جاء ظهور تنظيم “داعش” في ليبيا ليزيد من تعميق الأزمة في بلاد تعيش خطر التمزق بسبب حالة الفوضى الأمنية والاقتتال الدائر بين أبنائها.
محاربة التنظيم هو شعار يرفعه طرفا الصراع المسلح في ليبيا والدول الإقليمية المرتبطة بهما وكذا الدول الأوروبية التي ما فتئت تردد أن “داعش” يشكل خطرا على أمنها القومي خصوصا مع انطلاق عدد من قوارب الهجرة السرية نحو سواحل القارة العجوز من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
“داعش” استفادت في تمددها فوق رقعة التراب الليبي من الحرب الأهلية التي تهدد بزعزعة استقرار المنطقة برمتها في ظل انتشار الأسلحة وسعي المنظمات المتطرفة للسيطرة على الموارد النفطية ونزوح العديد من السكان هربا من المعارك.
تدهور الوضع الأمني يفسح المجال أمام رغبة الدول العربية والغربية للتدخل في ليبيا، على شاكلة ما يقع في الشرق الأوسط مع الأزمة السورية، للتأثير في مجريات الأمور.
هذا ما ينطبق على كل من مصر والإمارات، الداعمتين لمعسكر طبرق، وتركيا وقطر المساندتين للطرف المنافس في طرابلس. فقد وجهت اتهامات مباشرة ومبطنة إلى القاهرة وأبو ظبي بشن ضربات جوية ضد أهداف تابعة لميليشيات مدعومة من قبل سلطات طرابلس، في ما تتهم تركيا بتسليح قوات “فجر ليبيا”.
الدول الغربية، خاصة فرنسا وإيطاليا اللتان كان لهما دور في إسقاط نظام معمر القذافي الذي شكلت الإطاحة به أحد أسباب الفوضى السائدة في ليبيا اليوم، عبرت في أكثر من مناسبة عن قلقها من الوضع في البلاد وتداعياته على أوروبا خصوصا مع استمرار تدفق المهاجرين انطلاقا من السواحل الليبية.
احتمال توجيه ضربة عسكرية لمواقع تهريب المهاجرين هو خيار لوحت به دول الاتحاد الأوروبي دون أن يبدو هذا الخيار مقنعا خصوصا في ظل التساؤلات عن مدى نجاعته حقا في وقف تدفق الهجرة، وما إذا كانت مثل هاته الحلول هي الإجابة الأمثل لظاهرة متشعبة مثل الهجرة السرية.
كما أثير التساؤل بخصوص الضحايا الأبرياء الذين قد يسقطون بسبب أي ضربات ضد أهداف تنظيم “داعش” ومواقع تهريب المهاجرين.
الخيار العسكري يجد معارضة من دول مجاورة مثل الجزائر التي لديها حضور استخباراتي فوق التراب الليبي، وتريد أن تكون لها كلمة في أي تسوية قد تتم بين الأطراف السياسية.
المغرب، وبالرغم من كونه لا يقتسم أي حدود مع ليبيا يبدو مع ذلك متوجس بدوره من سير الأمور في البلاد نحو مزيد من الفوضى التي قد تفسح مجالا للتنظيمات المتطرفة مثل “داعش” للتوسع أكثر.
المملكة دخلت بقوة في جهود الوساطة الإقليمية الرامية إلى حلحلة الملف الليبي من خلال احتضان جولات الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة على أمل التوصل إلى تسوية سياسية تضع حدا للاقتتال بين معسكري طبرق وطرابلس.
التوصل إلى اتفاق سلام سيفسح المجال أمام تشكيل حكومة وطنية والبد في تأسيس أجهزة أمنية موحدة بحيث يكون هناك جيش وشرطة وطنيين بعيدا عن فسيفساء الجماعات المسلحة والميليشيات المتناحرة في البلاد اليوم.
تحقيق هذا الهدف سيمكن السلطات الليبية الجديدة من التوفر على مشروعية ودعم إقليمي ودولي من أجل مواجهة التحديات الكبيرة التي تنتظرها، وأهم إعادة الاستقرار إلى البلاد وإنهاء مختلف مظاهر التسلح وفرض السيادة على الموارد النفطية ومواجهة التنظيمات المتطرفة مثل “داعش” و”القاعدة”.
إقرأ المزيد: مجلس الأمن يرفض تسلح ليبيا وإن سيطرت داعش على كامل ترابها
هذا السيناريو الذي يأمل العديد من الليبيين ممن تعبوا من استمرار دوامة العنف في بلد انتفض مواطنه ضد ديكتاتورية عمرت 40 سنة من أجل وضع ليبيا على سكة الديمقراطية، يبقى مهددا في حال رفض طرفا الصراع المسلح فكرة التسوية وفضلا الاستمرار في نهج الحسم العسكري.
بيد أن احتمال نجاحه يبقى واردا في حال وعيا الطرف بصعوبة حسم الصراع عسكريا وبأن الاستمرار في الاقتتال ستكون له كلفة مادية وبشرية وخيمة وستحول ليبيا إلى صومال جديدة، وأن الحرب سترهن مستقبل البلاد لسنوات طويلة مما يفرض الجلوس على طاولة الحوار لوضع حد للنزاع المسلح.
كما أن هذا الاحتمال يبقى رهينا كذلك باستمرار الضغط الدولي من قبل الأمم المتحدة لحمل الفرقاء الليبيين على الاستمرار في خيار الحوار من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة في أقرب الآجال.