للموت جلاله، ولإحساس الإنسان باقتراب أجله، تأثير مزلزل، حيث يشعر الإنسان بضآلته ويواجه الحقائق التي عاش محاولا الهرب منها. يقول الله تعالى: “وجاءت سكرة الموت بالحق، ذلك ما كنت منه تحيد”. تلك اللحظات في حياة محمد عبد العزيز زعيم البوليساريو، أحسن رصدها موقع إخباري إسباني مطلع (lainformacion)، نظرا للعلاقات التاريخية بين إسبانيا وجبهة البوليساريو.
يورد المصدر الإسباني أن عبد العزيز قد أسر لأحد أقرب معاونيه، أنه يدرك الآن في هذه الساعات، أن “معظم مفاهيمه وقناعاته قد أصبحت متجاوزة وعفا عليها الزمن، لاسيما تلك القناعات المتعلقة بالنزاع حول الصحراء”، والذي أستهلك معظم سنوات حياته، وأنه “يشعر بالذنب والندم على التزامه تجاه الجزائر، وتآمره على المغرب”.
اعترافات من رجل بهذا المنصب تجاه نزاع بهذه الخطورة، حتى وإن صادف تشكيكا متوقعا من قبل من يعدون أنفسهم لاستكمال مشوار العمالة والتنكر للوطن الأم، فإنه سيترك تأثيرا مزلزلا على من سيخرج خاسرا من هذا الصراع على القيادة، والأهم، أن سيزعزع قناعات كل من آمنوا ببطولة الرجل (أي محمد عبد العزيز) ونظروا برومانسية إلى “مساره النضالي التحرري”، لاسيما وأن المعنى بالأمر، وأمام جلال الموت، وصف الأشياء بمسمياتها: تآمر مع الجزائر على الوطن الأم المغرب!!
وإذا أضفنا لذلك كله حالة انعدام الثقة بين محتجزي تيندوف والعصابة التي تشرف على اعتقالهم، وعدم الثقة بإمكانية الجزائر أو الأمم المتحدة على إعادتهم إلى وطنهم إلا تحت الراية المغربية، فيمكن توقع الوجهة التي ستأخذها الأحداث خلال الأيام والأسابيع الماضية: تسرب المحتجزين بالعشرات إلى وطنهم المغرب عبر موريتانيا واسبانيا، انتفاضة من تبقى محتجزا منهم في وجه زبانية البوليساريو، وعودة الكثير من قيادات الصف الأول إلى المغرب، لسبب بسيط، أن ما عبر عنه عبد العزيز على فراش موته من حقيقة، هي ما يدور في ذهن كل منهم، ولا حاجة لهم بالندم عليها يوم لا ينفع الندم.
إن القفز من قارب يغرق، لاسيما وأن اليابسة على مرمى البصر، هو السلوك الطبيعي لكل من هم داخل القارب، مهما بلغت سطوة ربانه وحراسه، وأن يعود الصحراويون إلى حضن وطنهم الدافئ أحياء، أفضل من أن يختاروا الدفن فيه، كما فعل زعيمهم عبد العزيز، الذي ترجم قناعات الساعات الأخيرة باختيار الدفن داخل الأقاليم الصحراوية، ونجزم أنه لو شك للحظة بأن أمنيته يمكن أن تتحقق، لاختار الدفن في مسقط رأسه مراكش.