تتضاءل فرص تشكيل حكومة جديدة في إسبانيا ، في غضون الأيام المقبلة قبل حلول الموعد الدستوري لحل البرلمان الحالي والدعوة لإجراء انتخابات جديدة يوم 26 يونيو المقبل؛ وسط دلائل واستطلاعات وتحاليل سياسية، تشير إلى أنها لن تنهي المشكل القائم على اعتبار أن الناخبين الأسبان سيعيدون إنتاج نفس المشهد الحزبي المتسبب في الأزمة الحالية.
وكما كان متوقعا لم يسفر اجتماع أول من أمس بين أحزب الاشتراكي، بوديموس وثيودادانوس، عن اتفاق ينهي الانسداد السياسي، فقد ظل الحزب الثاني متشبثا بمطلب تشكيل ما يسميه حكومة التغيير التقدمية التي يجب أن تضم من وجهة نظره، إضافة إلى بوديموس، الحزب الاشتراكي وأحزاب قومية يسارية تنادي بإجراء استفتاء تقرير المصير في إقليم “كاتالونيا” الذي شرع في إعلان عصيان وإجراءات انفرادية للانفصال عن الدولة الإسبانية، كما ينادي التحالف اليساري بسن إجراءات اقتصادية واجتماعية يفترض أن تخلق عدة مشاكل بالنسبة لاستقرار البلاد وعلاقاتها مع الشركاء الأوروبيين.
وفي هذا السياق قرر حزب، بابلو إيغليسياس، العودة لقواعده قصد استفتائهم ما بين 14 و16 من الشهر الجاري بخصوص الموقف الذي ينبغي أن يتخذه الحزب، عبر الجواب على سؤالين يتعلق أولهما بالموافقة أو عدمها على الانضمام إلى تحالف الاشتراكيين وثيودادانوس، بينما يسأل الثاني إن كانت القواعد تحبذ أم لا، حكومة التغيير المشار إليها سلفا.
ويبدو أن الاستفتاء لن يكون له ثر على مسار الأوضاع الراكدة، فقد صرح زعيم الحزب أنه سيصوت بالإيجاب على السؤال الثاني وبالنفي على الأول، وفي ذالك حث للقواعد وتوجيه واضح لها للسير وفق هوى القيادة والزعيم “بابلو” على الخصوص.
ومن جهة أخرى وعلى افتراض أن قواعد، بوديموس، ستحبذ قيام حكومة بين حزبهم وثيودادانوس والاشتراكيين، فإن الوقت بات ضيقا لتطبيق وتنفيذ الاتفاق المأمول وضبط البرنامج المشترك وهندسة الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية وخاصة السيادية. كل تلك القضايا يوجد بخصوص أغلبها خلاف حاد بين مكونات التحالف المفترض، ما يعني أن إسبانيا ومهما كانت سرعة المشاورات، لن تفرح بحكومة مستقرة قبل الثاني من شهر مايو.
وما يؤكد هذا الانطباع تصريحات وردت في الساعات الأخيرة على لسان بعض قياديي “بوديموس” اشتكوا فيها أنهم خرجوا محبطين من الاجتماع الثلاثي.وتلك إشارة كافية للقواعد لتساير القيادة في مخططها التفاوضي علما أن المنخرطين في الحزب الفتي وهم حوالي400 الف، لن يصوتوا جميعهم، مثلما تخلفوا من قبل عن القيام بذات الواجب في استفتاءات سابقة على قضايا تنظيمية؛ وهذا أمر طبيعي، فليس للحزب تقاليد راسخة تجعل المنتسبين إلى صفوفه، شديدي التمسك بالأخلاق النضالية، بالنظر إلى أن استقطابهم تم عن طريق الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي، وهم بالتالي قوة افتراضية، دون أن يعني ذلك أن الحزب الفتي لا يتوفر على تأييد وسط الناخبين أوصلهم إلى البرلمان ومنحهم المرتبة الثالثة جعلت الحزب متحكما في المؤسسة التشريعية قادرا على عرقلة التوافق الذي لا يرضيه بين الكتل الحزبية..
وفي ذات السياق، يمكن أن يزيد الاستفتاء المقترح من حدة الأزمة الداخلية في صفوف، بوديموس، ما جعل الأمين العام يلمح إلى احتمال تقديم استقالته من المنصب والعودة إلى الصفوف الخلفية في حالة ما إذا صوتت القواعد ضد موقفه. ويرى محللين أن الاستفتاء المزمع تنظيمه سيكون على النهج الذي يسير وفقه تيار “إيغليسياس” والمحسوبون عليه، بعد أن ظهرت خلافات بينه وبين الرجل الثاني في التنظيم “إينييغو إريخون” صاحب النظارات الذي عاد إلى الظهور إلى جانب الأمين العام بعد اعتكاف امتد لأكثر من أسبوعين. ويؤيد ” إريخون” فكرة عدم القطيعة مع الاشتراكيين من جهة وعدم الاعتراض المنهجي على ثيودادانوس.
واستنادا إلى عدة قرائن، فإن ألازمة لم تنته بين القياديين الأول والثاني؛ ومن المحتمل أن تنعكس تداعياتها على الأزمة الحكومية الحالية وعلى مستقبل الحركة برمتها، فما في صفوفها من أسباب الاختلاف أكثر من عوامل الانسجام، ويؤجج ناره الوضع السياسي المفتوح في إسبانيا على أسوء الاحتمالات.
إلى ذلك، يستشعر زعيم ثودادانوس، ألبرت ريفيرا، خطر الاحتمال الأخير أكثر من غيره، مؤملا في مرونة من الحزب الشعبي صاحب القوة الأولى في البرلمان الحالي. ويناشد ريفيرا الحزب المحافظ بما يسميه “النزول من قمة الجبل” والدخول في تفاوض معه ومع الحزب الاشتراكي العمالي للتوصل إلى صيغة اتفاق ما تنهي الأزمة.
ومن جهته لا يعارض الحزب الشعبي نفس المسعى، لكنه يشترط أن تظل رئاسة الحكومة من نصيبه وأن يكون المرشح لها، ماريانو اخوي، رئيس الحكومة المؤقتة الحالية. وهذه عقبة كأداء تحول دون انفراج سياسي. فاعتراض الحزبين الاشتراكي وثيودادانوس، على شخص راخوي قوي، كون ولايته، باتت مقترنة في أنظار الرأي العام بفضائح الفساد المالي، الكثير منها بيد القضاء.
إقرأ أيضا: لقاء ساعتين بين بوديموس والاشتراكي.. والعد التنازلي بدأ لإعادة الانتخابات؟
ويبدو أن استطلاعات الرأي الأخيرة، ساهمت بدورها في تعقيد الأجواء، إذ منح بعضها نتائج أفضل للحزب الشعبي يمكن أن تمكنه من تشكيل أغلبية مع، ثيودانوس، بينما ستضعف كفة، بوديموس، بشكل لافت، ودون استفادة الاشتراكيين من أعادة الانتخابات لكنهم سيظلون القوة الثانية في البرلمان. ولذلك فإن كل حزب يضرب أخماسا في أسداس.
ولا يوجد حل آخر سوى رفع “بوديموس” منعها مشاركة حزب “ريفيرا” في حكومة ثلاثية بدون الحزب الشعبي. هذا احتمال إن بدا ممكنا، فإن الوقت المتبقي ليس كافيا لإجراء الترتيبات الضرورية، وبالتالي فإن الإسبان سائرون في الغالب الأغلب، نحو أعادة ما قاموا به يوم العشرين من ديسمبر، دون استبعاد كافة المخاطر والمفاجآت.