المقدّمة
تعتبر الطاقة النووية اليوم بديلاً مهمًا عن النفط والغاز بتحوّلها حلمًا لعلماء الطاقة النوويّة قبل الحرب العالمية الثانية، إلى واقع خلال السنوات 1940 – 1945، عندما تمّ بنجاح اختراع واختبار أول مفاعل نووي أو سلاح نووي. وقد حدث تطوّر هائل في التقنيّة النووية خلال العقود الأربعة الماضية، وأصبحت العلوم النووية أساسًا في بعض الأبحاث الطبية والزراعية والصناعية.
يرتبط امتلاك دولة ما للتقنية الضرورية لإنتاج الطاقة النووية ارتباطا وثيقًا بإمكان إقدام هذه الدولة على إنتاج السلاح النووي، الأمر الذي حدا المجتمع الدولي والدول الكبرى على إبرام العديد من المعاهدات في إطار سعيها إلى الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، وإلى ممارسة ضغوط كبيرة ووضع العراقيل في وجه الدول الساعية لامتلاك التكنولوجيا النووية على الرغم من أن امتلاك هذه التكنولوجيا يعتبر من الناحية القانونية حقًّا مشروعًا.
يُعوَّل على الطاقة النوويّة أن تصبح أعظم مصادر الطاقة في العالم بالنسبة للإضاءة والتسخين وتشغيل المصانع وتسيير السفن وغير ذلك من الاستخدامات. من ناحية أخرى، يخاف العالم من الطاقة النوويّة لأنّها تُستخدَم أيضًا في صنع أعظم القنابل والأسلحة تدميرًا، كما أنّ بعض نتائج عمليّة الانشطار تكون سامّة للغاية.
في المقابل، تتعاظم أهمية امتلاك الطاقة النووية في ظلّ سير مصادر الطاقة نحو الإنضاب بسبب الاستنزاف العارم الذي تتعرّض له هذه المصادر نتيجة الاعتماد عليها في مجالات الحياة اليومية كلّها، حيث بات من الضروري البحث عن مصدر آخر لها، فأصبح أمر تطويع الطاقة النووية للاستعمالات السلمية يشكّل طموحًا لدول العالم لمواجهة أزمة الطاقة المرتقبة خلال العقود المقبلة.
الهدف من هذا البحث إلقاء الضوء على أهمية الطاقة النوويّة في عصرنا الحاضر ومجالات استخدامها السلمية والعسكرية، وحقّ الدول في امتلاك هذه التكنولوجيا من الناحية القانونية وعلى أهمّ المعاهدات الدولية والمؤسّسات التي ترعى استخدام الطاقة النووية بالطرق السلمية ومدى ارتباط هذه المعاهدات بسياسات الدول الكبرى ومصالحها، لنخلص إلى الصيغة التي تتمكّن من خلالها الدول النامية من امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية بشكل يضمن أمن المجتمع الدولي الذي تتّخذه الدول الكبرى ذريعة لمنعها من الوصول إلى امتلاك هذه التقنية. القسم الأول: الطاقة النووية واستخداماتها السلمية
1-اكتشاف الطاقة النوويّة
لقد بدأت الأبحاث النوويّة منذ أواخر القرن التاسع عشر من خلال ما قام به الفيزيائي الفرنسي هنري بيكيريل، حيث حدّد طبيعة الإشعاع العام 1896 واكتشف الإلكترونيات في العام التالي.
وفي العام 1898، نجح كل من “بيار وماري كوري” في عزل المواد الطبيعية المشعّة وهي الراديوم والبولونيوم، وفي أوائل القرن العشرين ظهرت أسس الفيزياء النوويّة من خلال الأبحاث التي قام بها ثلاثة علماء والذين إقترنت أسماؤهم في ما بعد بالقنبلة النوويّة الأولى وهم “إدوارد تيلير وأنريكو فيرمي وج. روبرت أوبنهايمر”.
2- إهتمام الدول في الطاقة النوويّة
تتعرّض الدول المتقدّمة نوويـًا لقلقٍ كبير نتيجة العلاقـة الوثيقة بين الطاقـة النوويّة والتسلّح النووي. ولهذا فإن سعي أيّ أمّة لتحقيق إكتفاء ذاتي نووي يشكّل عندها تهديدًا للأمن الدولي.
في العام 1941، جنّدت الولايات المتحدة الأميركية كامل طاقاتها لصنع قنبلة نوويّة، من خلال ما عُرفَ بمشروع “مانهاتن”، الذي ضمّ مجموعة من العلماء الأوروبيين الناجين من ألمانيا النازيّة والذين لجأوا إلى الولايات المتحدة مع أسرار تقنيّة وعلميّة، وتجدر الإشارة إلى أن ألمانيا النازيّة، ومنذ أواخر الثلاثينيات، كانت متفوّقة في المجال النووي، إلا أنّها قرّرت إهماله مؤقّتًا لتصبّ الإهتمام على تطوير صواريخ من نوع V1 وV2 والتي تعتبر باكورة إنتاج للصواريخ البالستية البعيدة المدى.
وفي 16 تموز 1945، نجحت الولايات المتحدة في تفجير أوّل قنبلة نوويّة، وذلك في ولاية نيو مكسيكو، وبعد أربع سنوات أي في العام 1949، نجح الإتحاد السوفياتي في تنفيذ إنفجاره التجريبي النوويّ الأوّل، ثم تلته الصين في العام 1945 وبريطانيا في العام 1953، ففرنسا في العام 1960. وهكذا تَشكَّلَ النادي النوويّ من الخمسة الكبار الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والذين عملوا على تطوير ترسانتهم وزيادة مفاعيلها التدميريّة، التي وصلت إلى حدّ القدرة على إفناء الكرة الأرضية بكاملها عشرات المرّات.
وبقي النادي النوويّ حكرًا على الخمسة الكبار طيلة فترة الحرب الباردة، إلى أن أصبح يشمل الهند، أفريقيا الجنوبية، باكستان، وإسرائيل التي فضّلت إبقاء قدراتها النوويّة طيّ الكتمان وإحاطتها بجدار من الغموض والتعتيم.
كان إنتاج القنبلة النوويـة في العام 1945 بداية عصر جديد وثورة تكنولوجية ضخمة. هذه الثورة التكنولوجيـة قد تكون إذًا للخير أو للشر، وهذا متوقّف على الإنسان نفسه، فإما أن يستهدي بأعماله بما يقضـي به العقـل والحكمـة، وإما أن يخرج على مقتضياتهما وأحكامهما فيعجّل النكبة.
