في أول سابقة من نوعها في التاريخ الديبلوماسي للمغرب، وفي الوقت الذي يسعى فيه لاستعادة مقعده في البيت الافريقي، ويقوم ببذل مجهودات جبارة لدعم أسس التعاون مع مختلف أقطار القارة السمراء،تفجرت فضيحة من العيار الثقيل، في مدغشر، خلال زيارة الملك محمد السادس للجزيرة.
وهذا يعني، في نظر المراقبين والمتتبعين، أنه لولا الزيارة الملكية لهذا البلد الافريقي، لما تم الكشف عن هذه الفضيحة، ولظل بطلها السفير المغربي السابق بعيدا عن المتابعة، رغم مخالفته لكل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية، بخيانته للأمانة، وتدخله في الشؤون الداخلية لهذا البلد، وعدم التزامه بروح القسم، الذي أدلى به يوم تعيينه في هذا المنصب.
للمزيد من التفاصيل:السفير المغربي السابق بمدغشقر متورط في اختلاس الأموال وخرق القواعد الدبلوماسية
وهنا يطرح السؤال حول دور وزارة الخارجية والتعاون ومدى مراقبتها لأداء السفراء الذين يتم تعيينهم في مختلف أنحاء العالم، والذين يفترض أن تكون هناك متابعة دائمة لحضورهم من خلال المواكبة والتقييم، عبر التواصل الدائم.
ونظرا لهذا التراخي في مراقبة ممثلي السلك الدبلوماسي، كانت تروج مجموعة من التصورات عن ممارسات يقوم بها بعض سفراء المملكة، ومنها انصرافهم نحو ممارسة هواياتهم، او الانشغال بمجالات أخرى، بعيدا عن وظيفتهم المسندة إليهم، كالانغماس في التسويق التجاري، كأنهم في رحلة سياحية، وليسوا في مهمة دبلوماسية، تتطلب منهم خدمة قضايا بلدهم.
وهناك بعض السفراء، من طالهم النسيان في مقرات أعمالهم المعتمدين فيها، وظلوا فيها مدة طويلة من الزمن، حسب بعض التقارير، دون أن يجري استبدالهم، أو نقلهم إلى عاصمة أخرى، غير تلك التي طاب لهم المقام فيها.
ولربما تكون هناك شكايات بشأن سلوكات بعض السفراء في مختلف عواصم العالم،قد ترفع إلى الوزارة الوصية، لاتخاذ الإجراءات اللازمة في حقهم، او الاستماع إليهم على الأقل، حتى لايتمادوا في سلسلة أخطائهم، لكن تلك الشكايات تظل بدون مفعول، لعدم التعامل معها بالجدية اللازمة التي يقتضيها ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة على سبيل المثال لاالحصر، إلى واقعة تم فضحها مؤخرا، وتتلخص في أن وفدا كرويا مغربيا، هو الدفاع الحسني الجديدي قادته المنافسات الرياضية إلى مدغشقر لخوض بعض المباريات، وأصيب اللاعبون هناك بتسمم غذائي، بعد مقابلة ضد ضد فريق أديما الملغاشي.
والمفارقة الغريبة، هي أن أحد مسؤولي الفريق اتصل بمحمد عمار، سفير المغرب لإخباره بالحادث، عساه يقوم بما يقتضيه الموقف، لكن رد فعله كان مخيبا للأمل، فقد نصح اللاعبين بتناول”الكمون”، “وفي رواية أخرى :” عليكم بالتلقيح”، حسب ما نشرته يومية”الأخبار”.
وجود مثل هذا السفير لايشرف المغرب، ولا يستحق أبدا أن تسند إليه هذه المسؤولية، التي تقتضي منه أن يكون ممثلا للبلد بحضارته وتاريخه وإشعاعه الثقافي والإنساني، كأرض للحوار والتعايش وتلاقح الأفكار.
والملاحظ أن كل الأعطاب التي تم الكشف عنها في المجال الديبلوماسي والقنصلي للمملكة، حتى الآن، لم تعلن عنها لا وزارة الخارجية والتعاون، ولا وزارة الجالية، وإنما كان وراءها دائما الملك محمد السادس، من خلال زياراته للخارج، واتصالاته وإنصاته للمهاجرين المغاربة، وهو الأمر الذي تطرق فيه بتفصيل في إحدى خطبه، داعيا إلى الارتقاء بالعمل الدبلوماسي والقنصلي.
والآن، وقد جرى إعفاء السفير المغربي في مدغشقر، في أفق التحقيق معه، وتعيين سفير آخر مكانه، هو محمد بنجيلاني، بعد استقدامه من جزر الكومنولث و البهاما، هل تعيد وزارة الخارجية والتعاون النظر في أسلوب عملها، حتى لايتكرر ما وقع في هذه الجزيرة في أي عاصمة أخرى؟
لقد آن الآوان أن تبادر هذه الوزارة إلى معالجة الاختلالات التي تعرفها دواليبها، وذلك من خلال مقاربة شمولية جديدة تقوم أساسا على اصلاح الاعوجاجات التي تعاني منها، ولا تزداد إلا تراكما عبر السنين.
وعسى أن تكون قضية السفير المغربي المطرود من جزيرة مدغشقر انطلاقة جديدة نحو تدشين هذا المسلسل من العمل الجاد من أجل أن تكون الدبلوماسية واجهة حقيقية تعكس صورة البلد في أجمل تجلياتها، دون ان تتعرض للخدش بفعل سلوك سيء لسفير لايقيم وزنا أو اعتبارا لمنصبه وسمعة وطنه.