إذا كان رئيس الاستخبارات التركية، حقي فيدان، يشكل كاتم أسرار رجب طيب أردوغان، فإن أحمد داود أوغلو يشكل المنبع المفكّر له، منذ عيّنه مستشاراً له في أول حكومة ترأسها عام 2003، قبل أن يصبح وزيراً لخارجيته عام 2009.
فأوغلو ابن مدينة قونية، وأكاديمي رفيع المستوى، وعثماني الهوى، ويعدّ المنظّر الأول للسياسة التركية في عهد حكم “العدالة والتنمية”، عقب فوز الحزب في الانتخابات البرلمانية عام 2002. لكن الثابت أن أسباب اختيار أردوغان له رئيساً للوزراء تتجاوز ما سبق إلى قضايا تتعلّق بالممارسة اليومية للسياسة، وإدارة ملفات السياسة التركية في الداخل والخارج، فتجربة السنوات الماضية من العمل معاً أوجدت بينهما من الكيمياء المشتركة الكفيلة بتمسك أردوغان به، حتى النهاية.
أغلب الظن أن هناك ثلاثة أسباب أساسية وراء هذا الاختيار، هي:
1 ـ التجربة العملية للسنوات الماضية أفرزت آلية عمل عملية تحظى بارتياح أردوغان، لعلّ عنوانها الأساس هو الانسجام والتوافق في ممارسة العمل اليومي. فعلى الأقل، لم نسمع، طوال الفترة الماضية، عن أي خلافٍ أو فتورٍ، في العلاقات بين الرجلين، أو حتى اختلاف في الرأي إزاء القضايا السياسية المطروحة على السياسة التركية في الداخل والخارج.
2 ـ يريد أردوغان أن يكون رئيس الوزراء، في عهد رئاسته البلاد، من الجيل الجديد في حزب العدالة والتنمية.
فمعظم الأسماء الأخرى التي كانت مرشحة للمنصب كانت من الرعيل الأول والمؤسس، والذي مضت على تسلّمه المناصب ثلاث دورات متتالية، وهو ما يتعارض مع القوانين الداخلية لحزب العدالة والتنمية التي تمنع على أي عضو إشغال منصب سياسي أو برلماني أكثر من هذه المدة.
3 ـ السبب الثالث والأهم باعتقادي، هو البعد الفكري والفلسفي لسياسة أوغلو، والتي تتوافق مع رؤية أردوغان لتركيا وموقعها وسياستها ومستقبلها.
وفي الأساس، باتت فلسفة أوغلو تشكل العمق الفكري لسياسة حزب العدالة والتنمية، فمن نظرية “صفر مشكلات”، إلى العمق الاستراتيجي، وصولاً إلى ممارسة الدبلوماسية انطلاقاً من ربط معادلة الداخل بالخارج، كلها نظريات ومفاهيم تنسب لأوغلو شخصياً، ويعتقد أردوغان أنها ما زالت تصلح لقيادة تركيا في المرحلة المقبلة، حيث يسعى إلى إجراء تغيير في البنيان السياسي للنظام، يتلخّص في الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، ويطمح إلى أن يكون رئيساً حتى عام 2023، ليكون الرئيس، حين الاحتفال بمئوية تأسيس الجمهورية التركية، ويدخل التاريخ زعيماً نجح في تأسيس تركيا جديدة، كما قال عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية.
وتعني الأسباب التي تقف وراء اختيار أوغلو خلفاً لأردوغان أن الأفكار والنظريات التي طرحها ويطرحها الرجل باستمرار سيكون لها النصيب الأكبر في السياسة التركية خلال المرحلة المقبلة، وهي تقوم على فلسفة الربط بين العملية السياسية في الداخل والخارج.
فهو يرى أن قوة السياسة الخارجية تبدأ بالإصلاح والتغيير من الداخل، على مختلف المستويات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما عمل عليه في الفترة الماضية، وهو، هنا، ينطلق من الموقع الجغرافي السياسي لتركيا وموقعها في العلاقات والمصالح الدولية، في تطوير علاقاتها مع أميركا وأوروبا، والمزيد من الانخراط في العالم العربي والإسلامي وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، على أن ترافق هذه العملية، في الفضاء الجغرافي الخارجي، عملية موازية على جبهة الداخل، وتحديداً في كيفية وضع حلول مقبولة للقضايا والمشكلات المزمنة، كالقضية الكردية والمشكلة الأرمينية، وغيرهما من مشكلات الأقليات الطائفية والدينية والعرقية.
إذ إنه يرى أن حل القضية الكردية في الداخل يعني جعل تركيا محوراً مركزياً لأكراد المنطقة في المرحلة المقبلة، ولعلّ هذا ما يفسّر التحسن المضطرد في علاقة أنقرة بأربيل، ومحاولة الانفتاح على أكراد سورية. كما يرى أنه لا يمكن فتح صفحة جديدة مع أرمينيا المجاورة، من دون طي صفحة المشكلة الأرمينية (الإبادة الأرمينية) في الداخل.
وهكذا بالنسبة للقضايا الداخلية الأخرى، إذ يعتقد أوغلو أن عوامل قوة العثمانية الجديدة موجودة في المكونات الداخلية، من خلال عملية سياسية تربطها بالفضاء الخارجي، والتحرك على المستويين، وليس في التاريخ، كما يعتقد بعضهم. ولعله، من هنا، اكتسب لقب المهندس الذي يبني السياسة والدبلوماسية على التوازنات الداخلية والخارجية.
وعليه، يمكن القول إن كل الانتقادات التي وجهت إلى أوغلو، من باب التحوّل من نظرية “صفر مشكلات” مع الجوار الجغرافي، إلى كل المشكلات، وتوريط تركيا في الشؤون الداخلية للدول العربية، ووضع تركيا في عزلة دبلوماسية، وغيرها من الانتقادات التي وجهت لأوغلو، وحمّلته المسؤولية الشخصية، لم تؤثر في مصداقيته لدى أردوغان الذي ربما يرى أن الوقت حان، أكثر من السابق، للمضيّ في معالجة الملفات الداخلية والخارجية، وتحقيق ما لم يتحقق على أبواب مرور نحو قرن على انهيار الدولة العثمانية، وعليه، كان اختياره أوغلو خلفاً له.
إذ إنه يرى فيه أفضل مَن يواصل خطاه في محاربة ما يسمى “الكيان الموازي” في الداخل، ومواصلة الإصلاحات المدروسة، وتجديد حزب العدالة والتنمية، واكتساب مزيد من عناصر القوة الناعمة في السياسة الخارجية.
اقرأ أيضا
بعد غياب.. مهدي مزين يعود بـ”مابقيتيش شيري” من أول ألبوم له
يستعد الفنان المغربي مهدي مزين، لطرح أول أغنية من ألبومه الغنائي الجديد، والذي يحمل اسم "ماراطون"، وذلك بعد فترة من الانتظار والتأجيل.
هند سداسي تفرج عن جديدها “Monotone”
أفرجت الفنانة المغربية هتد سداسي، مساء أمس السبت، عن أغنيتها الجديدة "Monotone"، وذلك عبر قناتها الرسمية بموقع رفع الفيديوهات "يوتيوب".
مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي
سلط وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الضوء أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على إطلاق المغرب والولايات المتحدة لمجموعة الأصدقاء الأممية بشأن الذكاء الاصطناعي، بهدف تعزيز وتنسيق الجهود في مجال التعاون الرقمي، خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.