مقترح الحكم الذاتي الموسع في الصحراء المغربية تجسيد خلاق لمبدأ تسوية النزاعات بالطرق السلمية

من الواضح ان المغرب حرص خلال السنوات الأخيرة على بلورة مقاربة جديدة في التعامل مع الملف الصحراوي سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي..
فقد أحدث الخطاب السامي الذي ألقاه العاهل المغربي في السادس من نونبر 2005 بمناسبة الذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء اختراقا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا في طريقة التعاطي مع قضية الصحراء في اتجاه ايجاد حل سلمي وعملي يؤدي الى الطي النهائي لنزاع مرير فرض على المغرب خلال مسيرة اسنكمال وحدته الترابية.
فقد أعلن العاهل المغربي محمد السادس في خطابه الى الأمة عن اعتزامه اجراء مشاورات حول امكانية منح اقليم الصحراء حكما ذاتيا في ظل السيادة المغربية في محاولة لحل هذا النزاع حيث قال “..قررنا استشارة الأحزاب السياسية، لما لها من دور أساسي في القضايا الوطنية، وذلك بشأن منظورها الملموس للحكم الذاتي، في نطاق سيادة المملكة، في أفق بلورة وتقديم المقترح المغربي..” وأضاف العاهل المغربي “.. ستتم استشارة أبناء المنطقة ومنتخبيها، ولاسيما شيوخ القبائل، لحنكتهم وحكمتهم، ومكانتهم الرفيعة لدى جلالتنا، وذلك بصدد تصوراتهم لمشروع اقامة نظام جهوي متقدم، ملائم لخصوصيات هذه المنطقة العزيزة من وطننا.. “وأضاف العاهل المغربي قائلا أن “..تشبتنا بمغربية صحرائنا، لا يعادله الا حرصنا على ايجاد حل سياسي تفاوضي، للنزاع المفتعل حولها، يخول أقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا، يضمن لسكانها تدبير شؤونهم الجهوية، في نطاق سيادة المملكة، ووحدتها الوطنية والترابية، وتندرج جهودنا الدؤوبة لاقرار حل توافقي ونهائي، في اطار تعاملنا الاجابي مع التوصيات الوجيهة للأمم المتحدة، ومساعيها الحميدة”.
وعلى الرغم من أن دعوة العاهل المغربي محمد السادس الى اقامة حكم ذاتي في الأقاليم الصحراوية لم تكن مفاجاة للأوساط السياسية المغربية والدولية الا أن طرحها بشكل رسمي من أعلى سلطة في البلاد اعتبره المراقبون تأكيدا واضحا وصريحا على الاختيار المغربي للحكم الذاتي كحل سياسي وسط يقف بين الانفصال التام لهذه الأقاليم أو بقائها بشكل كامل تحت السيادة المغربية ويشكل مخرجا لنزاع استمر أكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
كما أن دعوة العاهل المغربي محمد السادس الى اجراء حوار واسع بين الأحزاب السياسية المغربية حول امكانية اجراء نظام جهوي متطور في الأقاليم الصحراوية ودعوته لكل الهيئات والفعاليات الوطنية للنهوض بدورها في تعبئة الراي العام والتأطير الميداني للمواطنين المغاربة، شكل تحولا جذريا في مقاربة الملف الصحراوي الذي ظل ولسنوات طويلة حكرا على وزارة الداخلية في تدبيره وهو ما حال دون مساهمة العديد من الفاعلين الرسميين والغير رسميين في اغناء وتفعيل هذا الملف الوطني.
وقد جاءت المبادرة المغربية للتفاوض من أجل حكم ذاتي لجهة الصحراء والمتمثلة في منح ساكنة الأقاليم الصحراوية حمكا ذاتيا موسعا في اطار جهود المملكة المغربية للخروج بهذا النزاع من وضعية الجمود وتجاوز “نقطة الصفر” بحثا عن حل سلمي ونهائي متفاوض بشأنه وبالتالي طي نزاع يعتبر الأقدم في القارة الأفريقية.
كما وأن المبادرة المغربية جاءت لتأكد تمسك المملكة المغربية بالمواثيق والقرارات الأممية وبمبدأ التفاوض كأساس لحل هذا النزاع بالطرق السلمية وفقا لميثاق هيئة الأمم المتحدة وخاصة فصله السادس المتعلق بحل النزاعات بالطرق السلمية.
ويبقى السؤال الرئيس الذي نحاول تلمس الاجابة عنه في بحثنا هذا هو : الى أي مدى تتوافق المبادرة المغربية ومبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية ؟

