل ان الانتخابات الإقليمية التي جرت الشهر الماضي في الأندلس، شكلت دليلا قويا على هذا التوجه، فقد صمد الاشتراكيون وحافظوا على مرتبة الصدارة في البرلمان المحلي.
غير ان مثال الأندلس ليس مضمون التكرار على الصعيد الوطني.
ان ما يقلق اكثر، الحزب الحاكم، في هذه الأيام، هو الخوف من اتساع مدى التحقيقات مع “راتو” الذي انتهى سياسيا الى الأبد، خاصة وانه كان مسؤولا عن السياسات الاقتصادية في حكومة، خوصي ماريا اثنار، حيث يلاحظ ان هذا الأخير لم يتحرك للدفاع عن نائبه؛ ما يوحي ان الملف ثقيل جدا متشابك الأغصان.
وتتساءل قيادات من الصف الثاني في الحزب الشعبي،عن الكيفية التي يدبر بها الجهاز التنفيذي، ملف “راتو”، ملاحظة علامات تخبط وغياب التنسيق بين القطاعات الحكومية بل يستغربون كيف يجري التحقيق مع المتهم دون ان يكون للحكومة وعلى الأخص الوزارات المرتبطة بالملف، علم بطبيعة التهم وتوقيت إجراء التحريات التي تتولاها فرق خاصة من الأمن والضرائب والقضاء المتخصص في الجرائم المالية.
وعموما لا يستطيع الحزب الشعبي الآن وعلى بعد شهر من الانتخابات، ان يوقف ماكينة المحاسبة التي تحركت ضد “راتو” فأية خطوة غير محسوبة في هذا الاتجاه او ذاك، ستكون ذات عواقب وخيمة على سمعة الحزب الحاكم الذي يخضع لمراقبة دقيقة من لدن خصومه ومعارضيه، منتظرين لأية زلة سياسية.
إن إسبانيا، مقبلة في الواقع، على امتحان سياسي جديد، سيضع على المحك الطبقة الحزبية والنخب المجتمعية، ولا يقل اللحظة الجديدة عن تلك التي واجهها الاسبان بعد وفاة الديكتاتور فرانكو. تخطوها بروح التوافق. ويبدو انها العملة الصعبة التي لا تصدأ لمواجهة الأزمات العميقة والتحولات المفصلية في مسار الشعوب.
* تعليق الصورة: مقر الحزب الشعبي في مدريد