طويت صفحة محمد عبد العزيز غير المشرفة على رأس جبهة البوليساريو الانفصالية بعد مرور حوالي أربعة عقود من هيمنته على الجبهة كوكيل معتمد من قبل مراكز القرار السياسي والعسكري والاستخباراتي الجزائرية.
وإذا كان غير مستبعد بروز بعض الحساسيات الأمنية والسياسية على مشهد خلافة رجل الجزائر القوي على رأس البوليساريو، فإن ذلك لن يغير كثيراً في مجرى أمور الجبهة الانفصالية، وتوجهاتها السياسية والعسكرية بسبب كونها فرعا عضويا من التوجهات السياسية والعسكرية الجزائرية. لذلك ليس من المجدي ان لم يكن عبثيا في الواقع كل محاولة للتعرف على من سيتولى منصب الامانة العامة في الجبهة الانفصالية، لأنها ليست العنوان الذي يمكن ان يؤشر على مضمون رسالة ما لهذه الخلافة، بل ينبغي التركيز أساسا على ما يعتمل داخل مختلف أروقة الحكم بالجزائر، لأن نتيجة تنافس القوى وصراعها داخلها هو الذي سيعطي المؤشرات الحقيقية لمجمل سياسات الجزائر لما بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حيث ليست قضية البوليساريو الا ورقة من أوراق تلك السياسات، قد تلعب بعض الأدوار المؤثرة في تحييد بعض القوى او كسبها او فتح النيران عليها، بحسب تموقعها العام إيجاباً او سلبا بتقدير القيمين على الشأن العام الجزائري منذ عجز الرئيس عن ممارسة الحكم، رغم الإصرار على قرن كل القرارات باسمه، بما فيها قرارات من المشكوك فيه ان يكون بوتفليقة على علم بها أصلا نظرا لظروفه الصحية المتدهورة بشكل ملموس خلال السنتين الأخيرتين.
وانطلاقا من هذا الواقع، فإن غياب محمد عبد العزيز، وإحضار هذا او ذاك ليحل مكانه لن يغير شيئا من المعادلات التي تحكم النزاع الاقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، لأن من تحكم فيها سابقا، ومن يتحكم فيها حاليا، ولا شيء يمنع من ان يتحكم فيها مستقبلا هو الطاقم الحاكم في الجزائر وطبيعة استراتيجيته تجاه المغرب والتي قامت على العداء له ولنضاله من اجل استكمال وحدته الترابية وبسط سيادته على ترابه الوطني.
فمن رأى إشارة إيجابية ما من قصر المرادية توحي بإمكانية تغيير توجهاتها المعادية للمغرب فليدلنا عليها، اما التكهنات حول الأدوار الخاصة لمن تحدد لهم القيادة الجزائرية وظائفهم اليومية فليس الا مضيعة للوقت والجهد في أمور منعدمة المردودية بأي وجه كان.