أولا : التعريف بفكرة التسوية السلمية للمنازعات الدولية
قبل أن نخوض في مفهوم التسوية السلمية للمنازعات الدولية، نرى لزاما علينا وضع النزاع الدائر في هذا الجزء من القارة الافريقية في اطاره الصحيح واعتبار أن هذا النزاع هو صراع جيوسياسي بين المغرب والجزائر في الدرجة الأولى وليس صراعا بين المغرب ورعاياه في الأقاليم الصحراوية وهو ما يؤكده المبعوث الخاص للصحراء باعلانه أن الجزائر كان لها دائما دورا أكبر في قضية الصحراء منذ 1975..
وعليه فاننا نرى أن أي حل سياسي ونهائي لقضية الصحراء لا يمكن أن يكتمل دون وجود كافة الأطراف المعنية وعلى رأسها المغرب والجزائر.. هذه الأخيرة التي ما فتأت تدعي بأنها ليست طرفا في النزاع..
ان مصطلح التسوية السلمية يحمل معنى محاولة فض النزاع بين طرفين أو أكثر حول القضية مثار الخلاف بالطرق السلمية، وعادة ما تتم بقبول الأطراف ذات العلاقة لحل يوقعون عليه ويلتزمون بتنفيذه..
وبتعبير آخر.. فان التسوية هي حل المنازعات الدولية دون اللجوء الى القوة.. وهي من المبادئ الأساسية في القانون الدولي، بل هي من أهم الالتزامات الملقاة على عاتق الدولة في التنظيم الدولي المعاصر..
وكانت مؤتمرات السلام الي عقدت في لاهاي بهولاندا عامي 1899 و 1907 قد أكدت على هذا المبدأ ثم تبناه ميثاق هيئة الأمم المتحدة وأكد عليه في أكثر من نص..
فقد نصت المادة (2) من ميثاق هيئة الأمم المتحدة على أن ” من المبادئ التي تلتزم الأمم المتحدة وأعضاؤها بالعمل وفقا لها، تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر..”
وحددت المادة (33) من الميثاق الطرق السلمية لتسوية المنازعات الدولية “يجب على أطراف اي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر، أن يلتمسوا حله بادئ دي بدء بطريق المفاوضات، والتحقيق والوساطة والثوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو أن يلجؤوا الى الوكالات والتنظيمات الاقليمية، أو غيرها من الوسائل السلمية التي تقع عليها اختياراتهم “.
وأكدت جامعة الدول العربية في ميثاقها على عدم استخدام القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة، وقد تكرر هذا التوجه أيضا في معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي صادق عليها مجلس الجامعة في أبريل 1950 في مادتها الأولى بالحرص على دوام الأمن والاستقرار وفض المنازعات بين الأعضاء بالطرق السلمية.
وقد جاء اعلان “مانيلا” بشأن التسوية السلمية للمنازعات السلمية لعام 1982 ليؤكد على المبدأ الوارد في ميثاق هيئة الأمم المتحدة والقائل بأن على جميع الدول أن تسوي منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية على نحو لا يعرض للخطر السلم والأمن الدوليين والعدالة.. وأكد اعلان “مانيلا ” أنه ليس من حق أية دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولأي سبب كان، في الشؤون الداخلية أو الخارجية لأي دولة أخرى..
ويفرض مبدأ تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية على عاتق الأطراف المتنازعة التزاما بأن تبادر للبحث عن تسوية مبكرة وعادلة للنزاعات الدولية وعدم ترك هذه النازعات حتى تتفاقم وتتعدد أسبابها وآثارها بصورة تجعل من الصعب التوصل الى تسوية سلمية لها..
وكذلك يفرض هذا المبدأ نفسه التزاما بالامتناع عن أي عمل من شأنه أن يزيد من خطورة وضع قائم أو يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر.. وكذلك الالتزام بالسعي لتسوية المنازعات الدولية على أساس احترام مبدأ المساواة في السيادة بين الدول ووفق مبدأ الاختيار الحر لوسائل التسوية..
هذا من جهة ومن جهة أخرى فان مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية يفرض على عاتق الدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة ـ من غير أطراف النزاع ـ أن تبادر للمساهمة في تحقيق التسوية السلمية للمنازعات الدولية، ما دام أنها قد التزمت باحترام مبادئ الأمم المتحدة، والعمل على تحقيق أهدافها، وتنفيذ التزاماتها بحسن نية..