3-الإستخدامات السلمية للطاقة
أ- في إنتاج الطاقة الكهربائية
في العام 1954 تمَّ إنشاء أوّل مفاعل نووي لإنتاج الطاقة الكهربائية في الإتحاد السوفياتي سابقًا. وفي العام 1956، أُنشئت في بريطانيا أوّل محطّة لتوليد الكهرباء تعمل بالطاقة النووية في أوروبا. وخلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، إتسع نطاق إستخدام الطاقة النووية في مجال توليد الطاقة الكهربائية في العديد من دول العالم. إلى أين ستقودنا المفاعلات النوويّة؟ ولاسيما وأن الطاقة النوويّة تزوّد دول العالم بأكثر من 16% من الطاقة الكهربائيّة، فهي تمدّ 35% من إحتياجات دول الإتحاد الأوروبي. واليابان تحصل على 30% من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النوويّة، بينما تعتمد بلجيكا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا وأوكرانيا على الطاقة النوويّة لتزويد ثلث إحتياجاتها من الطاقة، لأن كمية الوقود النوويّ المطلوبة لتوليد كميّة كبيرة من الطاقة الكهربائية أقلّ بكثير من كمية الفحم أو البترول اللازمة لتوليد الكميّة نفسها. فطنٌّ واحد من اليورانيوم يقوم بتوليد طاقة كهربائية أكبر بملايين من براميل البترول أو ملايين الأطنان من الفحم.
تشغل المحطّات النوويّة لتوليد الطاقة مساحات صغيرة نسبيًا من الأراضي بالمقارنة مع محطّات التوليد التي تعتمد على الطاقة الشمسيّة، فقد أكّدت اللجنة التنظيميّة للمفاعلات النوويّة على أننا بحاجة إلى حقل شمسي بمساحةٍ تزيد عن 35 ألف فدّان لإنشاء محطّة تُدار بالطاقة الشمسيّة لتوليد طاقة تعادل ما تولّده المحطّة النوويّة بمقدار 1000 ميغاوات.
ب- في مجال الطب والصيدلة
الطبّ النوويّ هو فرع من علم الطبّ، تُستخدم فيه مواد النظائر المشعّة لتحديد المرض ومعالجته. هذه المواد أما أشعّة النظائر وأما أدوية معلّمة (وضعت لها علامات) بمواد أشعّة النظائر. يتمّ تزريق هذه المواد لتحديد الداء وقياس نسبة الأشعّة المجازة للمريض. في هذا القسم قد يشار إلى أمور من شأنها تحديد سرطان البروستات وعلاجه وسرطان الكولون والأمعاء الصغيرة وبعض حالات سرطان الصدر، وكذلك تحديد الغدد السرطانية ودراسة غدد المخّ والصدر والأعراض الوريديّة وتصوير أمراض القلب وسوى ذلك مثل تحديد فقر الدم. إلى ذلك، أدّى التطوّر الكبير للتقنيات المعتمدة في إستخدام النظائر المشعّة في تشخيص الأمراض إلى تطوير كبير في قدرة الأطباء على التشخيص الدقيق لمختلف الحالات المرضية، ممّا كان له الأثر الكبير في نجاح إستخدام العلاجات المستخدمة. فقد تمكّن الأطبّاء من تحديد حجم الدم في جسم الإنسان وتحديد حجم البلازما والكريات الدموية كلّ على حدة، ومن دراسة الدورة الدموية في الشرايين وتحديد أماكن الضعف بها، كما تمّ تشخيص أمراض عضلة القلب وتحديد مدى الضيق في صمّاماته وتحديد كفاءتها.
أما في العلاج، فلعلّ أهم النجاحات التي لقيتها الأساليب النوويّة في الطب كانت في عمليات علاج الأورام السرطانيـة، وفي حالات الذبحة الصدرية وهبوط ضغط الدم. كما وفّرت النظائر المشعّة إمكانيات هائلة لعلوم الصيدلة من خلال إستخدام المواد الكيميائية والصيدلانية الموسومة بالنظائر المشعّة، فقد أصبح ممكنًا بصورةٍ دقيقة التعرّف على تأثير الدواء ومساره وتحوّلاته داخل جسم الإنسان أو النبات، وكان من أعظم النجاحات لاستخدام تلك المركبات الموسومة، هو تفهّم آلية عمليات التمثيل الغذائي سواء في الإنسان أو النبات.
ج- في مجال الزراعة وإنتاج الغذاء
دفع إستخدام النظائر المشعّة بالعلوم الزراعية وعلوم الأراضي وفيزيولوجيا النبات أشواطًا كبيرة إلى الأمام، ممّا أدى إلى ظهور عصر جديد يمكن أن نسمّيه عصر الزراعة النووية. فقد أمكن باستخدام النظائر والإشعاع دراسة خصائص العلاقة الثلاثية بين الأرض والنبات والماء والوصول إلى حقائق أساسية ومعلومات رائدة لم يكن من الممكن الحصول عليها، إلا باستخدام النظائر المشعّة والإشعاع. فقد تمّت دراسة الأراضي ونوعياتها وخصائصها ومكوّناتها، وأساليب إنتقال الغذاء والماء من خلالها إلى النبات وأثر كل ذلك في نموّ النبات، وكذلك تعتبر دراسة إمتصاص الأسمدة والمبيدات من الخطوات الحاسمة التي ساعدت على ضبط عمليّة التسميد.
وإذا كان تطوير آليات الإنتاج الزراعي وتفهّمها لرفع الإنتاج قد أدّيا إلى نتائج إيجابية واضحة، فإن إستحداث ما يُسمّى بالطفرات النباتية (أي التحوّلات الوراثية المفاجئة)، قد أدّى إلى نتائج باهرة. فقد إستخدمت بعض أنواع الأشعة للتأثير على الجينات النباتية وإحداث طفرات فيها لتحسين المحاصيل الزراعية بإشراف منظّمة الأغذية والزراعة بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي هذا المجال تجري مدارس علمية عديدة جهودًا رصينة ومنهجية لإنتاج مختلف أنواع الطفرات لجميع أنواع المحاصيل، نذكر منها على سبيل المثال: القمح، الشعير والذرة.
