الإعلامي هو عين الحقيقة، وضمير شعبه، وحنجرة أمته الصادحة بالحق، ومنصته الإعلامية هي بوصلة المواطن نحو الحقيقة، وقلم الصحفي ليس حبرا على ورق، بل هو حروف تنطق حقاً، وكلماته هي جنود تصطف على سطور الحقائق، لتحرس وطنا، وتلهم شعبا، وترسم مستقبل الأجيال، فعمل الصحفي لا يقل أهمية عن عمل الجراح، وإن كان خطأ الجراح يكلف المريض حياته، فإن خطأ الإعلامي يكلف مجتمعا بأسره نسيجه المجتمعي، وسلمه الأهلي، فليس من باب المصادفة، تسمية الصحافة بالسلطة الرابعة، بل هي سلطة تمتلك في خلاياها مزيج من السلطات جميعا، فهي تمتلك جيشا عتاده القلم، والكلمة، والموقف، وقضاة يعتلون منصات الإذاعات، والصحف، والشاشات الصغيرة، ليستمعوا لأوجاع الناس، ويحرسون أحلامهم، وهم فاعل كبير في عملية التشريع، والتأصيل للقوانين المختلفة, وهو الأمر الذي يتطلب من الصحفي البحث الدائم عن الحقيقة، عبر سبر أغوار الخبر، والغوص إلى ما بعد القشور.
والسلطة الرابعة كغيرها من السلطات، لها محدداتها، ومرجعياتها، وأصول تداولها، وأي إخلال بأخلاقيات المهنة هو تجاوز يستحق المسائلة، فالسلطات جميعا، بما فيها سلطة الإعلام والصحافة يجب أن تحتكم لمظلة القانون، وتخضع لمقتضياته، وأحكامه أسوة بغيرها من القطاعات المجتمعية المختلفة.
قررت النيابة العامة قبل ساعات، الإفراج عن الصحفي جهاد بركات، الذي تحولت قصة توقيفه من قبل الأمن الفلسطيني، أثر قيامه بتصوير موكب رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمدالله ، أثناء تواجد موكب رئيس الوزراء قرب حاجز عناب الاحتلالي إلى الشرق من مدينة طولكرم، أسوة بالمواطنين الفلسطينيين، الذين يتعرضون يوميا لقمع الاحتلال وسياساته العنصرية على حواجز الاحتلال، لتطوى صفحة جديدة شغلت الرأي العام الفلسطيني، وتصدرت بعضا من وسائل الإعلام المحلية، وصفحات عددا من نشطاء وسائل الإعلام الاجتماعي، الذين اقتنصوا الحدث للهجوم على النظام السياسي الفلسطيني، والحكومة الفلسطينية، وتصوير الحدث على أنه انعكاس لسلوك بوليسي، يشي بعقلية شمولية في التعاطي مع وسائل الإعلام.
بعيدا عن العاطفة، وردات الفعل، وبعد قرار النيابة العامة إطلاق سراح الصحفي جهاد بركات، فإنني أضع بين يدي القارىء الكريم، قراءة حرصت على تحري الدقة، والشمولية، والواقعية، بها، على أمل المشاركة كمواطن، وباحث، وناشط شبابي فلسطيني في وضع بعض النقاط على حروف الوعي المجتمعي، عبر تقديم رواية أرى أن العديد من وسائل إعلامنا تجاوزتها، وأسقطتها قصدا خلال تعاطيها مع الحدث.
– هل هناك حاجة حقيقية للحذر
منذ تكليفه رئيسا للحكومة الفلسطينية عام 2013، فقد اختار الدكتور رامي الحمد الله رئيس حكومة الوفاق الوطني، الطريق الأصعب، والأصح، إذ قرر منذ اليوم الأول التنازل طوعا عن العديد من الامتيازات الشخصية التي يتيحها موقعه الجديد، على رأس حكومة دولة فلسطين، فقرر أن يستمر بالعيش في بيته بطولكرم، مفضلا التنقل اليومي عبر حواجز الإحتلال، لملامسة أوجاع المواطنين، واحتياجاتهم بنفسه، استمرارا بنهج بناء الجسور الذي اعتاد انتهاجه مع المواطنين، والطلبة، والمجتمع المحلي، خلال فترة رئاسته لجامعة النجاح الوطنية، ورفضه لسياسة إقامة الحواجز، والأسوار مع أبناء شعبه، هذا بالإضافة إلى قراره الحاسم منذ اليوم الأول، برفض التنسيق مع الاحتلال، لمنح موكبه امتيازات إضافية، تمنحه امتياز التنقل عبر حواجز الاحتلال دون المرور بذات الإجراءات التي تواجه المواطن العادي، وهو الأمر الذي يجعل من مهمة رجال الأمن القائمين على توفير الحماية لموكبه من أصعب المهام، كونه يشكل نموذجا مختلفا، ومغايرا لرجال السياسة في المحيط العربي، والشرقي بشكل عام، وهو الأمر الذي لا يعتبر غريبا على من عملوا معه، سواء من أكاديميين، أو إداريين، أو طلبة، إذ أن صفة الديناميكية، وتحدي الظروف المحيطة، والالتصاق بالجماهير، وتسجيل الإنجازات الكبيرة في ظل أصعب الأوقات، هي من صفاته التي لولاها لما استطاعت جامعة النجاح الوطنية، أن تغدو كبرى جامعات الوطن في أحلك الظروف التي عاصرتها محافظة نابلس، وهو الأمر الذي لا زال يحرص عليه من خلال مشاركته بيوت العزاء، ولا سيما الشهداء، وزيارة الجرحى، والتواصل الشخصي، مع الحركة الأسيرة داخل سجون الإحتلال، كما لا ننسى انه رئيس الوزراء الفلسطيني الأول الذي يزور مخيمات اللاجئين في لبنان، ويتلمس احتياجاتهم، وظروفهم بذاته، على الرغم من الظروف الأمنية المعقدة هناك.