ثانيا : الخلفية التاريخية للنزاع في الصحراء
يمكن اعتبار أن مشكلة الصحراء بدأت سنة 1884 عندما اجتمعت الدول الاستعمارية في برلين وقررت تقاسم أراضي القارة الافريقية التي اعتبرتها “أراضي خلاء” لا مالك لها.. وقد نتج عن هذا التقسيم حدود رسمت “بالمسطرة” بعيدا عن أي منطق جغرافي أو تاريخي أو عرقي مما قاد هذه القارة الى التخبط والوقوع في مشاكل خطيرة في مجال السيادة في القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
وقد أقرت الدول الأوروبية الاستعمارية في مؤتمر برلين سيادة اسبانيا على منطقة الصحراء الغربية..
لم تتوقف مقاومة الشعب المغربي للاحتلال الاسباني منذ أن وطأت أقدامه أراضي المغرب.. وقد اتخذت هذه المقاومة أشكالا مختلفة.. فقد انطلقت المقاومة المسلحة تحت قيادة الشيخ ماء العينين ضد الاحتلال الاسباني بتفويض من سلطان المغرب تحت شعار “الجهاد الاسلامي” وحققت هذه المقاومة انتصارات كبيرة واستطاع الشيخ ماء العينين أن يحكم قبضته على اقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب ثم بدأ يزحف شمالا نحو تادلا لمواجهة قوات الجنرال الفرنسي “مواني” عام 1910 في أكبر معركة يواجهها الاحتلال الفرنسي منذ دخوله المغرب.. وانتهت هذه المعركة بهزيمة الشيخ ماء العينين..
بعد وفاة الشيخ ماء العينين عقب هزيمته أمام الفرنسيين، أخذ ابنه أحمد الهيبة باعادة تنظيم المقاومة وزحف مرة ثانية نحو مراكش وتمركز في مدينة بن غرير ولكنه تراجع أمام القوات الفرنسية الهائلة.. فاستمر التوغل الفرنسي والاسباني شمالا وجنوبا.
خلال النصف الثاني من القرن الماضي شارك الآلاف من المغاربة الصحراويين في حرب تحرير المغرب خاصة في اطار جيش التحرير الوطني / جناح الجنوب من أجل الحصول على الاستقلال الذي أعلن في الثالث من مارس 1956..
وفي العام 1957 تصاعدت وبشكل واضح وثيرة مقاومة جيش التحرير الوطني / الجناح الجنوبي الذي ضم المواطنين الصحراويين حيث استطاع تحرير مدن السمارة وبئر انزران واسرد وصولا الى منطقة أدرار في شمال موريتانيا.. وقد سارعت القوات الفرنسية المتمركزة في الجزائر وموريتاني الى مساندة القوات الاسبانية في مواجهة تقدم المقاومة حيث عمدت القوتين الاستعماريتين ـ فرنسا واسبانيا ـ الى شن هجوم عسكري كبير على جيش التحرير الوطني / الجنح الجنوبي والقضاء عليه بشكل نهائي في معركة شرسة عرفت بعملية ” اكوفين “.
وهنا لا بد من التذكير بأن المغرب وبعد نيله الاستقلال عام 1956، استمر في المطالبة بمغربية أقاليمه الصحراوية.. فقد أكد الملك محمد الخامس بمحاميد الغزلان عام 1958 على مغربية الأقاليم الصحراوية وضرورة تصفية الاستعمار في هذه المنطقة.
وفي العام 1963 وبطلب من المغرب، سجلت اللجنة الخاصة لقضية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة طلبا مغربيا بادراج ما سمي ب ” الصحراء الاسبانية ” في لائحة المناطق التي يجب انهاء الاستعمار فيها.. وقد تجاوبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل ايجابي مع طلب المغرب عندما حثت اسبانيا على منح الاستقلال لهذه المناطق بموجب القرار 1514 المرتبط بتصفية الاستعمار.
وادراكا من المستعمر الاسباني بأنه مقبل على صراع عنيف بخصوص وجوده في اللأقاليم الصحراوية ومن أجل حماية أطماعه في الثروات الطبيعية في المنطقة وخاصة مناجم الفوسفات ومياه الصيد الغنية، شرع الاحتلال الاسباني على تشجيع المد الانفصالي في هذه الأقاليم بالشكل الذي يتعارض وحقوق المغرب على أقاليمه الصحراوية.
وفي مواجهات هذه المناورات الاستعمارية التي كانت اسبانيا تحيكها من أجل تعطيل استقلال الأقاليم الصحراوية، سارع المغرب الى توضيح حقوقه وشرح مواقفه لدى مختلف الأطراف عربيا واقليميا ودوليا..
وتعززت جهود المغرب تجاه تأكيد حقوقه على أقاليمه الصحراوية بعدما أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي رأيها الاستشاري في 16 أكتوبر 1975 والذي أكدت فيه أن الصحراء لم تكن عند احتلالها من قبل الاسبان أرضا خلاء لا مالك لها، كما اعترفت بوجود روابط قانونية وعلاقة ولاء ( بيعة ) بين بعض قبائل الصحراء وسلاطين المغرب.
واستند المغرب على رأي محكة العدل الدولية وأعلن الملك الحسن الثاني في 6 نونبر 1975 عن تنظيم المسيرة الخضراء بمشاركة 350 الف مواطن مغربي باتجاه الصحراء حيث اخترق فيها المشاركون الحدود المصطنعة التي كانت تفصل بين المغرب وأقاليمه الجنوبية..
وأمام ضغط المسيرة الخضراء، لم يجد النظام الاسباني من خيار سوى الدخول في مفاوضات مع المغرب وموريتانيا لتسوية النزاع.. وفي 14 نونبر 1975 وقع كل من المغرب وموريتانيا واسبانيا معاهدة ” مدريد ” التي وضعت حدا للاستعمار الاسباني لتعود الصحراء المغربية بصفة نهائية الى حضن الوطن الأم.
لم ينه الاتفاق الثلاثي مشكلة النزاع في الصحراء، بل على العكس من ذلك، فقد عمدت الجزائر ـ التي لم يرق لها هذا الاتفاق الى تكثيف محاولاتها وجهودها الدبلوماسية والعسكرية للتأثير على مسار القضية الصحراوية بعد أن فرضت نفسها من خلال جبهة الانفصال ” البوايساريو ” وذلك بالترويج لما يسمى “حق الشعب الصحراوي ” في تقرير مصيره في المحافل الدولية والاقليمية وجلب الاعتراف الدولي لما يسمى ب ” الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية “. كما ساهمت ظروف الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي في تأجيج الصراع في هذه المنطقة خاصة في سنواته الأولى.
وشهدت المنطقة اندلاع مواجهات عسكرية عنيفة بين القوات المغربية التي كانت تدافع عن وحدة الوطن وبين حركة الانفصال ” جبهة البوليساريو ” التي تدعمها الجزائر وقوى اقليمية ودولية.. حيث نهج المغرب استراتيجية عسكرية صارمة في مواجهة الهجمات التي كانت قوى الانفصال تشنها انطلاقا من الأراضي الجزائرية.
استمرت هذه المواجهات لمدة 16 سنة.. وفي العام 1991، وتحت رعاية الأمم المتحدة، تم التوصل الى وقف لاطلاق النار بين الأطراف المتنازعة تشرف عليه قوات الأمم المتحدة في الصحراء ” المينورسو “.