أخيرًا، لا تكتمل حلقة تعظيم الإنتـاج، الزراعي من دون أن نتطرّق إلى عنصر الحفاظ على الغـذاء بالإشعاع. وفي هذا المجال تمّ التوصّل إلى أساليب لحفظ الغذاء لمدّة طويلة بعد مرحلة الإنتاج، وذلك باستعمال بعض الإشعاعات النووية، ولاشك بأن أهمية كل ذلك تتضح إذا ما علمنا أنه في القرن الحادي والعشرين يمكن أن يقتصر تداول الغذاء من خلال التجارة الدولية على الغذاء المشعّ فقط، باعتباره نظيفًا ومأمونًا من الناحية الصحية.
د- في مجال الصناعة
تستخـدم المصادر والمواد المشعّة على نطاق واسع في التطبيقات الصناعية على المستوى العالمي لإجراء العمليات الصناعية أو ضبط جودة المنتجات. وذلك من خلال استخدام المعامل والماكينات التي تعتمد في تشغيلها على نظم الضبط الإشعاعية. ففي صناعة النفط مثلاً تستخدم النظائر المشعّة لتحديد سرعة تدفّق النفط عبر الأنابيب وفي صناعة الرقائق تستخدم المصادر المشعّة في ضبط سماكة الرقائق وتعديلها.
القسم الثاني: الطاقة النووية وإستخداماتها العسكرية
1- الصناعة النوويّة
تعتبر الطـاقة النووية في العصر الراهن، وعلى المدى القريب، البديـل المتـاح لمواجهـة متطلّبات الطاقة التي ترافق التنمية الإقتصادية في ظلّ سير الوقود الحفـري نحو الإنضـاب، وإزاء هذه الإعتبـارات تمكّنت بعض الأقطار الناميـة كبنغلادش، البرازيل، الهند، باكستان وتركيا من إرساء برامجها الوطنية للطاقة النوويّة.
إنّ الطاقة النوويّة هي الطاقة الناتجة عن تكوين نواة ذريّة مختلفة عن طريق إعادة توزيع البروتونات والنيترونات بين النواة المتفاعلة، وبالتالي فهي الطّاقة المتحرّرة من القسم الداخلي للذرّة. يقصد بهذا الإصطلاح أيّ سلاح تتخلّله تفاعلات إنشطارية أو إنصهارية ومثال ذلك القنبلة الذرّية والهيدروجينيّة.
فالأسلحة النوويّة هي التي تعتمد على إنشطار نواة اليورانيوم 235 أو البلوتونيوم 239 للحصول على الطاقة، وذلك لدى قذف هذه النواة بنيترونات محايدة (ليس لها شحنة كهربائية)، ويحدث ما يسمّى بالتفاعل المتسلسل اللحظي خلال أجزاء من مليون من الثانية وتنطلق الطاقة النوويّة، ويمكن التحكّم في زمن التفاعل هذا عن طريق إستخدام فحم الجرافيت أو قضبان الكاديوم أو الماء الثقيل لإمتصاص النيترونات والإستفادة من الحرارة الناتجة (محطّات توليد الطاقة الكهربائية).
2- بداية إكتشاف السلاح النووي
بدأت معرفة السلاح النووي من خلال إستغلال خاصية الإنشطار لبعض المعادن الثقيلة مثل اليورانيوم والبلوتونيوم، ثم تطوّر ذلك للأسلحة الإندماجية التي تفوقها في قوّتها الإنفجارية، ثم تطوّر لمعالجة الأهداف المحدّدة الحجم، وفي ما يأتي عرض موجز لأبرز نظم الحصول على الأسلحة النووية من خلال الإنشطار والإندماج.
فالطاقة النوويّة أو الطاقة الذريّة هي الطاقة التي تتحرّر عندما تتحوّل ذرّات عنصر كيميائي إلى ذرّات عنصر آخر وعندما تنغلق ذرّات عنصر ثقيل إلى ذرّات عنصرين أخفّ، فإن التحوّل يسمّى “إنشطارًا نوويًّا” ويمكن أن يكون التحوّل “إندماجًا نوويًّا” عندما تتّحد أجزاء ذرّتين.
أما الإندماج النووي ويسمّى أيضًا التفاعل النوويّ الحراري لأنه يحدث فقط عند درجات حرارة عالية جدًا، فهو عكس الإنشطار النوويّ. والإندماج النوويّ هو الذي يُنتِج الطاقة المدمّرة للقنبلة الهيدروجينيّة ومع ذلك يمكن للإندماج النوويّ في المستقبل، أن يكون أحد أعظم المصادر الشمسيّة للطاقة السلميّة لأنه يمكنه إستخدام مياه البحار والبحيرات والأنهر في إنتاج القوى النوويّة.
3- أنواع السلاح النووي
دخلت العلاقات النوويّـة الدوليّـة مرحلة إنفتاح بعد أن تجاوزت مرحلة العزلة التي دامت ما بين 1955 و1958، ومن ثمّ تحوّلـت خلال السبعينيات إلى مرحلة تقويم الذات. وفي أثناء هاتين الفترتين حقّقت عملية تطويع التقنية النووية بعض الخطى الواسعة للأمام داخل الأقطار المتقدّمة.
أ- القنبلة الذرية
إنها القنبلة النوويّة الأساسية وكانت نماذجها الأولى هي التي أُلقيت على هيروشيما وناكازاكي خلال الحرب العالمية الثانية، وهي القنبلة الإنشطارية التي تستخدم التفاعل المتسلسل لإنتاج كمية كبيرة جدًا من الطاقة في وقتٍ قصيرٍ (جزء من مليون من الثانية)، وهذا ما يؤدّي إلى حدوث الإنفجار الذري القوي جدًا.
ينتج من هـذا الإنفجـار تداعيّـات مدمّـرة تتكـوّن مـن درجـات حـرارة عالية جدًا (مئـات الملاييـن من الدرجـات المئويـة) وضغـوط عاليـة جـدًا (عدة ملاييـن ضغط جـوي) بسرعـــة عالية جدًا، ثم ما يستتبع ذلك من إشعاعات. أما القنبلتان اللتان استُخدِمتا في هيروشيما وناكازاكي فقد تراوحت قدرتهما التفجيرية بين 18و22 كيلوطن.