قراءة واقعية، وشاملة، وعقلانية للحدث، قد تقود العديد ممن تسرعوا بوصم الحدث، بالسلطوية، والشمولية، والعسكرة إلى تغيير رأيهم، إذ أن هناك العديد من السوابق والمؤشرات التي تبرر الحيطة والحذر، وهناك العديد من الحوادث التي تم تسجيلها خلال الأعوام الماضية، حول استهداف مواكب عددا من القيادات الفلسطينية، لعل أبرزها، ما نشر عبر وسائل الإعلام المحلية عام 2009، من اعتقال خلية، كانت تتعقب مواكب عدد من القيادات الفلسطينية، بهدف الاغتيال، واكتشاف خلية أخرى في مدينة نابلس عام 2010، على بعد خطوات من تنفيذ عملية اغتيال بحق محافظ نابلس في حينه اللواء جبرين البكري، بعد متابعة سير سيارته، وأوقات تنقله، هذا بالإضافة إلى تسجيل وسائل الإعلام عبر الصوت والصورة المباشرة، استهداف جيش الإحتلال، لأربع مرات على الأقل موكب رئيس الوزراء الفلسطيني د.الحمد الله ، ومحاولة التعرض المباشر له، في محاولة لإجباره على تنسيق تحركه عبر الارتباط مع قوات الإحتلال، في تنقلاته اليومية، وهو الأمر الذي رد عليه رئيس الوزراء عبر الهواء مباشرة، ومن خلال وسائل الإعلام التي حضرت لتغطية الحدث، بأن قال للضابط الاحتلالي المتواجد في المكان ” هاي أرضنا ورح نمر منها كل يوم “، كل هذا يضاف إلى حقيقة أن الإجراءات الحاسمة، والجدية، التي اتخذها رئيس الوزراء، وتابعها شخصيا، كونه وزيرا للداخلية، بحق تجار المخدرات، ومروجيها، وزارعيها في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية، وتوسيع نطاق الحرب ضد تلك السموم ومروجيها، إلى المناطق المصنفة ” ج “، وشنه حربا لا هوادة فيها على ظاهرة السيارات الغير شرعية التي تجتاح مدننا ومخيماتنا وقرانا، وتفتك بعدد كبير من أبناء وشباب شعبنا، وموقفه الحاسم في التصدي للفلتان، والفوضى، ورفع الغطاء عن كل رموزها، وانهاء مظاهرها وهو الأمر الذي دفع في سبيله عددا من أبناء الأجهزة الأمنية حياتهم في سبيل تحقيقه، مما أدى إلى تضرر فئات اعتادت الإعتياش كالفطر السام، على حساب أمن المواطنين، وأرزاقهم، وأعراضهم، مما يجعل من الحذر، وعدم التهاون، أو الرخاوة، أو التردد في توفير كل مقومات الحماية لرئيس الوزراء، هو ضرورة حقيقية لها ما يبررها.
يعلم المنتقدون جيدا سياسة الانفتاح التي يتبناها رئيس الوزراء تجاه وسائل الإعلام، وتواصله المباشر، والصريح معها، ومما يسجل له خروجه بلقاءات صريحة في ظل أوضاع غاية في الحساسية، والصعوبة مرت بها الضفة الغربية، لعل أحدها هو لقاءه الصريح، عبر فضائية معا، خلال أحداث البلدة القديمة في نابلس، والتي تحدث بها رئيس الوزراء بكل شفافية، ووضوح، وصراحة، ودون مواربة أو تلكؤ، أو ضبابية، وأجاب على عشرات الاسئلة التي كانت تعتري المواطن البسيط، كما أن موقفه من حرية التعبير، وحماية الصحفيين وتمكينهم من أداء مهامهم، تتعدى حدود الشعار إلى الممارسة، وقراره بتشكيل لجنة محايدة بأحداث مجمع المحاكم قبل أشهر من الآن، وتبني جميع توصيات تلك اللجنة وتنفيذها، ما هو إلا شاهد جديد على ذلك.
لا أستغرب قيام عدد من وسائل الإعلام، وبعض الإعلاميين، بالتهجم الدائم على شخص رئيس الوزراء، وأود هنا أن ابرق لهم خبرا محزنا، إذ أن الدكتور رامي الحمد الله، آخر من يمكن التأثير عليه عبر الاستهداف الإعلامي، وعبر التهديد، والوعيد، ولو كانت تلك السياسة تؤتي أكلها، لنجح بها المحتل، الذي هدد باجتياح الجامعة بمدفعيته، وقواته المسلحة بأعتى أنواع الأسلحة، من أجل الضغط لردع الحركة الطلابية عن قيادة المواجهة مع الإحتلال، فكان رد الدكتور رامي، بان غدت جامعة النجاح، كبرى جامعات الوطن، وأولاها، وبأن فتحت لأبنائها بوابات جديدة، واستقطبت كفاءات عربية وعالمية مشهود لها بالتميز، فهو لمن أراد أن يختبره، كالعود، كلما ازدادت عليه الخطوب، ازداد طيبا.