ثالثا : مشاريع التسوية الأممية لنزاع الصحراء

لقد كان لفشل جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الافريقية في احتواء مشكلة الصحراء أن تحول هذا النزاع الى أروقة الأمم المتحدة وغدت واحدة من أهم الأزمات الدولية اشغالا للأمم المتحدة وصدرت بشأنها عدة قرارات أممية وأمكن الوصول الى بعض الحلول التوفيقية لم تنجح جميعها في حل يرضي الأطراف المتنازعة نذكر منها:

خيار ” الاستفتاء”

بعد 16 عاما من النزاع المسلح بين المغرب وجبهة البوليساريو، وافق الطرفان على مخطط التسوية الذي أعده الأمين العام للأمم المتحدة بالتشاور مع رئيس منظمة الوحدة الافريقية كأساس لتسوية النزاع القائم بينهما منذ العام 1975.. وقد نص هذا المخطط في خطوطه العريضة، كما جاء في تقرير الأمين العام الأمم المتحدة الذي يحمل رقم(360 ) أن المخطط يهدف الى تنظيم استفتاء عادل ونزيه دون اية ضغوط عسكرية او ادارية مع أخذ مصالح الطرفين بعين الاعتبار.
وقد صادق مجلس الأمن الدولي في جلسته المنعقدة بتاريخ 29 ابريل 1991 على القرار رقم ( 690 ).. وبموجب هذا القرار وافق مجلس الأمن على مشروع مخطط السلام المقدم من الأمين العام للأمم المتحدة والذي حاز على رضا وقبول طرفي النزاع ـ المغرب والبوليساريو ـ حيث وضعت الترتيبات الكاملة لتنظيم عمليات الاستفتاء في الصحراء الغربية تبدأ بتشكيل بعثة الأمم المتحدة المكلفة باجراء الاستفتاء ( بعثة المينورسو) وعن رزنامة لتطبيق المخطط الأممي تبدأ بوقف اطلاق النار في 6/9/1991 وتنتهي باعلان نتائج الاستفتاء حول عبارتي “نعم للاستقلال” أو “نعم للانضمام الى المغرب” في أواخر يناير 1992.. ووقع الطرفان في أعقاب ذلك اتفاقية هيوستون عام 1977 تحت اشراف المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى الصحراء الغربية السيد جيمس بيكر، وزير خارجية الولايات المتحدة السابق..
الا أن مشروع الاستفتاء جمد بسبب خلافات في شأن طبيعة وهوية من يحق لهم الاقتراع. فقد اعترضت جبهة البوليساريو على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة خفيير دي كويلار الذي تضمن خمسة معايير لتحديد هوية من يحق لهم الاقتراع، كما ان المغرب قدم لائحة تضم 120 ألف اسم من ثلاثة قبائل صحراوية اعتبرتها البوليساريو قبائل صحراوية مغربية ليس لها علاقة بالصحراء الغربية ورفضت لجنة تحديد الهوية ادراج أسمائهم على اللوائح الانتخابية بحجة أن المعايير التي تضمنها اتفاق هيوستن لا تنطبق عليهم.. وبذلك دخل مشرووع الاستفتاء مرحلة الجمود حتى يومنا هذا..

*مشروع الحكم الذاتي
عندما عين الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق جيمس بيكر عام 1997 مبعوثا خاصا في نزاع الصحراء، أدرك هذا الأخير أن خطة الاستفتاء غير ممكنة التطبيق وأن الخلاف بين الأطراف المتنازعة حول تطبيق معايير الاحصاء التحضيري للاستفتاء عميقة وهذا ما اعترف به الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الدوري المقدم أمام مجلس الأمن حول النزاع عندما أقر استحالة تنظيم الاستفتاء في الصحراء..
وفي العام 2001 وضع السيد جيمس بيكر مشروعا جديدا أطلق عليه اسم ” الحل الثالث ” وجاء هذا الحل ضمن ” الاتفاق/ الاطار لحل مشكلة الصحراء الغربية ” كونه يتجاوز الحل العسكري والحل السياسي بالاستفتاء.
وقد نص هذا المشروع على منح الصحراء الغربية حكما ذاتيا موسعا تحت الادارة المغربية لفترة تتراوح ما بين أربعة الى خمسة سنوات يتاح بعدها الفرصة أمام سكان الصحراء لتقرير مصيرهم ـ الاستقلال عن المغرب أو الانضمام اليه، كما اشترط هذا الحل أن يتم الاحتفاظ للمملكة المغربية بمقومات السيادة وأن تراعى المحاكم المحلية الصحراوية الدستور المغربي. وبينما وافقت المغرب على هذا الحل رفضته جبهة البوليساريو والجزائر معتبرة أنه يعطي صلاحيات واسعة للمغرب تقود الى نتائج لصالحه في الاستفتاء المقرر بعد فترة الحكم الذاتي الانتقالي.

“التقسيم ” ـ كحل لمشكلة الصحراء الغربية

جاء هذا الحل، الذي ابتكره مبعوث الأمين العام للصحراء السيد جيمس بيكر في التقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة في شهر شباط 2002 والذي طرح فيه فكرة تقسيم الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو.. فالمغرب ـ حسب مخطط التقسيم ـ سوف يحصل على اقليم الساقية الحمراء بينما تحصل جبهة البوليساريو على منطقة وادي الذهب. وبينما رحبت كل من الجزائر وجبهة البوليساريو بالخطة، سارع المغرب الى رفض هذا الاقتراح واعتبرها انقلابا على المخطط الأصلي لجيمس بيكر مؤكدا على استعداده الدائم بالقبول بوضع حكم ذاتي لرعاياه في الأقاليم الصحراوية ضمن سيادته ووحدته الترابية.
واتهم الملك محمد السادس في خطاب له بمدينة العيون في شهر مارس 2002 الجزائر بأن لها أطماع اقليمية في الصحراء واكد أن ” لا تنازل عن اي شبر من صحرائنا”.
لقد دفع هذا الوضع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان الى الاعلان في تقريره أمام مجلس الأمن في شباط 2002 عن أربعة خيارات ممكنة لحل مشكلة الصحراء :
ـ سحب الأمم المتحدة لبعثة المراقبين الدوليين العاملين في الصحراء الغربية (المينورسو) والاعتراف بالفشل وترك الأطراف المعنية تواجه مصيرها..
ـ تنقيح مخطط جيمس بيكر المسمى ” الحل الثالث ” وتطبيقه دون الرجوع الى استشارة الأطراف المتنازعة..
ـ تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو
ـ فرض حل على جميع الأطراف.

