لم تقل “موغريني” سوى ما يتردد في أروقة البرلمان ووزارات الخارجية الأوروبية المختلفة: يجب إجراء إحصاء سكاني دقيق لسكان مخيمات تيندوف. المسؤولة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية، لم يكن بوسعها، وأمام السيل الهائل من التقارير والتساؤلات التي لطالما أثارت هذا المطلب، سوى الإقرار بضرورته، ومنطقيته، لاسيما بعد أن أصبح مسلما لصانعي القرار في الدول الأوروبية المختلفة أن “نفخ” أعداد ساكنة تيندوف، ما هو إلا وسيلة “احتيال” تروم رفع العائد من إعادة بيع المساعدات الأوروبية الموجهة لهؤلاء السكان، من قبل مسؤولي جبهة البوليساريو ووكلاءهم في المخابرات الجزائرية، كما يقر بذلك “المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال”، السلطة الاوروبية الأعلى في هذا المجال.
للمزيد: فيديريكا موغريني تؤيد إجراء إحصاء لسكان مخيمات تندوف
عدد المحتجزين في مخيمات تيندوف هو رقم تقديري منذ عقود، مع الإصرار المزدوج لمسؤولي الجزائر والبوليساريو على عدم السماح لأية هيئة دولية بإجراء إحصاء دقيق لهم. وهكذا، يتراوح العدد بين الرقم الذي يرد على لسان العائدين من محتجزي البوليساريو إلى أرض الوطن، الذين يقدرون حده الأقصى في خمسين ألفا (بمن فيهم المستجلبون من أقطار إفريقية مجاورة)، وما بين تقديرات الهيئات الأوروبية والأممية المختلفة التي ترفع العدد إلى ثمانين ألفا، وأخيرا، تقديرات “شركاء نهب المساعدات الإنسانية” الذين يرفعون العدد إلى مائة وستين ألفا !!!
هذه الفجوة الهائلة في التقديرات، جعلت منظمة “عاجزة” كالأمم المتحدة “تناشد” الجزائر التي تحتضن المخيمات، بأن ترضخ لهذا المطلب المنطقي منذ سنوات، دون أن تلقى أدنى استجابة. رفض لا يجد تفسيرا له، إضافة للرهان على استمرار جلب المساعدات لهؤلاء العشرات من الآلاف “الوهميين” لمزيد نفخ جيوب السماسرة، إلا في خوف المتنفذين في النظام الجزائري، وصنيعتهم من “بيادق” البوليساريو، بانكشاف “الوهم الإنساني والسياسي” الذي لطالما نفخوا فيه، مطالبين باستقلال “شعب الجمهورية الصحراوية” التي تعترف بها أقطار “الاتحاد الإفريقي” دون غيرهم.
فلو أخذنا في الاعتبار أن مجتمعاتنا على اختلافها هي ذات تركيبة سكانية شابة، وأن من هم دون سن الرابعة عشر يتجاوزون ما نسبته 40 بالمائة من السكان، فسنكون أمام “أضحوكة” دولة البوليساريو المستقلة بسكانها الثلاثين أو حتى الخمسين ألفا (تبعا لأقصى التقديرات)، أو “تهديدات” جيشها المظفر !!! بل وسنكون أمام “فضيحة” عجز دولة بترولية تستضيف على أرضها “حفنة” من المحتجزين، وتجوب الأفاق جمعا للمساعدات من أجل إطعامهم وكسوتهم. وبهذا المنطق، ماذا لو قارنا هذا الواقع، مع واقع ما تتحمله دولتان عربيتان فقيرتان لا تتجاوز موازناتهما العامة شهرا من تصدير البترول الجزائري، ومع ذلك يستضيفان ملايين اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين، ونقصد بهما الأردن ولبنان؟؟ !!!
لقد آن الأوان، وهو في الحقيقة قد آن منذ زمن بعيد، لأن تنتهي هذه المأساة، إما بإرادة جزائرية صادقة، أو دولية حازمة، ليس بإجراء تعداد للسكان، ولا بإضاعة الوقت بحثا عن كيفية إجراء استفتاء مستحيل، بل بتطبيق المعايير الإنسانية والدولية التي تحرم احتجاز مواطنين دون وجه حق لما يزيد عن أربعة عقود، بأن يسمح لمن شاء بالالتحاق بوطنه الأم وأسرته هناك، أو باختيار بلد ثالث يقبل به إن شاء ذلك بمحض إرادته، مع إعادة المهاجرين الأفارقة طبعا إلى بلدانهم الأصلية. وبهذا، تطوى صفحة هذا النزاع المصطنع، وتشرع الأبواب في وجه أبناء المغرب الكبير للتواصل الحر، وتتمكن دوله من مواجهة تحدياتها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية المشتركة بخطط منسقة إن لم يكن موحدة، وببرامج متكاملة تتيح لجميع مواطني هذا الجزء الهام من وطننا العربي الأمل بغد أفضل مما يأمله نظراؤهم المشارقة.