في مقال منشور بصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية كتب الباحث فريديريك ويري يعرض لنظرته حول أسباب فشل المرحلة الانتقالية في ليبيا بعد سقوط معمر القذافي.
المثير في مقال الباحث الأمريكي بمركز كارنيغي أنه أرجع أول أسباب الفشل إلى الزعيم الليبي الراحل الذي لم يترك مقومات دولة في بلده، وهو ما جعل حكام ليبيا الجديد يجدون صعوبة في الخروج من الإطار الذي خلفه القذافي والذي تميز بشخصنة كبيرة للحكم وبزرع لبذور الصراع بين القبائل.
اللوم يعود كذلك على الأطراف الليبية التي بدا جليا افتقادها للكفاءة لتدبير المرحلة الجديدة حيث انخرطت في دوامة من الانتقام والصراع من أجل السلطة، يضيف الكاتب.
بالإضافة إلى ذلك، تتحمل أوساط خارجية المسؤولية أيضا بسبب تدخلها في الصراع الليبي، وبالتالي فكل هذه العوامل ساهمت في الوضع الحالي الذي قد يتطلب سنوات لإصلاحه.
من جهة أخرى، يبدو وكأن الكاتب حاول إبعاد اللوم عن بلاده الولايات المتحدة في الوضع الذي آلت إليه ليبيا باعتبارها كانت من الداعمين للتدخل العسكري لحلف “الناتو“، والاكتفاء بتوجيه ما يشبه العتب الخفيف، بالقول إن واشنطن كانت لديها تفاؤل مبالغ فيه بخصوص المرحلة الانتقالية في ليبيا.
وأضاف ويري أن واشنطن، رغبة منها في تفادي تكرار تجربة العراق وأفغانستان في ما يخص الحضور العسكري القوي للجنود الأمريكي ومحاولة إعادة إعمار البلدين، عملت على تفادي تكرار نفس السيناريو في ليبيا.
كما أن الليبيين، يشرح فريديريك ويري، كانوا منقسمين على أنفسهم بشأن حجم المساعدة التي يريدون تلقيها من الغرب وكانوا يتحسسون من حضور عسكري أجنبي على أرضهم.
كما أن موقف الولايات المتحدة، يستطرد ويري، كان هو تفويض المسؤولية بخصوص الشأن الليبي إلى الطرف الأوروبي والأمم المتحدة. بيد أنه في غياب قوات أممية، كانت مهمة المنظمة الدولية صعبة خصوصا في ما يرتبط بإعادة بناء الجهاز الأمني ونزع سلاح الميليشيات.
إقرأ أيضا: قذاف الدم: الغرب أغرق ليبيا في الخضوع والمهانة
من جهة أخرى، أخطأت الولايات المتحدة في الاعتقاد بأن إجراء الانتخابات كان علامة على نجاح المرحلة الانتقالية، يضيف الباحث بمركز “كارنيغي”.
بالإضافة إلى هذه العوامل، ردد فريديريك ويري ما هو معروف بخصوص أسباب انتشار الفوضى في ليبيا من بينها تسلح الميليشيات وتدخل الأطراف الإقليمية في إذكاء الصراع الداخلي ودخول تنظيم “داعش” على الخط وتعثر مسعى تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ومن الملاحظ أن موقف الباحث الأمريكي ينسجم مع ما تحاول بعض مراكز الأبحاث الغربية المرتبطة بدوائر النفوذ الترويج له من كون التدخل العسكري في ليبيا من قبل “الناتو” لا دخل له بتدهور الأوضاع في البلاد.
ونفس الموقف ردده مسؤولون غربيون سابقون ووجوه معروفة ممن قادوا الحملة الغربية ضد نظام القذافي، وعلى رأسهم المفكر الفرنسي برنار هنري ليفي.
وكانت أوساط غربية، من مجال الإعلام والسياسية، قد ارتفعت لانتقاد التدخل الأجنبي في ليبيا عام 2011 باعتباره أحد الأسباب الرئيسية للفوضى التي انتشرت في البلاد.
فالأطراف الدولية، على رأسها فرنسا وبريطانيا، كالت الوعود إلى ليبيا بدعمها في مرحلة ما بعد الثورة ومساعدتها على وضع لبنات نظام ديمقراطي خلفا لجماهيرية العقيد.
بيد أن كل وعود نيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون ذهبت أدراج الرياح لتترك ليبيا فريسة لأزماتها الناشئة ما عصف بالمرحلة الانتقالية وأرجع ليبيا إلى مربع الصفر أو أسوأ.
فمن المسؤول الأول يا ترى عن الفشل الذي لحق بالثورة الليبية؟