الحل الخامس:
كان ” الحل الخامس ” آخر مشاريع التسوية الأممية لحل النزاع الدائر في الصحراء.. فقد حاول المبعوث الأممي الى الصحراء، السيد جيمس بيكر من خلال هذا المشروع الجمع بين مخطط ” الاستفتاء ” وبين مشروع ” الحل الثالث ” وقد تضمن المشروع :ـ
ـ منح الصحراويين حكما ذاتيا انتقاليا لمدة أربعة سنوات ـ عوضا عن خمس، على أن ينتخب السكان بعد مرور العام الأول من دخول الاتفاق حيز التنفيذ حكومة وبرلمانا محليين. وبعد أربعة سنوات يتم تنظيم استفتاء شعبي..
ـ اشراك ادارة الحكم الذاتي المحلي في الصحراء في السياسة الخارجية للمملكة المغربية ودمج عناصر من الصحراويين الموالين للبوليساريو في الوفود الدبلوماسية المغربية في الخارج واشراكهم في كل ما يتعلق بقضية الصحراء وهو ما اعتبره المغرب انتقاصا من سيادته.
ـ اقامة مجلس أعلى للقضاء في الأقاليم الصحراوية واختيار نظام قضائي خاص دون الالتزام بالدستور المغربي مما يعني ازدواجية القضاء..
ـ ألزم المخطط المغرب تقليص عدد قواته المسلحة خلال 90 يوما من دخول الاتفاق حيز التطبيق الشيء الذي اعتبره المغرب مسا خارقا بالسيادة الوطنية في مجال الدفاع عن ترابه.
وقد سارعت الأحزاب المغربية بجميع أطيافها السياسية الى رفض هذا المقترح معتبرة أن هذا الاقتراح جاء ليخدم مقاربة ” اللاحل ” بتراجعه عن الكثير من المقتضيات الواردة في مخطط ” الاتفاق/ الاطار” الذي اعتمده مجلس الأمن في يونيو 2001 وسعيه الى المساس بالسيادة الوطنية للمغرب على أقاليمه الصحراوية..
وبينما رفض المغرب المخطط الأممي الذي صاغه جيمس بيكر، وفي محاولة فاشلة لتوريط المغرب ووضعه في موقف حرج أمام المجتمع الدولي واظهاره كأنه الجهة التي تعيق الوصول لحل سلمي لنزاع الصحراء، جاءت موافقة الجزائر وجبهة البوليساريو هذه المرة على مخطط جيمس بيكر لتسجل بذلك تراجعا مفاجئا عن الانتقادات التي وجهتها كل من الجزائر وجبهة البوليساريو الى مخطط جيمس بيكر السابق.
رابعا : مقترح الحكم الذاتي الموسع ـ الحل الأمثل لمشكلة الصحراء الغربية
ان فشل جميع مشاريع التسوية الأممية في التوصل الى حل لمشكلة الصحراء أفضى الى طريق مسدود، مما حدا بالمجتمع الدولي الى دعوة الأطراف المتنازعة الى ضرورة بلورة مقترحات جديدة للمأزق في الصحراء بأسرع وقت ممكن، وطبقا للمشروعية الدولية التي عبر عنها مجلس الأمن الدولي في قراره الموجه الى الأطراف المتنازعة في أكتوبر 2006 حيث طالب القرار الأطراف المتنازعة الدخول في مفاوضات مباشرة لايجاد حل سياسي دائم ومتفق حوله وقابل للتطبق في أقرب الآجال..
وقد جاء مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية الذي قدمه المغرب أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي في 11 ابريل 2007 استجابة لنداءات المجتمع الدولي و تجسيدا صادقا لرغبة المغرب وحرصه على ايجاد حل سلمي يكون مقبولا من جميع الأطراف، يخرج الوضع الراهن من حالة الجمود ويتماشى مع ارادة المجتمع الدولي..
1 ـ الظروف الداخلية التي ساعدت على بلورة المبادرة المغربية :
اعتمدت المبادرة المغربية على المستوى الداخلي مقاربة جديدة تقوم على مبدأ الشراكة والديموقراطية وذلك من خلال :
أ ـ استشارة السكان الصحراويين المعنيين:
راعت المبادرة المغربية الطابع الديموقراطي في استشارة السكان الصحراويين المعنيين، وذلك من خلال المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية.
ففي اطار مساعيه لحل قضية الصحراء، أعاد العاهل المغربي تفعيل هذا المجلس في 25 مارس 2006 والذي كان المغفور له الحسن الثاني قد أنشأه عام 1981 كهيئة استشارية يعبر من خلالها سكان الأقاليم الصحراوية عن القضايا التي تشغلهم.
ويتألف المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية الذي يرأسه السيد خلي هنة ولد الرشيد من 142 عضوا يمثلون أكثلر من 40 قبيلة في الصحراء الى جانب ناشطين بارزين في مجال حقوق الانسان ومسؤولين من منظمات المجتمع المدني..
