في مفاجأة من العيار الثقيل، يمكن اعتبارها “زلزالا سياسيا”، دفع عمار سعداني الأمين العام لجبهة التحرير الوطني الجزائرية ثمن هجومه على النفوذ الفرنسي قبل أيام، عبر تهجمه على من اعتبره أبرز ممثلي هذا هذا النفوذ، رئيس المخابرات العسكرية الأسبق الفريق محمد مدين (توفيق)، وكذا الممثل الشخصي السابق لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بلخادم. “إقالة” أو استقالة سعداني تأتي بعد أيام فقط على ما عد هجوما غير مسبوق، وتجاوزا لخطوط حمر كثيرة، اختلفت قراءات المتابعين له، من كونه إيذان بتصعيد الحرب ضد مناصري النفوذ الفرنسي داخل محيط الرئاسة، من قبل سعداني “المسنود” من قيادة الجيش الشعبي، ومن اعتبره “خطوة غير محسوبة” للرجل بناء على قراءة خاطئة تخصه.
عنصر المفاجأة في إقالة سعداني، كونها أظهرت قوة المعسكر المساند لفرنسا في الجزائر، بعد الضربات المتوالية التي تلقاها من قبل قيادة الجيش الوطني الجزائري، التي أزاحت توفيق وزجت ببعض كبار مساعديه في السجن، وفرضت العديد من التغييرات داخل المؤسسة العسكرية في أفق إعادة هيكلتها، وهو ما قرئ على أنه محاولة لإنهاء النفوذ الفرنسي العريق داخل المؤسسة الاقوى في الجزائر، تمهيدا لاستكمال محاولة إنهاء هذا النفوذ داخل مؤسسة الرئاسة.
ومباشرة بعد إعلان سعداني بنفسه خبر استقالته خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزبه، انهمر سيل التحليلات من قبل أنصار المعسكرين: معسكر أنصار الجيش في مسعاه لإنهاء النفوذ الفرنسي في البلاد، ومعسكر خصومهم الذين يرون في مثل هذا الإنهاء دمارا شخصيا لمصالحهم، والذين اجتهدوا طيلة الوقت للتأكيد على ولاء رئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومن يحكمون باسمه بقيادة أخيه السعيد بوتفليقة. أنصار هذا الأخير، وأمام صدمة خصومهم الذين اعتبروا سعداني معبرا عن إرادة الجيش، ويتمتع “بالحماية” في هجومه على النفوذ الفرنسي وممثليه، سارعوا للاحتفال بالنبأ، والاستهزاء بكل حديث خصومهم عن “حملة التطهير” التي يشنها الجيش ضد النفوذ الفرنسي في البلاد.
وكالعادة في مثل هذه المناسبات الفارقة، سرعان ما انتشرت سيناريوهات “نظرية المؤامرة” التي ربطت إقالة سعداني بالاجتماع الذي عقده رئيس الأركان القايد صالح مع رؤساء الأركان في كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا قبل ساعات، معتبرين أن عدم قدرة الجيش على تقديم الحماية الكافية “لرجلهم” على رأس الحزب التاريخي، دليل على تلقيه “تهديدات صريحة” أجبرته على التضحية بالرجل.
وكيفما كان الحال، فالأكيد أن إقالة سعداني هي زلزال سياسي بكل المقاييس، لا بمقدار ما يمثله الرجل، وإنما بمقدار الرهانات التي كانت معلقة على فحوى ما صرح به قبل أيام، وهي تنبئ بأن الحرب بين جناحي الحكم في الجزائر (الرئاسة والجيش) قد دخلت منعطفا خطيرا، ربما يصح معها القول أن اللعب بين المعسكرين قد أصبح “عالمكشوف”، مما يترك المستقبل في الجزائر مفتوحا على مجهولين: إما سينهي الحديث عن حرب مؤسسة الجيش على النفوذ الفرنسي، أو سيؤجله إلى أجل غير مسمى، وإما يصدر عن الجيش خطوة مضادة تفيد عكس ذلك، وتكون من وزن إقالة “رب الدزاير” توفيق، وبأجل أقصاه احتفالات الأول من نوفمبر المقبل، حتى تحافظ على زخم الخطوات التي اتخذتها منذ الصيف الماضي.
عموما، فالأسبوعان المقبلان، مرشحان لتطورات مثيرة، ربما تسهم في تحديد مستقبل البلاد لسنوات طويلة مقبلة!!!