من الامراض التي يعاني منها الجسم الإعلامي العربي، تحويل عشرات من الصحفيين ومئات من “أشباه الصحفيين” إلى “نجوم” باستغلال الفضائبات ووسائل التواصل الاجتماعي. نجوم ابتلينا بهم بعد أن أصبحت النجومية آفة يعاني منها العرب من محيطهم إلى خليجهم في وجود الالاف من النجوم الذين لا بزيدون أزماتنا إلا تفاقما، ولا يقدمون أي فائدة تذكر لمجتمعاتهم، يستوي في ذلك نجوم السياسة والإعلام والاقتصاد والفن والثقافة والرياضة و…الخ. مفهوم كان للعقلية المصرية نصيب الأسد في تكريسه والدفاع عنه، ليصل مع الوفرة المالية الخليجية ووسائل إعلامها الغنية إلى مستويات “مرضية” غير مسبوقة.
مناسبة هذا الحديث، هو اللغط الذي أثاره “النجم” أحمد منصور، الصحفي المصري الذي يعمل في قناة الجزيرة القطرية، وهي بالمناسبة تعج “بالنجوم”، ربما كان أشهرهم فيصل القاسم وغادة عويس، وغيرهما من “عديمي الموهبة”، إضافة طبعا لعدد كبير من الصحفيين المحترمين والأكفاء. لغط جاء في أعقاب ما اعتبره منصور “استفزازا”، لأنه تناول جانبا من حياته الخاصة. وللإنصاف، يمكننا تفهم أن يعتبره استفزازا، لأنه يصدر عن صحفيين يحاولون بدورهم أن يصبحوا نجوما في مجتمعاتهم المحلية، ولم لا، على مستويات أبعد، لكنها ضريبة النجومية في النهاية.
“النجم” منصور الذي لا يستوعب سوى أن يكون خبر توقيفه في ألمانيا في صدر أنباء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية شرقا وغربا، وأن ينخرط الجميع بنفس الحماس في حملة تهنئته “بالانتصار الباهر” على الرئيس السيسي، وبالعودة المظفرة للعاصمة القطرية، استخدم في الرد على ما اعتبره استفزازا من صحفي ينتمي إلى نفس قبيلته: “قبيلة إعلام الإثارة”، أسوأ ما في ثقافة الحواري الشعبية المصرية، بأن “فرش ملايته” على الأرض، ودخل في وصلة “ردح” جمع فيها فنون “العوالم” والراقصات في السباب، وجرأة حكامنا المستبدين في استصغار معارضيهم –لماذا يستصغرون الحشرات؟!!-. صحيح أنه عاد “ليعتذر” بعدها بطريقة كان مقصودا أن تبقي الهدف عاما وبدون معنى، عما أسماه الإهانات غير المقصودة، دون أن يعتذر صراحة عن قاموس الشتائم الذي واجه به ومن خلاله من تجرأوا على انتقاد “الذات المنصورية”.
للأسف، فما يضيع في مثل هذه الحالات هو العقل والمنطق، وفي مجتمعاتنا عموما نعاني من عدم قدرتنا على الغوص قليلا أسفل ما نحن بصدده من أحداث، لأننا متخندقون سلفا في خندقي “العداء للإسلاميين” و “العداء للعلمانيين”، مع التأكيد على وضع أقواس إضافية حول مصطلحي الإسلاميين والعلمانيين والمنتسبين إليهما. تخندق يقودنا في كل بلد عربي إلى ما نراه مؤخرا من هجمات وهجمات مضادة: إدانة ل”ظلامية” مفترضة، ودفاعا عن “أخلاق” مهددة. هجوم يأخذ طابع الوقفات الاحتجاجية في بلد متحضر كالمغرب، وإن كان ذلك لا يعفي من التنبه ودق ناقوس الخطر، بعد أن تجرأ المعسكر “الحداثي” على المجاهرة بكل ما يصدم المشاعر الجمعية للمغاربة، وخاطر المعسكر “الإسلامي” بالأخذ بناصية تطبيق القانون بيده، وهي أخطاء خطيرة، على العقلاء أن يتنبهوا إلى ضرورة لجمها قبل أن تترسخ، بعيدا عن البحث عن أيها يستدعي الآخر. اما في بلدان أخرى، فهو يأخذ طابعا متفجرا يعبر عن نفسه بالصراعات الطائفية والمذهبية، كما نشاهد في معظم الدول العربية من الجزائر إلى البحرين.
وبالعودة إلى “نجمنا” أحمد منصور، الذي لم يتسع صدره لأية ملاحظة من شأنها “جرح” صورته العامة بين “أنصاره ومحبيه” حتى لا نقول حوارييه، نطمئنه أن صورته الافتراضية لم تتأثر كثيرا، حيث قبل الكثيرون منهم اعتذاره، بل وأن معظمهم استكثر اعتباره مخطئا أصلا، وفي الجهة المقابلة، لم يكن لاعتذاره أي تأثير يذكر على صورته المشوهة أصلا، بل وساهم في مزيد من الإساءة إليها، نصف أو ربع الاعتذار الغائم الذي قدمه، بشكل لا يوازي من قريب أو بعيد حجم الإهانات التي تفوه بها.
كلمة أخيرة للنجم المحبوب، “معبود الإسلاميين”(على غرار الفنانة العظيمة شادية في فيلمها “معبودة الجماهير”)، “الفرعون الصالح” أحمد منصور: لقد جاء الإسلام ليلغي ثقافة جاهلية تتيح لصاحبها أن “يجهل فوق جهل الجاهلينا”، واستبدلها بقوله تعالى: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، فما بالك والموضوع أصلا يتعلق بحادثة من حق أي صحفي أن يثيرها، وتتعلق بخبر زواجك العرفي الافتراضي من مغربية، نتفهم أن كاتبه يمكن أن يكون منتميا إلى معسكر مخالف لك أو اتخذه وسيلة للنيل من خصم سياسي مغربي. كان عليك أن ترد بمثل ما نخاطبك الأن، على رغم “جهالة” ما كتبت في صفحتك. أحمد منصور.. سلاما.