ب- القنبلة الهيدروجينية
إنها القنبلة التي تعتمد على إندماج نواة العناصر الخفيفة للحصول على الطاقة مثل نظائر الهيدروجين (الديتريوم – والتريتيوم) والهليوم والليتيوم. هذه العناصر تحتاج إلى طاقة عالية جدًا لإندماجها، وقد تمّ الحصول عليها بعد إنتاج الأسلحة الذرية وإستخدمت القنبلة الذرية كصاعق في القنبلة الهيدروجينية لتوليد الحرارة اللازمة لإجراء التفاعل. وبنتيجة التفاعل تنطلق طاقة هائلة أكبر بعشرات، بل بمئات المرات عن تلك الناتجة في أثناء التفاعل المتسلسل، ولتصغير حجم القنبلة الهيدروجينيّة توضع العناصر الخفيفة (الحشوة) بشكل سائل، وقد يُصنع غلاف القنبلة من اليورانيوم الطبيعي 238 القابل للإنشطار، ممّا يؤدّي في هذه الحالة ونظرًا لتوليد نيترونات ذات طاقة كبيرة، إلى زيادة فعاليّة هذه الأسلحة. وتجدر الإشارة إلى أن الأسلحة الهيدروجينية تسمّى أيضًا بالأسلحة الحراريّة لأن المفعول الأكبر فيها هو المفعول الحراري.
تقدّر القوة التفجيرية للقنابل الهيدروجينية بما يعادل 100-200 كيلوطن، كما توجد قنابل لها قدرة أكبر نتيجة تقنية “الإندماج ذات المراحل”. وقد فجّر الإتحاد السوفياتي السابق العام 1962 قنبلة هيدروجينية بناتج يعادل85 مليون طن، أي ما يعادل 3000 قنبلة عيارية ناكازاكي. ويُعتبر إنتاج الأسلحة النووية الإندماجية أصعب من الأسلحة الإنشطارية، غير أنها تفوقها جدًّا في قدراتها التدميرية التي تحتوي كذلك على موجات الحرارة والضغط والإشعاع.
ج- القنبلة النيوترونية
إنها نوع من أنواع الأسلحة النوويّة التي لم تتوافر المعلومات عن طبيعة الحشوة المستخدمة فيها، والمعروف حتى الآن أنّها تشبه القنابل الحراريّة (الهيدروجينيّة)، وتكون كميّة العناصر الخفيفة فيها قليلة. ينتج في أثناء إنفجار القنابل النيترونيّة سيل هائل من النيترونات بطاقة عالية جدًا تخترق جميع الدروع ولا تنخفض طاقاتها سوى إلى الخمس تقريبًا (20%)، ويعتبر سيل النيترونات العامل المدمّر الرئيس، أما تأثير موجة العصف والإشعاعات فهو قليل بالمقارنة مع ذخيرة حراريّة من العيار نفسه. وقد أطلق الخبراء النوويون على القنبلة النيترونية إسم “القنبلة النظيفة” لأنّها تبيد القوى البشريّة والكائنات الحيّة، بينما تبقي على الجماد من منشآت وأدوات من دون أيّ دمار.
إستحدثت هذه القنبلة مؤخّرًا، وهي تمتاز بصغر حجمها ودقّة صنعها وتعقيدها، تقتل الأشخاص من دون أن تُحدثَ أضرارًا مادية كبيرة. وهي بالتالي أكثر فعالية من الأسلحة التقليدية، يمكن أن تُستخدم في حرب نووية محدودة، تستهدف شلّ المواقع العسكرية وقواعد الإطلاق. وعليه فإنّ خطر مثل هذا السلاح، أنه يجعل الحرب النووية أقلّ وحشية والإنسان أكثر تقبّلاً لها.
4- المفاعلات النوويّة
هناك نوعان من المفاعلات النوويّة: مفاعلات للبحث وأخرى لتوليد الطاقة.
تستخدم مفاعلات البحث لإجراء الأبحاث العلمية وإنتاج النظائر لأهداف طبيّة وصناعيّة وهي لا تستخدم لإنتاج الطاقة.
وتستخدم المفاعلات النوويّة أيضًا كمصانع لإنتاج الأسلحة في البلدان التي لديها برامج حرب نوويّة، فيمكن إستخدام المفاعلات النوويّة السلميّة لإنتاج الأسلحة النوويّة وإجراء الأبحاث المتعلّقة بها.
5- عيار الأسلحة النوويّة
إن عيار أو قوّة الأسلحة النوويّة يقدّر بما يوازيها من مادة ال(ت.ن.ت) التي تعطي القوّة نفسها، وتقسّم القنابل النوويّة حسب عياراتها بشكل إصطلاحي إلى:
-قذائف ذات عيار صغير جدًا، أقلّ من 1000 طن
-قذائف ذات عيار صغير، من 1000 إلى 10000 طن.
-قذائف ذات عيار متوسّط، من 10000 إلى 100000 طن.
-قذائف ذات عيار كبير، من 100000 إلى 1000000 أو ميغاطن (مليون طن).
-قذائف ذات عيار كبير جدًا أكثر من واحد ميغاطن.
كما يمكن تقسيمها من حيث الإستخدام إلى:
● قذائف تكتيكيّة: العيارات الصغيرة.
● قذائف عملانية: العيارات المتوسّطة.
● قذائف استراتيجية: العيارات الكبيرة.
6- أنواع الإنفجارات النوويّة
يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من الإنفجارات بالنسبة لمكان وجودها من الأرض:
أ -الإنفجار الجوّي: بين 600 و800م عن سطح الأرض.
ب -الإنفجار السطحي: على علو سطح الأرض وحتى إرتفاع 600م.
ج -الإنفجار تحت الأرض: على عمق عدّة أمتار تحت الماء.
7- وسائل الإطلاق
إنّ وسائل إطلاق السلاح النوويّ هي:
أ-مدفع قصير المدى: يطلق قذائف نوويّة من عيار 0.5 إلى 1 كيلو طن، والمدى الأدنى للقذائف من هذا العيار هو 2 كلم.
ب- مدفع متوسط المدى: يطلق القذائف النوويّة من عيار ١.٥ و2 كيلو طن.
ج- الصورايخ أرض/أرض: تحمل رؤوسًا نوويّة من مختلف العيارات، حتى 5000 كيلو طن.
د- الطائرات القاذفة: تحمل قنابل من كل العيارات.
8- أنواع التفاعل النوويّ
هناك نوعان للتفاعل النوويّ هما:
أ- الإنشطار: وهو عبارة عن تحطيم الذرات، ويسمّى إنقسامًا أو إنشطارًا ويحدث في الزون الذرّي العالي كما في القنبلة الذريّة.
ب- الإتحاد (الإندماج): وهو عبارة عن ربط الجزئيات مع بعضها بواسطة التسخين، ويدعى إنصهارًا أو إتحادًا ويحدث في أخفّ الأوزان الذرّية، كما في القنبلة الهيدروجينية.
