السفر خلال العطلة الصيفية أصبح أولوية بالنسبة إلى عدد كبير من الأسر المغربية حين يحلّ فصل الصيف، يطفو على سطح النقاش بين المغاربة موضوع العطلة الصيفية. فتصبح الجملة الأكثر تداولاً هي: “أين ستقضي عطلة هذه السنة؟”، والجواب يختلف باختلاف الوجهة التي يختارها كل شخص وكل أسرة. ثقافة العطلة تتغير، حتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي، فضّل عدد كبير من الأسر المغربية، خصوصاً متوسطي الدخل، نوعين من السفر، الأول هو الذهاب عند الأقارب والعائلة، والثاني هو حضور المواسم وزيارة الأضرحة.
ولا تشكّل المحطتان عبئاً مادياً كبيراً. غير أنّ التطور الذي عرفه المجتمع المغربي مع نهاية التسعينيات، وبداية الألفية الجديدة، ساهم في تغيير ثقافة قضاء العطلة.
ويقول الباحث في علم الاجتماع الدكتور علي الشاهي: “ساهمت مجموعة من العوامل في تغيير نمط وطريقة قضاء العطلة الصيفية لدى المغاربة”، مشيراً إلى أنّ “ظاهرة لجوء الغالبية للقروض الاستهلاكية، والضغط الإعلامي، والإغراءات التي تقدمّها المصارف عند حلول كل صيف، دفع بعدد كبير من المغاربة، خصوصاً الفئة ذات الدخل المتوسط، إلى التوجه إلى المدن التي ليس لهم فيها أقارب، فيقيمون في الشقق المفروشة والفنادق”.
ويضيف صاحب كتاب “الوقت الحر عند المغاربة”، أنّ “ظاهرة السفر خلال العطلة الصيفية باتت اليوم عند عدد كبير من المغاربة من الأولويات”.
وأشار إلى أنّ “الأسر تخطط مسبقاً برنامج العطلة الصيفية”.
ولفت إلى “تسجيل تراجع في زوار الأضرحة والمواسم، مقارنة بسنوات الثمانينيات والتسعينيات”.
وأضاف أن “عدداً من الأسر المغربية، بحكم وظيفة الوالدين وكذلك طول العطلة المدرسية، تفضّل إرسال أطفالها إلى المخيمات الصيفية، أو في الرحلات الشبابية داخل البلاد وخارجها، وبعدها السفر إلى وجهة أخرى”.
يؤكد حفيظ أبو سلامة، صاحب وكالة سفر في مدينة تطوان، أنّه “سجل، في السنوات العشرة الأخيرة، إقبالاً مهماً للمغاربة على قضاء العطل الصيفية خارج البلاد”.
وأشار إلى أنّ “70% اختاروا دولاً كتركيا وماليزيا وأندونيسيا وإسبانيا والصين، وتوزّعت النسبة المتبقية بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، ونسبة قليلة اختارت بعض الدول الإفريقية كالسنغال”.
وأضاف أبو سلامة أنّ “الأوضاع المضطربة في بعض البلدان العربية، دفع بمجموعة من المغاربة إلى إلغاء زيارتهم إلى دول مثل تونس ومصر وسوريا ولبنان، واتجهوا إلى تركيا أو إسبانيا”، لافتاً إلى أن “عدم فرض التأشيرة على المغاربة للسفر إلى تركيا، ساهم في ارتفاع رغبات التوجه إلى هذا البلد”.
وعزا هشام ليتيم، صاحب وكالة سفر في الدارالبيضاء، اختيار عدد كبير من المغاربة قضاء العطلة الصيفية خارج البلد، إلى “موجة الغلاء التي تعرفها الفنادق المغربية، ولا تشجّع أصحاب الدخل المتوسط على الإقامة فيها”.
وقارن بين أسعار الفنادق في إسبانيا والمغرب، وأوضح أن “قضاء ليلة واحدة في فندق ثلاث نجوم في جنوب إسبانيا تراوح بين 25 و35 يورو، وتتضمن وجبتي الفطور والعشاء، في حين تراوح قيمة غرفة في أحد الفنادق المغربية المصنفة بالدرجة عينها بين 30 و40 يورو، وتتضمن وجبة الفطور فقط”.
مقابل ذلك، تُجبر الظروف المالية عدداً لا بأس به من المغاربة على قضاء العطلة داخل البلد.
وعند زيارة “رصيف22” لمدينتي تطوان وطنجة، التقينا بعض الأسر المغربية، التي فضّلت استئجار شقق على اللجوء إلى الفنادق.