ساهم المجلس الملكي الاستشاري بشكل واضح في الدفاع عن مغربية الصحراء والتعبير عن التطلعات المشروعة للسكان الصحراويين قاطبة في الدفاع عن وحدتهم الترابية كما وضع حدا لمزاعم جبهة البوليساريو الانفصالية بأنها الممثل الوحيد للشعب الصحراوي مما جعل العالم يتعامل مع قضية الصحراء على أساس قضية تهم جميع الصحراويين المغاربة سواءا داخل الأقاليم الصحراوية في الوطن أو خارجها في مخيمات تندوف بالجزائر. وبذلك تكون القضية الصحراوية قد استعادت بعدها الوطني والداخلي بعد أن حاولت جبهة الانفصال البوليساريو ومن ورائها الجزائر ولمدة عقود من الزمن، نزعها منها بادعاء أن النزاع الدائر في الصحراء هو نزاع دولي.
ب ـ مشاركة الأحزاب السياسية :
جاءت المبادرة المغربية خلاصة نقاش ديموقراطي مفتوح شاركت فيه جميع الأحزاب السياسية المغربية على اختلاف اتجاهاتها والتي أضفت على المبادرة المغربية مشروعية ديموقراطية.
فقد نشطت الأحزاب السياسية في القيام بعدة فعاليات سياسية وجماهيرية هدفت الى فتح المجال أمام جميع أطياف الشعب المغربي للتعريف بمواقفها تجاه النزاع الدائر في الصحراء منذ أكثر من ثلاثة عقود وتقديم مقترحات من شأنها اغناء مشروع الحكم الذاتي.
كما عمدت الأحزاب السياسية المغربية الى عقد مؤتمرات حزبية واقامة ندوات علمية لبلورة تصوراتها بخصوص الحكم الذاتي في الصحراء.
ج ـ اعتماد مبدأ ” الدبلوماسية الشعبية الموازية ” :
في اطار ما يمكن تسميته ب” الديبلوماسية الشعبية الموازية ” نشطت الأحزاب السياسية المغربية من خلال جولاتها في العواصم العالمية واتصالاتها بأحزاب صديقة، حكومية كانت أو معارضة، في عملية التعريف بملف قضية الصحراء واطلاع محاوريها على حقيقة الموقف في الصحراء، خاصة وكما اتضح من خلال العديد من هذه اللقاءات أن اعتراف بعض الدول بما يسمى ب ” الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية ” جاء مع الأسف نتيجة جهل قادة هذه الدول بحقيقة الملف الصحراوي وبحيثياته.
د ـ ” الدبلوماسية البرلمانية ”
تمكنت المؤسسة البرلمانية المغربية من تحقيق مجموعة من المكاسب الايجابية لصالح قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية وذلك من خلال استغلال شبكة العلاقات التي تربطها بالبرلمانات العربية والأوروبية والمتوسطية والأمريكية وبرلمانات العالم الثالث، حيث نجحت هذه المؤسسة الوطنية في:
ـ ايصال الوجه الحقيقي للصراع الدائر في الصحراء المغربية الى مختلف برلمانات العالم.
ـ دحض المزاعم الانفصالية لأعداء الوحدة الترابية أمام مختلف المجموعات والشخصيات البرلمانية ومواجهتها بالدلائل والحقائق القانونية والتاريخية والميدانية التي تؤكد صحة موقف المملكة المغربية.
ـ تحسيس مختلف البرلمانات الوطنية بمشروعية هذه القضية ومحاصرة مخططات الانفصاليين.
ه ـ التحرك الشعبي للجاليات المغربية في الخارج :
شهدت العديد من عواصم ومدن أروبا وأمريكا مظاهرات شعبية نظمتها الجالية المغربية ضد كل من الجزائر وجبهة الانفصال البوليساريو.. حيث رفعت الحشود شعارات منددة بالمواقف المعادية للوحدة الترابية للوطن.. وسعت هذه المظاهرات الى ابراز موقف الشعب المغربي بشأن قضية الصحراء ودعم الموقف الرسمي المغربي.
وقد رأى العديد من المراقبين في هذا التحرك الشعبي للجالية المغربية في الخارج انتقالا للنزاع حول الملف الصحراوي الى الساحات الأوروبية والأمريكية علما بأن هذه الساحات ظلت ولعقود عديدة حكرا على الانفصاليين الذين اعتادوا التظاهر في هذه الساحات دون تظاهرات مضادة من الجالية المغربية.
و ـ الاصلاح السياسي والحقوقي :
أضفت الاصلاحات السياسية والحقوقية التي انتهجها المغرب مزيدا من المصداقية على مواقفه السياسية وبالتالي أكسبت المغرب السند الدبلوماسي لحل مشكلة الصحراء، خاصة بعد انتهاج المغرب المسار الديموقراطي لتدبير شؤونه الداخلية وطي صفحات القمع وفتح الباب أمام المصالحة الوطنية لمعالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بما فيها الانتهاكات التي شهدتها الأقاليم الصحراوية.
2 ـ قراءة في مضمون المبادرة المغربية للتفاوض بشأن الحكم الذاتي لجهة الصحراء :
جاءت المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء مكونة من ثلاثة محاور و 35 مادة :

