لاصوت يعلو هذه الأيام فوق مأمأة أو “تبعبيعة” الكبش، في الأسواق، والأقبية، و”الكراجات”.
إن صداه يتردد في كل مكان، في البيوت، والمكاتب، والمقاهي، ووسائط التواصل الاجتماعي، يقاسم الناس جلساتهم وثرثاراتهم، وقد يتسلل تحت وسائدهم ليقض مضاجعهم، قبل شرائه .
إنه “حديث الساعة”، بعيدا عن التحالفات والجهات، وتصريحات الزعماء السياسيين وتناقضاتهم، ووعودهم الانتخابية التي سرعان ما ذهبت أدراج الرياح، لتسكن الأرفف، وسط غبار النسيان.
” الكبش ” وحده هو سيد الموقف، الآن، أمامه تنهار كل النظريات، وتضيع كل ميزانيات الطبقات الاجتماعية المكافحة.إنه سيد نفسه، وكل قرار يتخذه بالرفع من سعره، غير قابل للنقاش.
وبدل أن يكون الخروف هو الأضحية، صار المواطن المغربي المغلوب على أمره هو الضحية، ضحية بعض ” الشناقين” والنصابين والمحتالين، يتحسس جيوبه حيرة وحسرة، ويضرب أخماسا في أسداس، وهو “يدخل” الأسواق، وهاجسه الأساس هو كيف “يخرج” من هذه الورطة، إن جاز التعبير، بأقل الخسائر الممكنة.
ونظرا لما يشكله اقتناء الأضحية من هاجس بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود، اتخذ منه رسامو الكاريكاتير، لانغماسهم وسط نبض المجتمع، مادة للسخرية والتندر والتفكه، معبرين بأسلوبهم الفني الخاص عن تعاطفهم الضمني مع “ضحايا” العيد.
إنهم، بحسهم المرهف يدركون مدى المعاناة التي يتحملها المواطن في صبر وإيثار، من أجل إدخال شعاع صغير من الفرح إلى البيت لإسعاد أطفاله، ولو لمرة واحدة في السنة.
الرسام المشاغب الشاب محمد الخو، وإمعانا منه في الاقتراب أكثر من هموم المواطن، حرص على الذهاب بنفسه إلى عين المكان،في سوق الكبش الوزاني، وهناك التقط صورة ” سيلفي”، ونشرها على حائطه الفايسبوكي، مشفوعة بتهنئة العيد، دون أن يخبر أحدا، هل اشترى الأضحية، أم اكتفى بأخذ الصورة التذكارية، هربا من الغلاء؟
الاستدانة من البنك، وبيع بعض أثاث المنزل، والاقتراض من الأقارب، ورهن بعض “الممتلكات”، إضافة إلى الراتب الشهري الهزيل، الذي يتبخر بسرعة، مثل زبدة فوق إناء ساخن، كلها رهانات أو خيارات ” يسهل” القيام بها، رغم صعوبتها.
المهم بالنسبة للمواطن، أن ترتسم البسمة على ملامح ” مولات الدار”، وسط ابتهاج الأطفال بقدوم كبش بقرنين كبيرين، تسبقه مأماته او “تبعبيعته”، معلنا عن وصوله.
“العيد الكبير”، كما يسميه المواطنون المغاربة، هو فضاء للفرح، ولم شمل العائلة حول مائدة تعلوها كؤوس الشاي، محاطة بالحلويات، أو المشهيات وغيرها، في جو تغمره الضحكات، واستحضار الذكريات، ولكن زمن الغلاء الصعب، أفقد هذه اللحظات الكثير من طعمها ونكهتها.
كل هذه المناخات المرتبطة بأجواء العيد، ما قبله وما بعده، ليس هناك من يستطيع التعبير عنها، بإحاطة أوسع، سوى رسامي الكاريكاتير المغاربة المشاغبين، بريشاتهم اللاذعة التي تنتقد المفارقات، وتنفذ مباشرة، وبسلاسة، إلى عمق الموضوع.
وبالطبع، هناك فرق واضح في الاحتفال بعيد الأضحى بين الأغنياء والفقراء، وهو مايعبر عنه ببلاغة أحد الرسامين، مبرزا الهوة الشاسعة التي تفصل بين مواطنين بالكاد يضمنون رزقهم اليومي، ومواطنين أخرين يكفي ثمن سيجار كوبي واحد مما يدخنونه، لإطعام أكثر من أسرة.
لنتابع، إذن، بكل شغف، هذه الرسومات الجميلة الزاخرة بالألوان والأفكار، والتي تتدفق بالمزاح، وتعطي للحياة معنى، ما يجعلها قابلة للتحمل، رغم الإكراهات و”صعوبة الوقت”.