حجر كبير، ذلك الذي ألقاه العاهل المغربي الملك محمد السادس في بركة “جامعة الدول العربية” الراكدة، عندما أوعز لوزير خارجيته بمخاطبة الجامعة معتذرا عن احتضان اجتماع القادة العرب في بلاده الربيع المقبل. أما ما هو أكبر وقعا وأكثر تأثيرا، فهي اللهجة التي وردت في بلاغ الخارجية المغربية، والتي لم تعتد آذان الدبلوماسيين العرب ولا ألسنتهم التطرق إليها، ولا حاجة لنا بإعادة تكراراها في هذه السطور.
نقول، أن أقل الأطراف تضررا دون أدنى شك كان المواطنون العرب من محيطهم إلى خليجهم، وذلك لأنهم لم يكونوا يوما ضمن لائحة المستفيدين ولا حتى المهتمين بعقد مثل هذه “القمم” التي تجمع القادة العرب على مدى يومين، لتلاوة خطابات لا يحسن معظمهم قراءتها، وقول كلام عديم الأثر على الواقع المعيشي للمواطنين.
في المقابل، فلائحة المتضررين تطول لتشمل إضافة للقادة الذين حرموا فرصة الاختيال وسط حراساتهم وحاشيتهم، وزراء ومسؤولي الدول العربية المختلفة، الذين تعطى لهم فرصة التحول إلى نجوم إعلاميين خلال وقبل وبعد القمة. أما أكثر الأطراف تضررا فهم بلا أدنى شك، رجال ونساء الإعلام من صحفيين وتقنيين، الذين فقدوا فرصة التنعم في فنادق ومدن المغرب البهية، ناهيك عن خسارتهم للتعويضات المجزية التي تفردها لهم مؤسساتهم لتغطية “الحدث المهم”. يضاف إلى ما سبق مقدمو الخدمات المختلفة والمرتبطة بالحدث من أماكن الإقامة وحتى موردي أدوات التصوير والبث الفضائي.
المثير للاهتمام والشفقة، حتى لا نقول الاشمئزاز، هو الإصرار العربي على استخدام لفظ “قمة” (Summit) على اجتماع أقل من عادي لا يناقش أو يقول شيئا، سوى الخروج بعشرات المقررات التي لا تجد وسيلة إعلامية واحدة تنشرها كاملة، في الوقت الذي تحول العالم إلى وصف أحداث أهم من ناحية الحضور والمخرجات بكلمة عادية ومحايدة: “اجتماع” (Meeting).
وحتى لا نتهم بالوقوف ضد “العمل العربي المشترك” رغم كونه خرافة لم نلمس لها أثرا في يوم ما، نقدم اقتراحا بديلا، يقضى بأن يجتمع الوزراء المعنيون في مختلف مجالات هذا العمل، ويخرجون بقرارات تعتمدها البرلمانات العربية، الحقيقية والصورية، لتدخل حيز التنفيذ مباشرة دون الحاجة لمباركة “أصحاب الجلالة والفخامة والسمو” من قادتنا المبجلين. ونكون بذلك قد أعفينا المواطن العربي من سماع الآية التي عادة ما تختتم بها البيانات الختامية لقممنا: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم …”، وهو ما يوحي بأننا قد تنبهنا أخيرا إلى الحاجة لأن نكون أكثر خجلا مع خالقنا عز وجل، حيث لم نعمل يوما ما نعرضه على الله أو شعوبنا، وإن حصل، فهي قطعا أعمال ليس فيها الكثير مما يصلح للتباهي!!
لقد طبل الكثيرون لانتظام القمم العربية السنوي، بعد أن كانت تعقد في المناسبات فقط، وآن الأوان لفسح المجال أمام المسؤولين والوزراء من أجل تنسيق أعمالهم الحقيقية التي تستجيب لتطلعات المواطن العربي “الحقيقي” وليس “الافتراضي”، على أن يكون ذلك بصفة دائمة ومنتظمة تؤدي إلى فعالية الأداء بما يقوي الأمل في حسن النتائج. أما التباكي على تأخر أو عدم انتظام “قمة قادتنا” فلم يعد له معنى، بعد أن أفرغت الأحداث المتلاحقة على وطننا العربي الكثير من الأشياء من معناها.. والله من وراء القصد.