القسم الثالث: حقّ الدول في إستخدام الطاقة الذريّة وفق نصوص القانون العام
1- الطاقة النوويّة
تشكّل الطاقة النووية في رأي الكثيرين مصدرًا مهمًّا من مصادر الطاقة لإستعمالات مدنية، قـد تصبح أكثر أهمية في سياق الجهد المبذول على نطاق عالمي، للحدّ من الإعتماد على الوقود وانبعاثاته. وفي الوقت نفسه، فإنّ التوتّر المتزايد بين أهداف تحقيق نظام أكثر فعالية لعدم الإنتشار وحقّ جميع الموقّعين على معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النوويّة في تطوير صناعتهم النوويّة المدنيّة، يشكّل أزمة يتوجّب تضافر الجهود الدولية لنزع فتيلها.
أ- تتضمّن المادّة الرابعة من معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية (راجع الملحق “أ”) حقوق الدول الأطراف في إنماء الطاقة النووية وبحثها وإنتاجها واستخدامها للأغراض السلمية. وتحدّد المعاهدة أيضًا أنّ هذا الحقّ يجب استخدامه وفق أحكام المادتين الأولى والثانية من المعاهدة.
ب- أعطت المادّة العاشرة من معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية لكل دولة معنية في المعاهـدة الحقّ في الإنسحاب منها، على أن تقوم هذه الدولة بإخبار جميع الدول الأطراف، وكذلك مجلس الأمن بانسحابها، وذلك في فترة ثلاثة أشهر مقدمًا، على أن يتضمن مثل هذا الإخطار بياناً بالحوادث غير العادية التي تقدر الدولة أنها تهدد مصالحها العليا.
2- الحقوق الأساسية للدول
إذا شئنا أن نعرف الحقوق الأساسية للدول، فما علينا إلا أن نقابلها بالحقـوق الذاتيـة الثانويـة أو المنشقة منها، التي تنتج عن العقود الإدارية التي تعقدها الدول (أما صريحة كالمعاهدات وأما ضمنية كالأعراف المستمرّة). ولكلّ دولة التمتّع بهذه الحقوق بمجرّد وجودها، وتكون هذه الحقوق “مطلقة” حيثما تكون جزءًا لا يتجزّأ من الشخصيّة الدوليّة التي تطبعها بطابعها وتكون حينئذ غير قابلة للإلغاء، ولا يمكن لأي قانون وضعي أن يعاكسها أو يقف في طريقها. وتصبح إذًا بصورة لا يمكن معها التنازل عنها، لأنّ كلّ دولة تتنازل عن حقوقها الأساسية (ولو بإرادتها) تحرم نفسها حقّ التمتّع بالشخصيّة الدوليّة.
الحقوق الأساسية للدولة هي بمنزلة مبادئ مطلقة لا يمكن إلغاؤها أو التعرّض لها. فالدولة لا يمكنها أن تتخلّى عن هذه الحقوق الأساسية، ومعنى ذلك أن تخلّي الدولة بصورة نهائية كاملة عن حقٍّ من حقوقها ينزع عنها صفتها، ومن أنها دولة ذات سيادة، وشخصية دولية. ولكن هذا لا يمنع من أن تكون أي دولة، قادرة على التخلّي عن بعض مظاهر معيّنة من حقوقها الأساسيـة، أو أن تعلّق ممارسة هذا الحق لوجهات نظر خاصة. وهذا التخلّي أو التعليق يمكن أن يكونا لأجل معين، ويمكن أن يكونا لأجل غير مسمى، وربما كان ذلك في ظروف خاصّة لمصلحة دولة أو دول متعدّدة. ومن أهم هذه الحقوق:
أ- السيادة
إن سيادة الدولة تتمثّل بما لديها من سلطان على إقليمها الذي تختصّ به بما فيه من أشخاص وأموال، لذا فإنه يقتضى في السيادة وجود الدولة إلى جانب الشعب والإقليم، وأن تكون هناك هيئة منظّمة تقوم بالإشراف على أشخاصها وتنظيم علاقاتهم، وحماية مصالحهم، والعمل على إبقاء الوحدة في ما بينهم لتحقيق المصلحة العليا للدولة. هذا وتظهر السيادة واضحة في إدارة الإقليم من قبل أبنائه، والدفاع عن كيانه وكيان شعبه، واستغلال موارده وتنظيمها على الوجه الذي يستفيد منه أعضاء المجتمع كافة في ذلك الإقليم.
من المتفق عليه دوليًا أن السيادة يجب أن تحكمها قواعد العلاقات الدولية القائمة على أساس التعاون والسلم والأمن والحماية والإحترام بين الدول. فكما أن الفرد مُقيّد في استعمال حريته وسيادته بحقوق غيره من الأفراد، كذلك الدول تُقيَّد في تصرفاتها بما للدول الأخرى من حقوق سيادية، يتطلّب منها عدم الإخلال بها.
تربط الدول في ما بينها مصالح مشتركة وتعاون متبادل، فليس للدولة أن لا تكترث بمصالح الدول الأخرى، كما أن ممارستها لسلطاتها يجب أن تكون في نطاق قواعد القانون الدولي، وفي حدود تعهّداتها والتزاماتها الدولية، ولا يمكن أن يقال: إن في هذا إنتقاصًا من سيادتها وتقييدًا لها، لأن هذا التقييد عام، ويشمل جميع الدول ذات السيادة، وفي صالحها جميعًا.
ب- حق البقاء
مما لاشك فيه أنّ حق البقاء هو حق أساسي للدولة، ولكلّ دولة الحق أن تحميَ رعاياها وتؤمّنَ بقاءهم. وذهب الكثير من علماء القانون إلى اعتبار حقّ الدفاع المشروع وحقّ التقدّم والتكامل حقّين متمّمين لحقّ البقاء.
ج- الدفاع المشروع
لقد بحث عن الدفاع المشروع في العقود الدولية الحديثة ويجب أن نلاحظ أنّ حقّ الدفاع هذا لا يمكن استعماله إلا ضدّ اعتداء جائر، وأنه لا يمكن أن يكون في حال من الأحوال عملاً وحشيًا جائرًا. على أن المنطق السليم يحدونا على الإعتراف أن الدفاع المشروع عمل فجائي تقوم به الدولة ضدّ أي اعتداء طارئ، وتقدير الدولة لمشروعية الدفاع أمر يأتي بعد وقوعه، لا قبله. أضاف إلى أنّ ميثاق الأمم المتحدة إعترف للدول بهذا الحقّ.
د- حق التقدّم والتكامل
حقّ البقاء لا يمكن أن يكون ثابتًا، بل لابد من أن يكتسب مظهرًا متطوّرًا. ذلك لأن الدولـة كائـن حي، وكل توقّف أو تقهقر يقف في وجهـه لابد وأن يكون عاملاً من عوامل ضعفه، بصورة تؤثّر على كيـانه ووجوده. ونامـوس الحياة الطبيعي قائم على التكامل المستمرّ. فللدولـة حـقّ وعليها واجب، أن توسّع عناصر ثروتها العامة وعليها أن تنمّي قواها الصناعية والزراعية والتجاريـة والفكريـة. وما واجباتهـا هذه، إلا حقوقهـا نفسها. ومن الوجهة الحقوقية، لا وجود لهذين الاتساع والتقوية لأي مبرّر لإثارة الاعتراضات من قبل أي دولة تجاه أي دولة أخرى. ولكن من وجهـة النظر الواقعيـة نرى أن المنافسة الإقتصادية الهائلة في سبيل فتح أسواق للإستهلاك، كان من نتائجها فوز الأقوى وخذلان الأضعف.
٣- قانون المعاهدات
ينظر عمومًا إلى إتفاقية ملزمة بموجب القانون الدولي- معاهدة- على أنها أداة قويّة لتسجيـل الإتفاقيات بين الدول. ويكون إبرام مثل هذه الإتفاقيات وصيانتها وإنهاؤها محكومًا بفرع من القانون الدولي يعرف بإسم “قانون المعاهدات” ويصان آداء الإلتزامات بموجب معاهدة بفعل المبدأ الذي يعبّر عنه بالمثل اللاتيني “المعاهدة شريعة المتعاهدين” (العقد شريعة المتعاقديـن).
هناك عنصر مركزي في مفهوم الإتفاقية الملزمة قانونيًا، هو أن إنهاءها يخضع لتطبيق القواعـد القانونية بدلاً من المصالح الاستنسابية لأطراف منفردة. إن إنهاء معاهدة إلى قواعد ومبادئ قانونية يخدم مصلحة الحفاظ على الإستقرار وقابلية التنبّؤ في العلاقات الدولية. ووفق تعبير أحد الحقوقيين الدوليين “لا تستطيع أي دولة أن تعفي نفسها من التزاماتها التعاهدية متى شعرت بالرغبة في ذلك، ولو كان بوسعها ذلك لأصبحت العلاقات القانونية غير آمنة إلى حد يدعو لليأس.
في 10 كانون الثاني 2003، أعلنت كوريا الشمالية عن انسحابها من معاهـدة حظر إنتشـار الأسلحة النووية المتعدّدة الأطراف، واستشهدت بنص خاص في المعاهدة يتيح لدولة طرف الإنسحاب من المعاهدة، إذا ما قرّرت أن “أحداثًا إستثنائية” تعرّض مصالحها العليا للخطر.
وقد إنضمّت كوريا الشمالية إلى معاهدة منع الإنتشار العام 1985 كدولة لا تمتلك أسلحـة نوويـّة، وأبرمت إتفاقية تدابير وقائية خاصة بالمرافق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم تبيّن في ما بعد أنها تقوم بصورة سرّية بتطوير أسلحة نووية، وانسحابها من معاهدة حظر الانتشار لا يعني أنّها انتهكت إلتزاماتها الدولية، إذ إن برنامج تخصيب اليورانيوم أطلق عندما كانت المعاهدة سارية المفعول. وبالتالي فإن عناصر الفعـل الخاطئ دوليًا بموجب قانون المسؤولية الدولية يبقى قائمًا.
القسم الرابع: الوكالة الدولية للطاقة الذريّة ودورها في النظام الدولي
1- المسألة النوويّة.
المسألة النوويّة تقبل في جوهرها بإسقاطات سياسية تحدّد نقاطًا لمنظور الرؤيـة، ومن ثم فـإن الربط بين النقاط وعبر إحداثيات مستقيمة، قد يقودنا سريعًا إلى ما بين السطور، حيث تستقرّ حقائق الظل. فالمسألة النوويّة هي مسألة وطنية وإقليمية ودولية، وهي أيضًا حقائق تتشابك مع أجزاء الترتيبات، فهي إذًا مسألة تكتيكية واستراتيجية.
2-الوكالة الدولية للطاقة الذرية
الوكالة الدولية للطاقة الذرية جسم مستقلّ من عائلة الأمم المتحدة، أُنشئت العام 1957 بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي أيزنهاور أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي اقترح فيه إنشاء وكالة مختصة بهذا الشأن. أما الأهداف الرئيسة لهذه الوكالة فهي:
أ- تشجيع الإستخدامات المأمونة والسلمية للطاقة النوويّة مع توقي إستخدامها المدمّر (راجع الملحق “ب”).
ب- أن تكون المحفل العالمي لتقاسم المعارف والتقنيّات النوويّة بين البلدان الصناعية والنامية على حدٍّ سواء.
ج – تضطلع الوكالة بدورٍ حيويٍ في المساعدة على صون السلم والأمن الدوليين، وهذا عامل مهم في تعزيز ثقافة السلامة والأمن في الإستخدام السلمي للطاقة النوويّة.
د- تعمل الوكالة على التشجيع في مسألة موالاة إستخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية.
هـ- تعمل الوكالة على تنفيذ الأحكام المتعلّقة بالضمانات من معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النوويّة.
و- تتكفّل الوكالة قدر الإمكان بعدم اللجوء إلى المساعدة التي تقدّمها أو التي تقدّم بناءً على طلبها أو تحت إشرافها أو مراقبتها بهدف دعم أي غرض عسكري، كما ورد في المادة الثانية من نظامها الأساسي.
ز- تتأكّد الوكالة من مراعاة أعلى معايير الأمان في تصميم المنشآت النووية وتشغيلها، وفي الاضطلاع بالأنشطة النووية السلمية من أجل التخفيف بالحدّ الأدنى من الأخطار التي تهدّد الحياة والصحّة والبيئة.
ح- تعمل الوكالة على إتخاذ التدابير اللازمة لكفالة الحماية المادية والسلامة والأمن للمواد النوويّة والمشعّة.
3- الضمانات النوويّة ومنع انتشار الأسلحة النووية
تحمل مسألة التقنية وجوه تعقيد عديدة تشكّل صراعات لا تحدّ بين مورّدي التقنيـة ومستورديها. وتتفاوت هذه الصراعات حدة حيث يشتدّ الصراع مع حساسية التقنية وتقدّمها، كما هو الحال بالنسبة للتقنية النوويّة. وقد خيّم شبح المبادئ التي أرستها الولايات المتحدة في معهد اليورانيوم على أمر تطويع التقنية النوويّة. حيث قامت في نيسان 1976 بفرض شروطها الرئيسة على تصدير التقنيات النوويّة الحسّاسة.