تقول ربيعة. ب، البالغة من العمر 51 عاماً، والموظفة في القطاع العام، إنّ “راتبها الشهري الذي يصل إلى 550 يورو، لا يسمح لها بقضاء العطلة في الخارج أو الإقامة في الفنادق”.
وأشارت إلى أنّ “سفرها إلى تطوان يعزى إلى وجود شقيقتها في المدينة”.
وفي مدينة طنجة، قال أحمد الشافعي، من مدينة الرباط: “جئت إلى هذه المدينة رغبة مني في الاستفادة من برنامج “كنوز بلادي”، الذي أطلقته الوزارة لتشجيع السياحة الداخلية، لكنني فوجئت بعدم شغور الفنادق المدرجة في البرنامج. وفي النهاية، استأجرت مع زوجتي وابنتي الصغيرة غرفة في أحد الفنادق غير المصنفة لقضاء يومين، وبعدها التوجه إلى مدينة أصيلا، التي أخبرني صديق لي بأن فيها شققاً مفروشة”.
ومن بين الصعوبات التي تواجه زوار مدينتي تطوان وطنجة، الاكتظاظ والازدحام، الذي يعيق عملية السير والتجول، إلى جانب غلاء الأسعار في المواد الأساسية وندرتها.
وبالنسبة إلى المناطق الداخلية، باستثناء مدينة مراكش، التي تعرف توافداً للسياح الأجانب والمغاربة، فيقصد بقيةٓ المدن المغربية في الوسط والجنوب، جزءٌ من المغاربة، لما تتميز به من هدوء ومناظر جبلية خلابة.
وأمام حركة السفر التي تشهدها الطرقات المغربية خلال هذا الفصل، يضطرّ البعض الآخر من المغاربة البقاء في المنزل، والاكتفاء بالزيارات العائلية، نظراً لعدم توفر الإمكانات المالية الكافية.
كما توضح فاطمة (30 عاماً)، التي تعمل منظفة في مقاهي الدار البيضاء. وأمثال فاطمة غالباً ما يرسلون أطفالهم إلى المخيمات الصيفية تفادياً لحرمانهم من السفر خلال العطلة.
السياسيون والرياضيون والفنانون والصيف:
وفقاً لمجموعة من المعطيات، لم يُتح صيف هذه السنة لغالبية السياسيين التمتع بعطلتهم كسابقتها، بسبب تزامنه مع الانتخابات المحلية التي ستقام خلال شهر سبتمبر المقبل.
وفضّل غالبيتهم عدم السفر خارج البلاد والاكتفاء ببعض الأيام من الاستجمام في المغرب.
فقضى وزير السياحة لحسن الحداد العطلة في شقته في تطوان، بحسب مصدر مقرب منه.
أما محمد مبدع، وزير الوظيفة العمومية، فقضي عطلته في أكادير، وجزء آخر منها في نواحي منطقة أزيلال، والفقيه بنصالح التي يتحدر منها.
وقد برر هو الآخر عدم السفر إلى الخارج لالتزاماته المهنية والاستحقاقات السياسية التي يعرفها المغرب.
وفي عالم الرياضة، فإن بادو الزاكي، الحارس الدولي السابق للمنتخب المغربي لكرة القدم وفريق مايوركا الإسباني، كشف أنه “وزع عطلته بين فينلندا، موطن زوجته، ونواحي مدينة الصويرة، في منطقة إمسوان الشاطئية، التي يمارس فيها هوايته المفضلة الغطس”.
وقال بادو الزاكي، المدرب الحالي للمنتخب المغربي، لرصيف22، إنه “قضى عطلته مباشرة بعد نهاية شهر رمضان، أي في منتصف يوليو الماضي”. أما عزيز بودربالة، اللاعب الدولي السابق لفريق الوداد البيضاوي والمنتخب المغربي، فأوضح أنه “فضّل السفر برفقة العائلة إلى دبي لهدفين، الأول قضاء العطلة والاستجمام، والثاني لقاء بعض الأصدقاء”.
أما في المجال الفني، فإن غالبية الفنانين المغاربة فضلوا تأجيل عطلتهم إلى ما بعد نهاية أغسطس، لاشتراكهم في بعض المهرجانات في المدن المغربية خلال فترة الصيف.
غير أن بعضهم يسرق أياماً قليلة، كي لا يحرم نفسه وأسرته من الاستجمام والسفر. وهذا ما أكده كل من المطربين الشعبيين الصنهاجي ومحمد الستاتي. والأخير أكد أن “السفر في فصل الصيف لا يمكن تعويضه في أي فصل آخر”. وهناك مطربون يستغلون جولاتهم خارج المغرب خلال الصيف لاصطحاب أفراد عائلتهم.