المحور الأول: تأكيد المغرب التزامه بالعمل على ايجاد حل سياسي نهائي في تعاون تام مع الأمم المتحدة

جاء هذا المحور متفقا مع روح ميثاق الأمم المتحدة الذي يلح في فصله السادس على فض النزاعات الدولية بالوسائل السلمية..
فبعد أن أكدت المبادرة في نقطتها الرابعة على أن المملكة المغربية تكفل من خلال هذه المبادرة، لكافة الصحراويين، سواء الموجودين في الداخل أو في الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو اقصاء.
وجهت المبادرة في نقطتها التاسعة نداءا الى جميع الأطراف المتنازعة لكي تغتنم الفرصة من أجل فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة.. كما أعرب المغرب عن استعداده للانخراط في مفاوضات جدية وبناءة، انطلاقا من هذه المبادرة، وكذا عن الاسهام في خلق مناخ الثقة الضرورية لانجاحها.

المحور الثاني: العناصر الأساسية للمقترح المغربي

جاء هذا المحور تجسيدا للمبادئ العامة التي ينص عليها ميثاق هيئة الأمم المتحدة من توفير سلطة تشريعية منتحبة بكل حرية وسلطة تنفيذية بموافقة ساكنة الاقليم الصحراوي وسلطة قضائية تهتم بتطبيق القانون..
وقد اشتمل هذا المحور الى قسمين:

القسم الأول : اختصاصات جهة الحكم الذاتي للصحراء

أكدت المبادرة في نقطتها الحادية عشر على أن مشروع الحكم الذاتي مستلهم من مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا، وهو مشروع يقوم على ضوابط ومعايير متعارف عليها عالميا..
نصت المبادرة في نقطتها الثانية عشر على ان يمارس سكان جهة الحكم الذاتي للصحراء، داخل الحدود الترابية للجهة، ومن خلال هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية، ووفق المبادئ والقواعد الديموقراطية، التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة، ميزانية الجهة ونظامها الجبائي، البنى التحتية، الماء والمنشآت المائية والكهرباء والأشغال العمومية والنقل، علي المستوى الاجتماعي : السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية، التنمية الثقافية بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني والبيئة.
تحدثت المبادرة في نقطتها الثالثة عشر على موارد جهة الحكم الذاتي للصحراء المالية الضرورية لتحقيق تنميتها في كافة المجالات. وتتكون هذه الموارد بالخصوص من الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيئات المختصة للجهة، العائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية، المرصودة للجهة، جزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة والمتأتية من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة، الموارد الضرورية المخصصة في اطار التضامن الوطني، عائدات ممتلكات الجهة.

القسم الثاني: هيئات جهة الحكم الذاتي

حددت مبادرة الحكم الذاتي طبيعة الهيئات والمجالس وسلطاتها والمحاكم ومهماتها حيث: نصت النقطة التاسعة عشر على أن برلمان الحكم الذاتي للصحراء يتكون من أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية، وكذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع المباشر من طرف مجموع سكان الجهة. كما يتعين أن تتضمن تشكيلة برلمان جهة الحكم الذاتي للصحراء نسبة ملائمة من النساء.
تحدث النقطة العشرين أن السلطة التنفيذية في جهة الحكم الذاتي للصحراء يمارسها رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي وينصبه الملك.. رئيس ااحكومة هو ممثل الدولة في الجهة.
يتولى رئيس حكومة جهة الحكم الذاتي للصحراء تشكيل حكومة الجهة، ويعين الموظفين الاداريين الضروريين لمزاولة الاختصاصات الموكلة اليه، بموجب نظام الحكم الذاتي. ويكون رئيس حكومة الجهة مسؤولا أمام برلمان الجهة.
وجاء في النقطة الثانية والعشرين انه يجوز للبرلمان الجهوي أن يحدث محاكم تتولى البث في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء. وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكامل الاستقلالية، وباسم الملك.
كما نصت المبادرة في نقطتها الخامسة والعشرين بأن يتمتع سكان الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي في مجال حقوق الانسان، كما هي متعارف عليها دوليا.

المحور الثالث: مسار الموافقة على نظام الكم الذاتي وتفعيله

جاء هذا المحور متفقا مع المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحث على اللجوء الى المفاوضات كأول وسيلة من الوسائل السلمية لتسوية النزاعات..
فقد حددت المبادرة في نقطتها السابعة والعشرين بأن الحكم الذاتي للجهة سيكون موضوع تفاوض، وسيطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديموقراطية، ويعد هذا الاستفتاء، طبقا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن هؤلاء السكان، لحقهم في تقرير المصير.
سينتج عن هذا الاستفتاء حسب النقطة التاسعة والعشرين مراجعة الدستور المغربي وادراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضمانا لاستقرار هذا النظام واحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة.
وتعهد المغرب في النقطة الرابعة والثلاثين بالتفاوض، بحسن نية وبروح بناءة، منفتحة وصادقة، من أجل التوصل الى حل سياسي نهائي ومقبول من جميع الأطراف، لتسوية هذا الخلاف، الذي تعانيه المنطقة برمتها. ومن أجل ذلك، فان المملكة على استعداد للاسهام الفعال في توفير مناخ من الثقة، كفيل بالمساعدة على انجاح هذا المشروع.

كلمة أخيرة:

