أصبح الآن بإمكان المواطنين المغاربة البسطاء، أن يتناولوا كؤوس الشاي مع كسرة الخبز، وشيء من الزيت أو الزبدة، وبضع حبات من الزيتون وغيره، دون أن يداهمهم الخوف من أن يستيقظوا مع إشراقة شمس ذات يوم، لتناول فطورهم، فتفاجئهم زيادة جديدة في أسعار السكر، بموازاة مع المواد الغذائية الأخرى التي تم رفع الدعم عنها.
والسبب أن السيد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، اهتدى بحدسه السياسي، وربما بعد استشارة المحيطين به، إلى أن الظرفية ليست ملائمة تماما للزيادة في ثمن أشهر مشروب شعبي يتناوله الناس في المغرب، في الصباح والزوال والمساء، ولا يمكن الاستغناء عنه في كل الأحوال.
وحتى بالنسبة لأولئك الذين “مسك الله عليهم من رزقه”، فإن أذهانهم، في الغالب لاتكون رائقة، بعد وجبة دسمة، إلا بشرب كأس شاي منعنع، تتوج الرغوة رأسه، وتمنحه نكهة لذيذة، تسر العين قبل المزاج! .
لقد عرف الشعب المغربي عبر التاريخ، أنه أكثر الشعوب استهلاكا للشاي في العالم، ولذلك فمن الصعب جدا، بالنسبة له التخلص من هذه العادة الأليفة، مهما كانت الظروف، خاصة وأنها ترتبط أيضا بكرمه وحسن استقباله وسخاء ضيافته.
وقد بلغ الشاي في المغرب، درجة من الأهمية، جعلت السيد عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة، والناطق الرسمي باسم القصر الملكي، يفرد له كتابا خاصا، أورد فيه “أن جل المؤرخين اتفقوا أن المغرب عرف الشاي في القرن الثامن عشر، وبدأ انتشاره عبر المغرب في منتصف القرن التاسع عشر لما صار المغرب يتعاطى للتجارة مع أوروبا.
وكان دخول مشروب الشاي إلى المغرب على يد التجار الإنجليز من جبل طارق، ومنه انتشر بالمناطق الصحراوية والسودان الغربي، ووصل إلى “تمبوكتو”.
واحتل الشاي منذ بداية القرن العشرين مكانة متميزة في وسط الأسرة المغربية، وأصبح له طقوس وعادات..”
ولربما، اعتبارا لكل هذه المعطيات وغيرها، تراجعت حكومة بنكيران، عن رفع الدعم عن السكر، رغم أن هذا القرار أعلن عنه قبل مدة، وكان من المنتظر أن يدخل حيز التنفيذ، في ظرف لايتجاوز بضع أسابيع، إلا أن هاجس الخوف من أن ينعكس ذلك سلبا على نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة في السابع من أكتوبر القادم، جعل الممسكين بالقرار الاقتصادي يفكرون ألف مرة، قبل الإقدام على هذه المغامرة، المحفوفة بالمخاطر، تحسبا لما قد يترتب عنها من تأثير على ” مزاج” الكتلة الناخبة .
واستنادا لبعض المصادر، فقد كان من المتوقع أن يشهد سعر السكر، في حالة رفع الدعم عنه زيادة تتراوح بين درهم ودرهم نصف، للكيلو غرام الواحد ، من أجل أن تستقبل خزينة الدولة سنويا حصيلة مالية تقدر ب 300 مليار سنتيم، ولا أحد بمقدوره التكهن بكيفية تدبير هذا المبلغ المالي الكبير، من طرف الحكومة المغربية، هذا العام ، في ظل تأجيل القرار.
ومنذ الإعلان عن رفع الدعم عن السكر، من طرف حكومة بنكيران، ورسامو الكاريكاتير في المغرب، وبما عرف عنهم من شغب، وتفاعل مع هموم الشعب وانشغالاته، وهم يتفننون في تناول الموضوع، انطلاقا من مرصدهم الفني الساخر، وهذه بعض النماذج منها فقط، على سبيل المثال، لا الحصر، الأولى للفنان عبد الغني الدهدوده، والثانية للرسامة رهام الهور.
ولعله من باب المفارقة أن استقرار سعر السكر مؤقتا، في انتظار مرور الحملة الانتخابية، رافقته زيادة مهولة في ثمن البصل، الذي أصبح ثمنه ب 14 درهما للكيلو غرام في الأسواق، متجاوزا أسعار بعض الفواكه، مثل الموز وغيره، الأمر الذي يمس بالقدرة الشرائية للمواطنين، ما دفع ببعض رواد الفضاء الأزرق إلى شن حملة عبر ” الفايسبوك” ضد غلاء البصل، الذي يشكل مادة أساسية ضمن الوجبات اليومية على المائدة!.