يرتكز النظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية على ضمانات النظام الدولي النوويّة، الذي تقوم بتنفيذه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة إلى الرقابة بواسطة الأقمار الإصطناعية والذي تساهم فيه كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
يمكن تعريف نظام الضمانات النوويّة، بأنه النظام القانوني والفنّي الذي يرمي إلى ضمان عدم إستعمال المواد والتجهيزات والمعدات والخدمات في مجال الطاقة الذرية لأغراض عسكرية.
الخاتمة
في القانون الدولي عنصران أساسيان يتعلّقان بالرقابة على الأسلحة، وهما فضّ النزاعات وضمان الإستجابة إلى أحكامه. وهذه الطبيعة المزدوجة في وظيفة القانون الدولي بحاجة إلى تأكيدها في البداية لأنّ أولى الوظيفتين، أي فضّ النزاعات، أمورًا يستهان بها عادة. فغالبًا ما يفترض أنه لو استطعنا بطريقة ما، أن ننشئ قوّة بوليسية دولية قويّة بشكلٍ حاسم وتحت رقابة مركزية في عالم منزوع السلاح نسبيًا، فسوف تحلّ إلى حد كبير مشكلة وضع قانون دولي. هذا الإفتراض يشمل عيبين كبيرين:
1- العيب الأول: أنه في حال نشوب نزاع مسلّح بين دولتين لابد من قرار يبيّن أيًا من الجانبين على حقّ وأيهما على باطل، وذلك قبل إرسال هذه القوّة لمعالجة الموقف. ولما كانت معظم النزاعات في أيامنا هذه نتيجة صدام معقّد ودقيق بين حقوق يدّعيها طرفا النزاع وليست نتيجة أعمال غزو صريحة وعنيفة، فإن تسوية نواحي الصواب والخطأ في النزاع تتطلّب مجموعة مبادئ يُستهدَى بها في وضع القرار وجهازًا غير متحيّز لتطبيق المبادئ، وكلا الأمرين يجب أن يكونا محط قبول من جانب الدول التي يمسّها الموضوع، وفي هذا المجال لم يكن رأي محكمة العدل الدولية في تبرير امتلاك إسرائيل للسلاح النووي بحجّة الدفاع عن النفس، مستندًا إلى مبادئ مقنعة لجانبي النزاع.
2- العيب الثاني: أنه لا قيام لعالم منزوع السلاح نسبيًا وفيه قوّة دولية قويّة إلاّ إذا أقيم نظام مُرضٍ لتسوية النزاعات. فالأسلحة لم تنشأ عن مجرد “شهوة ” ولكنها نشأت، بصفة جزئية على الأقل، لتؤدّي وظيفة مشروعة أي محاولة حماية الدولة من العدوان الظالم على حقوقها، بما فيها حقّها في الأمن. ويترتّب على هذا أننا لا نستطيع أن نتخلّص من الأسلحة بحيث ينشأ مكانها فراغ، وإنما يجب أن يحلّ مكانها شيء ما قد يسدّ هذا الفراغ. وفي قصة البشرية هذا “الشيء” هو القانون.
إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية، حين يدخل نظامها حيّز التنفيذ، سوف تشكّل آليّة قضائية مهمّة لتفعيل الجهود الدولية نحو منع انتشار الأسلحة النووية، فإن دورها سيظلّ مقتصرًا على استخدامات هذه الأسلحة في زمن النزاعات الدولية المسلّحة وعلى محاكمة الأشخاص الطبيعيين وحدهم، ومتوقّفًا على التعاون الكامل من جانب الدول، وهو ما يضعف من إيجابية النتائج المرجوّة، مادامت الدول ستظلّ بمنأى عن المساءلة الدولية. ولا يكفي في هذا القول بأن هذه الدول تسأل مدنيًا، كما أنّ الأجهزة المعنيّة بالأمن الجماعي الدولي (مثل مجلس الأمن) لها سلطة إتخاذ إجراءات رادعة ضدّ هذه الدول، فإن هذه الإجراءات غير كافية وغير موضوعيّة لتأثّرها بالإتجاهات السياسية للدول الأخرى، وقدرة الدول المسؤولة على التوجيه والتأثير في قرارات الأجهزة المعنيّة بالأمن الجماعي الدولي.
إن المواجهة الجادة للأفعال المنطوية على أي خرق للإلتزام الدولي بمنع إنتشار الأسلحة النووية لن تتحقّق بصورة كاملة إلا بوجود محكمة دولية جنائية تجري أمامها تحقيقات ومحاكمات موضوعية محايدة في مواجهة دول قامت بإنتاج أو تخزين أو إستخدام هذه الأسلحة. وتصدر من هذه المحكمة تدابير على غرار التدابير الإحترازية في القوانين الداخلية، هدفها الحيلولة من دون تكرار الخروقات الدولية، إلى جانب معاقبة الأشخاص الطبيعيين الذين تمّت هذه الأفعال على أيديهم. وهنا نسأل: هل سيشهد القرن الحادي والعشرين هذا الواقع؟
ملحق – أ –
النصّ الكامل لمعاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية 1970
المادة الأولى
تتعهّد كل دولة ذات سلاح نووي طرف في الإتفاقية، بألا تنقل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى أي متسلّم أيًا كان أسلحة نووية أو أي أجهزة أخرى للتفجير النووي أو الإشراف على هذه الأسلحة أو الأجهزة، وكذلك ألا تساعد أو تشجّع أو تحرّض بأي طريقة كانت دولة غير نووية على صنع أو الحصول بغير ذلك على أسلحة نووية أو أي أجهزة أخرى للتفجير النووي، أو أن يكون لها إشراف الحصول على هذه الأسلحة أو الأجهزة.
المادة الثانية
تتعهّد كل دولة ذات سلاح نووي طرف في المعاهدة بألا تقبل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من أي ناقل أسلحة نووية أو أي أجهزة أخرى للتفجير النووي أو الإشراف على هذه الأسلحة أو الأجهزة وكذلك ألا تصنع أو تحصل بغير ذلك، على أسلحة نووية أو أي أجهزة أخرى للتفجير النووي، وألا تقبل المساعدة على صنع هذه الأسلحة أو الأجهزة أو تسعى لها.