بناءا على ما تقدم، يمكننا القول بأن المبادرة المغربية للتفاوض من أجل حكم ذاتي في الأقاليم الصحراوية جاءت :
1 ـ تجسيدا لسياسة العاهل المغربي محمد السادس في دعم الاستقرار السياسي على المستوى الاقليمي والدولي وذلك من خلال ترجيح التسوية السلمية للنزاع في الصحراء المغربية التزاما بميثاق الأمم المتحدة وخاصة الفصل السادس منه الذي يدعو الى فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر..
2 ـ تجسيدا لمبادء ميثاق الأمم المتحدة وخاصة المادة ( 33 ) منه التي تحث على اللجوء الى التفاوض كأول وسيلة من الوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدولية.
3 ـ تجسيدا للمبادئ العامة التي ينص عليها ميثاق هيئة الأمم المتحدة من توفير سلطة تشريعية منتخبة بكل حرية وسلطة تنفيذية بموافقة ساكنة الاقليم الصحراوي وسلطة قضائية تهتم بتطبيق القانون حتي يتسنى تسيير شؤونها في الاقليم..
إنّ الحل الذي يطرحه المغرب اليوم والمتمثل بإعطاء سكان الإقليم الصحراوي حكما ذاتيا موسعا مع صلاحيات واسعة في تدبير شؤونهم المحلية تحت السيادة المغربية، يمكن أن يشكل اذا أرضية جيدة لتسوية هذا النزاع المزمن وتجاوز سنوات العداء…
فالمقترح المغربي يسمح للصحراويين الموجودين في مخيمات تندوف العودة إلى وطنهم و الانخراط في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبالتالي إنهاء نزاع دام أكثر من ثلاثة عقود بدون حل وترتبت عنه مآسي إنسانية كبيرة لا تزال فصولها مستمرة حتى يومنا هذا، ناهيك عن استنزاف ثروات شعوب هذه المنطقة… كما يمكن اعتبار هذا المقترح تجسيدا حقيقيا لمبدأ ” حق تقرير المصير” فبمجرد التئام حوار بين الصحراويين حول مشروع الحكم الذاتي بين الصحراويين على مختلف مشاريعهم واتجاهاتهم وميولهم الفكرية والسياسية، يعني تمكين السكان المعنيين بحق الاختيار الديموقراطي من اسماع اصواتهم وانتقاداتهم ومطالبهم.
ان مبدأ ” حق تقرير المصير ” الذي تتمسك به جبهة البوليساريو لا يمكن ربطه بالاستقلال فقط، بل ان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ( 2625 ) الصادر بتاريخ 24/10/1970 الذي يكرس مبدأ تقرير المصير يؤكد وبشكل لا لبس فيه، الأشكال الثلاثة المنصوص عليها في القرار رقم ( 1541 ) للتعبير عن مبدأ حق تقير المصير من خلال التأكيد على أن الاستقلال أو الاندماج أو اكتساب أي وضع سياسي يتم اختياره بكل حرية من قبل شعب ما يمثل بالنسبة لهذا الشعب وسائل لممارسة حقه في تقرير مصيره. كما يؤكد القرار رقم (1541) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14/12/1960 حق الشعوب في تقرير مصيرها لكن في الوقت ذاته يؤكد على احترام الوحدة الترابية ويشدد على أن أي محاولة تهدف الى النسف الجزئي أو الكلي للوحدة الوطنية أو الترابية لبلد ما تتنافى مع أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
أخيرا، يرى الباحث الدكتور عبد الله تركماني، أن مقترح الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب يستجيب لتوجهين اثنين:

1ـ اعتبار أنه في كل صراع دولي ليس هناك غالب واحد يمكن أن يأخذ كل شيئ، مهما كانت شرعية حقوقه، فهناك قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
2ـ أن هذا الحل يعتبر أن القضية يمكن ان تحل على أساس انه لا الحاق ولا انفصال، بل هناك وضعية خاصة تسمح للسكان بتدبير شؤونهم اليومية دون الارتقاء الى شخصية دولية منفصلة…
فهل ستغتنم الأطراف المتنازعة هذه الفرصة لإنهاء هذا الصراع…؟ ان المنطقة لا تحتمل صراعات ” بينية ” في ظل الأوضاع المغاربية والعربية والدولية الحالية.. فالهجمة الارهابية التي تستهدف بلدان المغرب العربي وعلى الأخص البلدين الشقيقين ـ المغرب والجزائرـ تفرض عليها جميعا اليوم أن تكثف جهودها من أجل الحفاظ على الأمن الإقليمي في هذه المنطقة.

المراجع:
1 ـ ابراهيم العناني “النظام الدولي الأمني”، القاهرة، 1997
2 ـ أحمد سيد أحمد “مشكلة الصحراء الغربية: هل من مخرج؟”
3 ـ ادريس لكريني “تطور السياسة الخارجية المغربية ازاء قضية الصحراء”
4 ـ عبد الحق دهبي “وسائل تسوية المنازعات في اطار جامعة الدول العربية”
5 ـ عبد العزيز محمد سرحان “عرض وتحليل مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية: دور محكمة العدل الدولية في تسوية المنازعات الدولية”
6 ـ د. عبد الله تركماني “اشكالية الصحراء الغربية وتكلفة اللامغرب”
7 ـ محمد بوبوش “مبادرة الحكم الذاتي للصحراء: المضمون والاشكالات “.

———-
خاص.. صفحة ديوان اصدقاء المغرب

اقرأ أيضا

هلال: قرار مجلس الأمن يعتبر مخطط الحكم الذاتي “الأساس الوحيد والأوحد” لتسوية قضية الصحراء المغربية

قال السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، بنيويورك، إن القرار الجديد لمجلس …

خبير لـ”مشاهد24″: قرار مجلس الأمن يضع الجزائر وصنيعتها “البوليساريو” في مواجهة الشرعية الدولية

أكد الدكتور عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن القرار 2756، الذي يمدد ولاية "المينورسو" إلى غاية 31 أكتوبر 2025، يضع الجزائر وصنيعتها "البوليساريو" في مواجهة الشرعية الدولية، ويحملها مزيدا من الضعوط الدولية على اعتبار ما تعملان عليه من الزيادة في أسباب تهديد الأمن والاستقرار الدوليين.

ماذا استفادت الجزائر من عضويتها في مجلس الأمن.. قضية الصحراء نموذجا؟!

بقلم: هيثم شلبي كما كان منتظرا، مدد مجلس الأمن ولاية بعثته “المينورسو” عاما كاملا حتى …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *