أزمة العطش في الجزائر دليل خلل في خيارات الدولة والنظام!

بقلم: هيثم شلبي

كعادته دائما، يسارع النظام العسكري في الجزائر إلى تصدير جميع أزماته وتحميل أسبابها لعناصر خارجية، وتحديدا لجاره المغربي! وبغض النظر عن طبيعة الأزمات التي يواجهها، يستسهل نظام الجنرالات في الجزائر، وأبواقه الإعلامية بالتبعية، اتهام المغرب بالوقوف وراء هذه الأزمات، ناسبا له قدرات “خارقة”، ترفعه إلى درجة القوة “الإلهية” المتحكمة في مصير البلاد والعباد.

فخروج منتخبهم من منافسة كروية هو بسبب “كولسة” رئيس اتحاد المغرب لكرة القدم؛ وحرائق الغابات، هي نتيجة أياد خارجية مدفوعة من المغرب؛ وعدم قبول عضوية الجزائر في البريكس، هو نتيجة تحريض المغرب للهند على رفع الفيتو في وجه هذا الانضمام؛ واحتجاجات السكان على غياب سلعة أساسية، هي نتيجة مؤامرة مغربية بمساعدة مخابرات كل من فرنسا وإسرائيل؛ وسوء العلاقات مع مالي والنيجر، هو بسبب مؤامرة مغربية إماراتية؛ وهلمجرا.

ولا يدرك النظام الجزائري الذي يمسك العسكر بتلابيبه، أن نظرية “المؤامرة المغربية” تورطه في الحالتين: إذا صحّت، فهو في مواجهة خصم لامتناهي القدرة، يستطيع العبث بمصير الجزائر ومواطنيها، دون أن يملك نظامهم حولا ولا قوة في مواجهتها، وبالتالي فهو نظام “ضعيف”؛ وإن كانت هذه النظرية مجرد كذبة، فهي وصمة عار على نظام لا يحسن رسم أي خطط، ولا تنفيذ أي مشاريع، ولا إدارة أي ملف من ملفات شؤون البلاد العامة، وبالتالي فهو نظام “عاجز”!

آخر تجليات نظرية المؤامرة، ما يروج له إعلام الجنرالات، من كون المغرب هو المسؤول عن “أزمة العطش” التي تضرب مناطق متعددة جنوب وغرب البلاد، وعن عدم قدرة النظام على التخفيف من ظاهرة انقطاع المياه الصالحة للشرب، التي أخرجت سكان ولاية تيارت للشوارع، وجعلتهم يغلقون الطرقات بالإطارات المشتعلة، علّ دخانها المتصاعد ينجح في لفت انتباه حكومتهم في العاصمة، للتحرك من أجل إيجاد حل، قبل تفاقم الوضع خلال ما تبقى من شهور الصيف.

تحركات شعبية تأتي في وقت حرج، نظرا لكون الرئيس عبد المجيد تبون على مشارف التقدم بأوراق اعتماده من أجل نيل عهدة ثانية، يكمل فيها ما فشل فيه خلال عهدته الأولى من عملية بناء للجزائر “الجديدة”.

إن نظرة هادئة لهذه الأزمة، تظهر بجلاء لكل من يمتلك حدا أدنى من الفهم والإدراك، عدم إمكانية نسبتها للمغرب تحديدا، على اعتبار أن سببها يعود للسدود التي يبنيها المغرب داخل أراضيه، وتحد من جريان المياه في الأودية التي تخترق البلدين في هذه البيئة الصحراوية القاسية.

ومصدر تهافت هذا المبرر هو كون الحديث يدور أصلا حول وديان وسيول تجري “مؤقتا” في فصل الشتاء، لأيام خلال موسم الامطار الشحيحة أصلا، ولا يمكن مقارنتها بالأزمات المماثلة بين دولة المنبع إثيوبيا ودولتي المصب السودان ومصر، أو بين دولة المنبع تركيا، ودولتي المصب سوريا والعراق؛ فمياه المغرب تنبع من جباله، وتجري في وديانه، وتصب في شواطئه، حتى وإن تسرب بعضها إلى شرق الجزائر، وبالتالي فهو يملك مطلق الحق القانوني والإنساني للاستمرار في سياسته الحكيمة المتعلقة ببناء السدود، والتي بدأت بالمناسبة في الستينات، وأهلته لامتلاك أزيد من 150 سدا كبيرا، ومثلها من السدود الصغرى والمتوسطة.

إن التعويل على تزويد سكان منطقة ما من مياه أودية وسيول موسمية شحيحة، هو عين العبث والعجز في آن معا، وهو السبب الوحيد وراء أزمة العطش التي يعاني منها السكان في شرق وجنوب الجزائر. وهنا نتساءل: هل تقتصر مشكلة التزود بمياه الشرب على الولايات الجزائرية الحدودية مع المغرب، أم أن هناك مناطق جزائرية أخرى، بعيدة كل البعد عن حدود المغرب، تعاني من نفس الأزمة الهيكلية؟ أعتقد أن كل جزائري يعرف الإجابة!

إن المتهم الرئيس، كما يظهر من هذه الأزمة، التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، هو الخلل المريع الذي تعاني منه أجهزة النظام الجزائري المحكوم عسكريا.

وبكلمات أوضح، هي أزمة “خيارات” نظام الجنرالات، الذين توجد احتياجات الناس الأساسية في آخر سلم أولوياتهم أو اهتماماتهم.

والدليل، أن المواطن الجزائري يعاني -بجانب أزمة توفر مياه الشرب- من أزمات مماثلة في الكهرباء، والسكر والزيت والعدس والسميد والحليب، وكثير من المواد الغذائية الأساسية الأخرى، والتي لا نحتاج لتأكيدها سوى إلى مشاهدة طوابير المواطنين على منافذ بيع هذه المواد الأساسية، في كل مكان في الجزائر تقريبا.

إن توجيه فائض أرصدة العملة الصعبة في البنك المركزي الجزائري، نتيجة الطفرة التي طالت أسعار الغاز والنفط في السنوات الأخيرة، في غير موضعها، هو المتهم الوحيد في التسبب في أزمات الجزائريين المعيشية.

فجنرالات فرنسا يوجهون هذه الأرصدة لصالح مزيد من صفقات السلاح، ليس فقط لأنها موجهة لعدو “وهمي”، بل لأن المواطن العادي يعرف أنها تعني ببساطة مزيدا من انتفاخ أرصدة الجنرالات البنكية نتيجة العمولات المليونية المحصلة من هذه الصفقات.

كما أن استمرار النظام في إنفاق عشرات الملايين من الدولارات على إبقاء “خرافة” البوليساريو حية، عبر شراء ما تبقى لها من دعم دبلوماسي لفظي في بعض الدول الأفريقية والأمريكية اللاتينية، هو باب هدر آخر يسائل خيارات النظام الجزائري.

أما ثالث أوجه الهدر وسوء الخيارات، فيتمثل في الانفاق على آلة الدعاية الإعلامية، وشراء ذمم قيادات الأحزاب، في الموالاة والمعارضة على حد سواء، لإبقاء النظام السياسي الجزائري برمته في وضع مشلول، حتى لا تتزعزع قبضة الجنرالات على هذا النظام!

ختاما، فعند إخوتنا المصريين مثل شعبي ما أحوج جنرالات الجزائر لتذكره في خضم أزماتهم المتلاحقة: “ما يحتاجه البيت، يحرم على الجامع!!” وبكلمات أوضح، ما يحتاجه الشعب الجزائري من خدمات ومواد أساسية لعيش كريم، يجب أن يكون أولوية الأولويات، بحيث لا تتقدم عليه أولوية أخرى.

وعليه، فبدل إنفاق النظام الجزائري على حملات اتهام المغرب بإشعال حرائق الغابات في القبايل، من الأجدى أن يقتني بهذه الدولارات طائرات لإطفاء الحريق! وبدل الانفاق على “ترهات” كولسة المغرب ولقجع، عليهم توجيه الموارد إلى تحديث منظومة كرة القدم الجزائرية وبنيتها التحتية؛ أما المليارات الموجهة لمعاكسة وحدة المغرب الترابية، فمن الأجدى أن يوجه جزء من هذه الأموال لتزويد السوق المحلية بما يحتاجه المواطنون الجزائريون من سلع ومواد غذائية أساسية، ناهيك عن تكثيف بناء السدود ومحطات تحلية المياه.

مطالب ندرك أن لا أمل في إيجادها لآذان صاغية في نظام منتهي الصلاحية منذ أمد بعيد، يحكمه جنرالات عجزة -سنا وقدرة- مكانهم الطبيعي هو السجن، كما طالب بذلك ملايين الجزائريين في حراكهم المبارك!

اقرأ أيضا

هل تسعى الجزائر لجر المغرب إلى الحرب؟

في محاولة استفزازية جديدة، أطلقت عناصر مسلحة تنتمي إلى جبهة "البوليساريو" الانفصالية، أول أمس السبت، مقذوفات بالقرب من مهرجان احتفالي بالذكرى الـ49 للمسيرة الخضراء، بمنطقة المحبس.

قرار مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء المغربية يزيد من عزلة النظام الجزائري

في كل قرار يصدره مجلس الأمن الدولي، بشأن قضية الصحراء المغربية، إلا وتزيد عزلة النظام الجزائري بشكل مفضوح أمام المجتمع الدولي.

هل انتهى الدور الوظيفي للنظام الجزائري؟!!

بقلم: هيثم شلبي شاءت الأقدار أن تولد الدولة الجزائرية المستقلة -نظريا- عن مستعمرها الفرنسي، في …