ما ان لاح في الأفق مايبشر بوضع نهاية ل”البلوكاج” أو الانسداد الحكومي،حتى بدأت في الدهاليز والكواليس السياسية والحزبية،معركة الاستوزار التي يتجلى عنوانها الأبرز في البحث عن مناصب أو مقاعد وزارية،يتطلع إليها الكثيرون.
وهكذا، وقبل وضع أرضية للبرنامج الحكومي من خلال نقاش بين الأحزاب السياسية الستة المدعوة للمشاركة في الحكومة المرتقبة،(العدالة والتنمية،والتجمع الوطني للأحرار،والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،والحركة الشعبية،والاتحاد الدستوري،والتقدم والاشتراكية)، سارعت كل مكونات الأغلبية المنتظرة إلى التسابق نحو اقتسام “الكعكعة”،لأن هذا هو مايهمها،في نظر بعض المواطنين،وليس سن استراتجية من أجل النهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
وحسب بعض التسريبات التي تجاوزت أصداؤها أسوار الأحزاب المعنية،لتصل إلى الصحافة، فإن مسألة الاستوزار،فجرت الكثير من الجدل،وكانت بمثابة وقود لإشعال المواجهات بين بعض الزعامات وأعضاء المكاتب السياسية، ممن يطمحون إلى تسلم الحقائب الوزارية.
وحتى بالنسبة لأولئك الذين كتب لهم في السابق،خوض التجربة الحكومية من خلال بعض الوزارات، فإن الحنين عاد ليشتعل في أعماقهم للعودة إلى الجلوس على الكراسي الوثيرة،بعد أن ذاقوا طعم السلطة وحلاوتها وامتيازاتها.
أما المعارضة التي يمكن أن تلعب دورا أساسيا في مراقبة العمل الحكومي،ودعم المسلسل الديمقراطي،فلا أحد يفكر في الاتجاه إليها،باستثناء حزب الأصالة والمعاصرة، الذي عبر منذ ظهور نتائج الانتخابات التشريعية في السابع من أكتوبر الماضي عن اختياره لها، بكل وضوح ومسؤولية،علما أن حزب الاستقلال تراجع مؤخرا عما التزم به من قبل، وهو دور المساندة،بعد أن وجد نفسه خارج كل المعادلات بفعل مشاكله التنظيمية الداخلية.
وانطلاقا من حزب العدالة والتنمية،ومرورا بكل مكونات الأغلبية الحالية،فإن الصورة الي يمكن رصدها،دون عناء، هي أن الملمح الطاغي هو الطموح الجارف لدى الكثيرين نحو الاستوزار، مع الحرص الشديد على عدم تفويت هذه المناسبة، التي يعتبرها البعض “فرصة العمر”، وقد لايجود الزمن مستقبلا بها.
ومما يزيد من تعقيد مهمة الدكتور سعد الدين العثماني،رئيس الحكومة المعين،هو أن هناك إرادة واضحة نحو تقليص عدد الحقائب الحكومية، حتى لايتجاوز عددها 30 منصبا وزاريا، خلافا للحكومة السابقة برئاسة عبد الإله بنكيران.
ومن قلب المقر المركزي لحزب “المصباح” في حي الليمون بمدينة الرباط،ارتفعت أصوات بنبرة غير راضية عن المسار الذي آلت إليه الأوضاع،محذرة ومنتقدة،بل وذهب الأمر ببعض البرلمانيين التابعين لنفس التنظيم السياسي إلى حد التصويت في البرلمان لإسقاط حكومة العثماني!
وفي شارع العرعار بحي الرياض بالعاصمة السياسية،حيث ينتصب المقر الشامخ لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،علا الصراخ في مواجهة حادة ومباشرة بين ادريس لشكر،الكاتب الأول لحزب الوردة،والقيادية حسناء بوزيد،على خلفية اللائحة التي ينوي التقدم بها للمشاركة في الحكومة.
ولم يسلم مقر حزب الحركة الشعبية في حي حسان،بمدينة الرباط أيضا، من مشاحنات وأجواء من التوتر سادت مؤخرا اجتماع المكتب السياسي برئاسة امحند العنصر،الأمين العام لحزب السنبلة،بسبب ما قيل عن إعادة تداول أسماء سبق لها أن تولت المناصب الوزارية، وتسعى حاليا للعودة إليها، رغم انها ارتبطت بقضايا كانت حديث الرأي الوطني العام،بسبب سوء تدبيرها.
ولايتسع هذا الحيز الضيق لاستعراض كل ما راج ويروج من أخبار في مختلف مقرات الأحزاب السياسية حول معركة الاستوزار، التي يبدو أنها لن تضع اوزارها إلا بعد ظهور الحكومة الجديدة رسميا،في القادم من الأيام.
لكن ثمة مواجهات أخرى في الانتظار،وهي المتعلقة بما بات يسمى ب”حرب الدواوين الوزارية”،التي يفكر أعضاء شبيبات الأحزاب السياسية،وغيرها من المنظمات الموازية،في الالتحاق بها،وتلك قصة أخرى تستوجب وقفة مطولة عندها.