في انتظار أن يقول البرلمان التونسي كلمته، يبدو أن قانون المصالحة الوطنية الذي قرر الرئيس التونسي باجي قائد السبسي أن يعجل بتفعيل شقه المالي والاقتصادي، سيدخل البلاد في موجة جديدة من الجدل والاستقطاب، يضاف إلى عشرات القضايا التي أدخلت تونس، ولا تزال، أجواء عدم الاستقرار السياسي منذ نجاح الثورة في الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. جدل يبرره من جهة، خشية معارضي القانون من إعادة رجالات نظام بن علي الاقتصاديين الذين نهبوا وسهلوا نهب تونس خلال عقود حكم الرئيس المخلوع، ومن جهة أخرى، رغبة المؤيدين له في إعطاء دفعة مالية لاقتصاد البلاد المتهاوي تحت وطأة الضربات المتلاحقة للإرهاب والاستقطاب والإضرابات وما واكبها من تعثر لقطاعات حيوية كالسياحة.
جانب آخر يبرر موقف المعترضين على القانون المنتظر بحثه برلمانيا، يتعلق بكونه يتجاوز مبدأ المحاسبة الذي يرون أنه سيفرغ منظومة “العدالة الانتقالية” من محتواها، بالقفز مباشرة إلى خطوة المصالحة مقابل إرجاع ما نهب من أموال، أو بالأحرى ما ثبت أنه نهب من أموال، لاسيما وأن مافيا الفساد المالي والإداري لها عشرات الوسائل التي تستطيع بواسطتها طمس وإخفاء آثار جرائمها، وهو الأمر الذي يصعّب عملية تتبع واسترجاع جميع الأموال المنهوبة والمهربة خارج البلاد، ليس في تونس وباقي البلدان العربية التي تعيش حالة مشابهة فحسب، بل وفي مختلف دول العالم بما فيها أكثرها تقدما.
ويبقى المجهول الأكبر بالنسبة للكثيرين هو الموقف الذي ستتخذه “حركة النهضة” من القانون، مع التسريبات التي تقول بأن رئيسها راشد الغنوشي قد وجّه نوابه فعلا بالوقوف في صف الأغلبية الحكومية المدافعة عن القانون، وهو ما سيضمن تمريره إن تم، رغم أن بعض الأصوات داخل النهضة تلمح إلى أن قرارا لم يصدر بهذا الشأن، وأن الحركة ستناقش الموضوع من جوانبه المختلفة وتتخذ “ما فيه مصلحة البلاد”، وهي للأسف، صيغة لم تترجم يوما عبر اتخاذ الحركات المنبثقة من رحم “الإخوان المسلمين” موقفا معتبرا ينسجم مع هذا القول، حيث درجت فقط على اتخاذ المواقف التي من شأنها أن تطيل أمد بقائها داخل أروقة السلطة في السودان ومصر والجزائر والآن تونس، مع تمايز “العدالة والتنمية” في المغرب، ربما لعدم اشتراكه مع الحركات الأخرى في ظروف النشأة وطبيعة الارتباطات الخارجية.
وسواء أقر القانون كما هو مرجح، أم لم يقر، فإن تنفيذ المعارضين لتهديدهم بالخروج إلى الشارع لن يؤدي إلا لمزيد من الاحتقان والاستقطاب الموجود في الشارع التونسي وفي أوساط طبقته السياسية، احتقان سيزيد من قتامة المشهد في تونس الخضراء ويطيل للأسف أمد تعافيها. وعليه، ندعو صادقين أن ينجح الفرقاء في تونس في إيجاد صيغ توافقية تصب في مصلحة البلاد والعباد، ليضعوها أخيرا على سكة التعافي.