أولا: الجدل الفقهي حول حكم سب الرسول(صلى الله عليه وسلم):
تمهيد: هناك مذهب يقول أن العلماء المسلمين اجمعوا على قتل وعدم قبول توبة من سب الرسول (صلى الله عليه وسلم)، تعريضا أو تصريحا، ، ودون تمييز بين كونه مسلم أو الذمي. غير أن هذا المذهب يستند إلى أقوال بعض العلماء وليس كل العلماء، فالعلماء اتفقوا على قتل من سب الرسول(صلى الله عليه وسلم ) من المسلمين ،لكنهم اختلفوا في قبول توبة وعصمه دم من تاب عن سب الرسول (صلى الله عليه وسلم) من المسلمين او عدم قبولها، كما اختلفوا في وجود اختلاف بين التعريض والتصريح في سب الرسول (صلى الله عيه وسالم) أو عدم وجود اختلاف بينهما، كما اختلف العلماء في حكم من سب الرسول من أهل ألذمه هل يقتل أم لا.
أولا: اتفاق العلماء على قتل من سب الرسول(صلى الله عليه وسلم) من المسلمين : أتفق العلماء على قتل من سب النبي (صلى الله عليه وسلم )من المسلمين ، باعتبار أن سب الرسول (صلى الله عليه وسلم ) شكل من أشكال الردة،وقد نقل هذا الاتفاق عدد من العلماء منهم:الإمام إسحاق بن راهويه وابن المنذر والقاضي عياض والخطابي (الصارم المسلول 2/13-16)
ثانيا: اختلاف العلماء في قبول توبه وعصمه دم من تاب عن سب الرسول (صلى الله عليه وسلم) من المسلمين : واختلف العلماء في قبول توبه وعصمه دم من تاب عن سب الرسول (صلى الله عليه وسلم) من المسلمين، فقال الحنفيّة والحنابلة وابن تيميّة ، إنّ من سبّ الرسول( صلى الله عليه وسلم) يعتبر مرتدّاً فيستتاب ، وتقبل توبته، وبالتالي يعصم دمه بالتوبة. أمّا الشّافعيّة – فيما ينقله السّبكيّ – فيرون أنّ سبّ الرسول(صلى الله عليه وسلم) ردّة وزيادة ، وبالتالي اجتمعت فيها علتان للقتل(الردة وسب الرسول) ، وقال المالكيّة بأنّ من سبّ الرسول( صلى الله عليه وسلم) لا يستتاب إلاّ أن يكون كافراً فيسلم. فكلا المذهبين ينتهي إلى انه لا تقبل توبه من تاب عن سب الرسول من المسلمين ويقتل ، فإن كانت توبته نصوحا عفا الله عنه في الآخرة .
ثالثا: اختلاف العلماء فى التعريض والتصريح فى سب الرسول (صلى الله عليه وسلم):واختلف العلماء في وجود اختلاف بين التعريض والتصريح في سب الرسول (صلى الله عيه وسالم) او عدم وجود اختلاف بينهما فقال الحنفيّة والمالكيّة ، والشّافعيّة ، وبعض الحنابلة أن التّعريض بسبّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) كالتّصريح،وقال بعض الحنابله أنّ التّعريض ليس كالتّصريح.
رابعا:اختلاف العلماء في حكم من سب الرسول(صلى الله عليه وسلم) من أهل ألذمه: و اختلف العلماء في حكم من سب الرسول من أهل ألذمه: فالمشهور من مذهب مالك وأهل المدينة ومذهب أحمد وفقهاء الحديث أنه يقتل . وقال المالكية يقتل وجوباً بهذا السّبّ إن لم يسلم ، فإن أسلم إسلاماً غير فارّ به من القتل لم يقتل لقوله تعالى (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ). والمنقول عن الشافعي أن عهد الذمي ينتقض بسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يقتل. وقال الشّافعيّة إن اشترط عليهم انتقاض العهد بمثل ذلك ، انتقض عهد السّابّ، ويخيّر الإمام فيه بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء إن لم يسأل الذّمّيّ تجديد العقد. .وقال أبو حنيفة وأصحابه يعزر و لا يقتل ، يقول ابن تيميه (…وقال أبو حنيفة وأصحابه لا ينتقض العهد بالسب، ولا يقتل الذمي بذلك، لكن يعزر على إظهار ذلك ، كما يعزر على إظهار المنكرات التي ليس لهم فعلها من إظهار أصواتهم بكتابهم ونحو ذلك، وحكاه الطحاوي عن الثوري …) . وقال الكوفيين أيضا يعزر، يقول الحافظ ابن حجر ( وقال ابن بطال: فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك: يقتل إلا أن يسلم، وأما المسلم فيُقتل بغير استتابة، ونقل ابن المنذر عن الليث والشافعي وأحمد وإسحاق مثله في حق اليهودي ونحوه، وعن الكوفيين إن كان ذميا عزر، وإن كان مسلما فهي ردة. )( فتح الباري لابن حجر، ج 12 / 294).
