هل تعكس الفترة الانتقالية في تونس نجاح البلد في أن يضع نفسه على سكة البلدان الديمقراطية الناشئة أم أن الاحتفاء بالتجربة، وطنيا وإقليميا وقاريا يخفي واقعا أكثر قتامة؟
تتعد القراءات لهذه المرحلة الخاصة جدا في تاريخ هذا البلد المغاربي، ما يجعل الجواب يتأرجح بين النظر إلى هذه التجربة كمعجزة أو كسراب بحسب توصيف صحيفة “لوموند” الفرنسية.
قبل أن يستفيق العالم على ثورة سياسية في أصغر بلد بشمال إفريقيا، أسقطت ديكتاتورية عمرت لأزيد من عقدين من الزمان، كان الاعتقاد السائد لدى كثيرين هو أن تونس “معجزة اقتصادية“، أو كهذا عمد النظام إلى تسويقه، نجحت في إحراز تقدم ملحوظ بالرغم من صغر المساحة وافتقادها لثروات طبيعية مقارنة بالجيران.
بيد أن الانتفاضة الشعبية التي أعقبت إضرام الشاب طارق محمد البوعزيزي في جسده بولاية سيدي بوزيد، والتي سرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم في أرجاء تونس مطالبة الرئيس زين العابدين بن علي بالرحيل، عرت عن واقع اقتصادي واجتماعي يتميز بانتشار البطالة والتفاوت الحاصل بين الجهات فضلا تراكم سنة من الكبت بسبب سياسة تكميم الأفواه التي فرضها النظام على مدار 24 سنة.
إقرأ أيضا: باحثة: “التدخل العسكري في ليبيا لن يحل الأزمة بل سيفاقمها”
في إحدى مقالتها، تساءلت يومية “لوموند” الفرنسية حول ما إذا كانت تونس تشكل حقيقة استثناء، بل ومعجزة في عالم عربي وإسلامي هو عرضة لاضطرابات مستمرة. فهل يكون هذا البلد المغاربي الصغير، المضغوط جغرافيا بجارين من حجم جيوساسي أكبر هما الجزائر وليبيا، حاملا لخصوصية تجعله مقبولا لدى الغرب؟
هذا الوضع الخاص هو ما أهل التجربة التونسية لأن يحتفى بها العام الماضي على أوسع نطاق من خلال تتويج الرباعي الراعي للحوار الوطني بجائزة “نوبل” للسلام، اعترافا بدوره في “بناء ديمقراطية تعددية في البلاد”.
الفوز بجائزة “نوبل” جاء في وقته، حسبما تؤكد “لوموند”، لأنه تم في وقت بدأ فيه منسوب الأمل يقل في تونس بعد الهجمات الإرهابية التي نفذها موالون لتنظيم “داعش” وأوقعت 22 قتيلا في متحف باردو بالعاصمة و38 قتيلا بشاطئ مدينة سوسة السياحية.
هذه الهجمات دفعت البعض لتوقع أسوأ السيناريوهات بالنسبة لتونس، ما زاد المخاوف بشأن استقرار البلاد بعد أن اتضح جليا أنها صارت هدفا لعمليات “داعش”.
وفي حين أنهت تونس على إيقاع نشوة التتويج بجائزة “نوبل”، إلا أنها دخلت العام الحالي ويدها على قلبها بعد مظاهرات اجتماعية واسعة أحيت ذكرى ثورة 2011 وأذكت المخاوف بخصوص مصير البلاد.
كما أن هذه المظاهرات التي انطلقت من ولاية القصرين قبل أن تنتقل إلى مناطق أخرى نبهت إلى محدودية نجاح التجربة التونسية التي ما تزال واقعة تحت تهديد الإرهاب والتعثر الاقتصادي، ما أظهر بجلاء أن الثورة لم تنجح في حد الساعة في أن تترجم إلى مكاسب اقتصادية للمواطنين بالرغم من ما حققته من تقدم على مستوى الديمقراطية والحريات.
فهل تمضي الفترة الانتقالية بتونس في اتجاه تأكيد معجزة هذا البلد في زمن الاضطرابات والردات الديمقراطية بالعالم العربي، أم ينجلي السراب المحيط بهذه التجربة لتكشف عن قصورها بسبب فشلها لحد الساعة في توفير جزء مما ثار من أجله التونسيين ضد بن علي قبل 5 سنوات.