المادة الثالثة
1- تتعهّد كل دولة طرف في هذه المعاهدة غير مالكة للأسلحة النووية أن تقبل ضمانات تضمن في اتفاقية سيتم التفاوض بشأنها وتعقد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما يتفق وقانون الوكالة ونظام ضماناتها من أجل التحقّق فقط من تنفيذ الإقتراحات التي تتضمّنها هذه المعاهدة بهدف منع تحويل الطاقة الذرية من الإستخدامات السلمية إلى أسلحة نووية أو أي أجهزة أخرى للتفجير النووي. ويتمّ إتباع إجراءات الضمانات التي تتطلّبها هذه المادّة بالنسبة إلى المواد المصدرية أو الإنشطارية الخاصّة سواء كانت تنتج أو تصنّع أو تستخدم في أي وجه من الوجوه النووية الرئيسة، أو خارج هذه الوجوه، وتُطبّق الضمانات التي تتطلّبها هذه المادة على كل المواد المصدرية أو الإنشطارية الخاصة في مختلف الإستخدامات السلمية النووية داخل إقليم هذه الدولة أو الأراضي الخاضعة لسلطتها أو التي تكون تحت رقابتها في أي مكان.
2- تتعهّد الدول الأطراف في المعاهدة ألا تزوّد:
– مادّة مصدرية أو إنشطارية خاصّة.
– معدّات أو مواد مصمّمة أساسًا أو معدّة للتصنيع أو إستخدام أو إنتاج مواد إنشطارية خاصّة لأي دولة غير مالكة للأسلحة النووية لأغراض سلمية، إلا إذا كانت المادة المصدرية أو الإنشطارية الخاصة خاضعة للضمانات التي تتطلّبها هذه المادة.
٣-تطبّق الضمانات التي تتطلّبها هذه المادّة بطريقة تتّفق مع المادّة الرابعة من هذه المعاهدة، وأن تتجنّب الإضرار بالتطوّر الإقتصادي والتكنولوجي للأطراف أو التعاون الدولي في ميدان الإستخدامات السلمية للطاقة النووية بما في ذلك التبادل الدولي للمواد الذرية ومعدّات تصنيع المواد الذرية واستخدامها وإنتاجها للأغراض السلمية بما يتّفق ونصّ هذه المادّة ومبدأ الضمانات.
٤-تعقد الدول الأطراف في هذه المعاهدة وغير المالكة لأسلحة نووية إتفاقيات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتنفيذ ما تشترط هذه المادة بصورة فردية أو جماعية مع الدول الأخرى وفق قانون الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتبدأ المفاوضات الخاصة بهذه الإتفاقيات في خلال مائة وثمانين يومًا من بدء السريان الأصلي لهذه المعاهدة، وتبدأ المفاوضات لعقد مثل هذه الإتفاقيات بالنسبة إلى الدول التي تودع وثائق تصديقها بعد فترة المائة والثمانين يومًا في موعدٍ لا يتجاوز تاريخ ذلك الإيداع ويبدأ سريان هذه الإتفاقيات في موعدٍ لا يتجاوز ثمانية عشر شهرًا بعد تاريخ بدء المفاوضات.
المادة الرابعة
1-لا يفسّر أي شيء في هذه المعاهدة بما يؤثّر في الحقّ الثابت لجميع الأطراف في تطوّر بحث وإنتاج الطاقة النووية واستخدامها للأغراض السلمية من دون تفرقة ووفق المادتين (1 و2) من هذه المعاهدة.
2-لكلّ الدول المشاركة في هذه الإتفاقية الحقّ في الإشتراك بأقصى حدّ ممكن في تبادل المعلومات العلمية والتكنولوجية لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. وأطراف الإتفاقية الذين في وضع يسمح لهم بذلك، عليهم التعاون على المساهمة بمفردهم أو التعاون مع غيرهم من الدول على تطوير إستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية خصوصًا في أقاليم الدول المالكة لأسلحة نووية الأطراف في هذه المعاهدة.
المادة الخامسة
تتعهد أطراف هذه المعاهدة بالتعاون على ضمان إتاحة المنافع المحتملة لأيّ استخدامات سلمية للتفجيرات النووية وذلك للدول غير المالكة لأسلحة نووية وذلك عن طريق إجراءات دولية مناسبة وعلى أساس من عدم التفرقة، وأن يكون ما يتحمّله أيّ طرف مقابل جهاز التفجير المستخدم منخفضًا بقدر الإمكان ولا يشمل أيّ تكاليف للبحث والتطوير. ومن المفهوم أنّ أي دولة غير مالكة للأسلحة النووية وطرف في هذه المعاهدة، تستطيع إذا أرادت عقد إتفاق أو إتفاقات تحصل بمقتضاها على هذه المنافع على أساس ثنائي أو عن طريق هيئة دولية مناسبة يكون ممثّلاً فيها عدد كافٍ من الدول غير النووية.
المادة السادسة
تتعهّد الدول الأطراف في هذه المعاهدة أن تتفاوض بنيّة صادقة بقصد التوصّل إلى إجراءات فعّالة لوقف سباق التسلّح النووي وكذلك نزع السلاح ووضع معاهدة لنزع السلاح العام والشامل تحت رقابة دولية دقيقة وفعّالة.
المادة السابعة
لا يوجد في هذه المعاهدة ما يمسّ حقّ أي مجموعة من الدول في عقد معاهدات إقليمية تضمن من الأسلحة النووية.
ملحق -ب-
المادّة السادسة والعشرون من الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة
رغبة في إقامة السلم والأمن الدوليين وتوطيدهما بأقلّ تحويل لموارد العالم الإنسانية والإقتصادية إلى ناحية التسليح، يكون مجلس الأمن مسؤولاً بمساعدة لجنة أركان الحرب المشار إليها في المادة 47 عن وضع خطط تعرض على أعضاء “الأمم المتحدة” لوضع منهاج لتنظيم التسلّح.
قائمة المراجع
– محمود بركات، “الخيار النووي في الشرق الاوسط”، مركز دراسات الوحدة العربية، 2001.
– حسن حسن، “التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي”، 2004.
– محمد طه، “الأسلحة النووية وأولويات الأمن القومي في ضوء امكانات بناء قوة نووية عربية”، مركز دراسات الوحدة العربية، 2001.
– رفعت لقوشة، “الخيار النووي في الشرق الاوسط”، مركز دراسات الوحدة العربية، 2001.
Site internet: www.iaea.org.
(International Atomic Energy Agency)
ضابط في الجيش اللبناني/ مجلة الدفاع الوطني – العدد 93 – تموز 2015
موقع الجيش اللبناني