.ثانيا: الضوابط الشرعية للتعامل مع ظاهره الاسائه للإسلام ورموزه : إما فيما يتعلق بالتعامل مع ظاهره الاسائه إلى الإسلام ورموزه ، فانه يجب أن يتجاوز رد الفعل الذاتي العاطفي المنفلت من ضوابط الشرع، إلى الفعل الموضوعي المقيد بضوابط الشرع، يقول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ ( ولما كان المسلم مأموراً ومطالباً بأن يكون في كل ما يأتي ويذر على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته امتثالاً لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكمْ فِي رَسولِ اللَّهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) فإنه وفي نطاق ذلك يجب أن يكون استنكار المسلمين لهذه المحاولة الإجرامية وفق ما شرعه الله عز وجل في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يجرهم الحنق والغضب إلى أن يتجاوزوا المشروع إلى الممنوع فيكونوا بذلك قد حققوا بعض أهداف هذا الفيلم المسيء من حيث لا يشعرون، ويحرم أن يأخذوا البريء بجريرة المجرم الآثم ويعتدوا على معصوم الدم والمال أو يتعرضوا للمنشآت العامة بالحرق والهدم فإن هذه الأفعال هي أيضاً تشوه وتسيء إلى الدين الإسلامي ولا يرضاها الله عز وجل وليست من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في شيء وقد عاب الله عز وجل على الذين يخربون بيوتهم بأيديهم وأمرنا بالاعتبار بحالهم.)(التعامل الشرعي مع حادثة الإساءة للإسلام).
ومن الضوابط الشرعية التي يجب أن تقيد التعامل مع ظاهره الاساءه إلى الإسلام ورموزه:
أولا: أن تطبيق حكم من سب الرسول(صلى اله عليه وسلم) سواء كان مسلم أو غير مسلم ” ذمي أو معاهد أو محارب ” متروك للإمام ، وليس لآحاد الناس دون إذن منه ، لان للإمام وحده حق اقامه الحدود على المسلمين ، وضمان عقود الذمة وابرام المعاهدات و إعلان الحرب على المحاربين من غير المسلمين ، قال الرسول(صلى الله عليه وسلم)(إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعَدَلَ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ) ، يقول الإمام أحمد بن حنبل )والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة)
ثانيا: عدم اخذ البرى بجريرة المجرم لقوله تعالى (ولا تذر وازره ورز أخرى)
ثالثا:عدم اللجوء للعدوان وما يتضمن ذلك من استخدام وسائل التعبير السلمية ونبذ العنف لقوله تعالى ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين﴾َ.
رابعا:عدم اللجوء إلى التخريب لقوله تعالى ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يُقتلوا أو يصلّبوا أو تُقطع أيديهم﴾َ.
خامسا: عدم التعرض للمعاهدين والمستأمنين (وفى حكمهم البعثات الدبلوماسية والسياح والخبراء الأجانب)، روى البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)، قال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري( وَالْمُرَاد بِهِ مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم) .
خامسا: عدم الاكتفاء بالرد القولى على الاساءه إلى الإسلام، واستصحاب الرد العملي الفعلي المتمثل في الالتزام بمفاهيم وقيم وقواعد الدين.
سادسا:استخدام أسلوب الإعراض ، خاصة في حاله الأعمال ذات الدوافع الشخصية كطلب الشهرة، وقد أشارت العديد من النصوص إلى هذا الأسلوب قال تعالى(واعرض عن الجاهلين) ، وقال عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) في الرد على هجاء بعض شعراء قريش للرسول (صلى الله عليه وسلم) (أميتوا الباطل بالسكوت عنه).
سابعا: كما يجب التسليم بان هناك عقاب الهي يصيب من سب الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى لو لم يعاقبه المسلمون وإمامهم ، روى الإمام مسلم عن أنس (رضي الله عنه) قال(كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فانطلق هاربًا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فعرفوه، قالوا: هذا كان يكتب لمحمد فأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا له فحفروا له فواروه؛ فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، وهكذا في الثالثة، فتركوه منبوذًا).يقول الامام ابن تيمية (فهذا الملعون الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له، قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دُفن مراراً، وهذا أمر خارج عن العادة، يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً؛ إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد؛ إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا، وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه، ومظهر لدينه ولكذب الكاذب؛ إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد).
نحو استراتيجيه إسلاميه موحده للتعامل مع ظاهره الاسائه إلى الإسلام ورموزه: اتساقا مع الضوابط الشرعية، للتعامل مع ظاهره الاسائه إلى الإسلام ورموزه السابقة الذكر، فان المطلوب هو التقاء كافه قوى وتيارات وفئات الامه ،على استراتيجيه موحده للرد على الاساءه إلى الإسلام، تتجاوز الرد الانى والتلقائي والفردي، إلى الرد المستمر و المنظم والجماعي، ومن خلال آليات متعددة منها:
• مقاطعه الجهات ذات الصلة بنشر وترويج الأعمال المسيئة للإسلام ورموزه.
• استخدام الوسائل القانونية، والاستناد إلى القوانين التي تجرم الاساءه إلى معتقدات الآخرين والعنصرية والكراهية في الغرب في الرد على الاساءه إلى الإسلام ورموزه
• توظيف التقدم التقني في وسائل الاتصال والإعلام في التعريف بالإسلام ورموزه.
• استخدام كافه أدوات التعبير السلمية الاهتمام بترجمة كل ما يتعلق بالإسلام دينا وحضارة وفكرا إلى كافه اللغات الحية.
• الرد على الأعمال المسيئة بالحجة والبرهان وبالرجوع إلى النصوص الدينية.
*أستاذ فلسفة القيم الاسلامية في جامعة الخرطوم