من مرصدهم الساخر، وبحسهم المتفاعل مع قضايا مجتمعهم، وبريشاتهم اللاذعة، استطاع رسامو الكاريكاتير في المغرب، أن يعبروا عن السخط العارم للمشاهدين على تفاهة ورداءة مجموع الإنتاجات التلفزيونية للقنوات التلفزيونية، التي وصفها البعض ب” قنوات الصرف الصحي”.
الغريب أن هذه الرداءة تتكرر كل عام، دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل تعيد للإنتاج التلفزيوني بريقه، وكأن نبع الإبداع لدى مقدمي هذه ” السيكتومات” و”المسلسلات” المفترى عليها، أصيب بالنضوب في زمن القحط.
رسومات الكاريكاتير المنشورة في الصحافة المغربية المكتوبة، تؤكد انعدام أي عمل تلفزيوني واحد ” يحمر الوجه”، كل ما هنالك هو تهافت مفضوح من طرف بعض شركات الإنتاج التلفزيوني، على تقسيم ” تورتة” الميزانيات المخصصة لهذا الغرض، وكان الأولى صرفها في مجالات أخرى أكثر جدوائية ونفعا من هذا العبث، في زمن التسيب.
ولعل الأكثر غرابة، في نظر المتتبعين والنقاد هو سكوت ” الهاكا”، أو المجلس الأعلى للاتصال السمعي والبصري عن الإدلاء بأي رأي أو موقف تجاه هذه ” الحموضة”، التي دفعت احد رسامي الكاريكاتير، وهو ناجي بناجي، إلى تصوير التلفزيون المغربي في شكل صندوق لنفايات الليمون الحامض، وهناك من رسم “كاتب سيكتومات رمضان” وهو يتحول إلى آلة لعصير الليمون الحامض، مثل ما فعل الفنان العوني الشعوبي، في رسم جد معبر عن واقع الحال.
الكل ساخط على ما يسمى ب” فكاهة رمضان”، وليس حاملي الريشة وحدهم فقط، فهاهو مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، والوصي على القطاع، يعبر عن تذمره بصراحة تحت قبة مجلس النواب من سوء إنتاج التلفزيون. وحدها ” الهاكا” “عاجباها الحال، وضارباها بسكتة” .
ليس هناك أي عمل تلفزيوني يحمل أية قيمة مضافة، بل كل ما هناك هو الإفلاس المبين، بدليل إعادة ” الدوزيم” ل” الكوبل”، الذي حفظه المشاهدون عن ظهر قلب، فلا ” الخواسر”، ولا ” حمق”، ولا ” نايضة في الدوار”، ولا ” نجمة وقمر”، ولا ” صالون دنيا بوتازوت وعبد الله ديدان”، ولا “مرحبا بأصحابي”، ولا غيرهم بقادر على لفت الانتباه.
ولعل ما يثير الاستغراب حقا، أن تظهر الممثلة سامية أقريو، وهي تعترف ضاحكة، بأعلى صوتها، أن ما قدمته في ” نجمة وقمر” و” الخواسر” يدخل فعلا في إطار ” الحموضة”، وتصرح في برنامج ” رشيد شو”، وسط نظرات اندهاش المشاهدين:” نعم، انا حامضة”، وكأنها تستهزيء بالجميع، ولا يهمها سوى مايدخل جيبها من فلوس، أما الحفاظ على مكانتها بعد مسلسل ” بنات للا منانة”، فهذا هو آخر اهتماماتها..
لقد فاضت ” الحموضة” في قنوات التلفزيون المغربي حتى تدفقت في صحون وموائد فطور المشاهدين، مما نغص عليهم فطورهم، كما عبرت عن ذلك رهام الهور، التي قارنت في رسمها بين سمو ” الخواطر” عندهم وانحطاط ” الخواسر” عندنا.
وبالمناسبة، من المؤسف أن تتخذ بعض الإنتاجات التلفزيونية من الشهر الفضيل فرصة للتهجم على بعض مقومات الأمة وهويتها، مثل اللغة العربية، دون وازع أخلاقي أو رادع من ضمير، ولعل أقرب مثال على ذلك، هو ” الخواسر”، الذي يعتبر قمة في الرداءة والابتذال، في غياب أية محاسبة تضع حدا لهذا الإسفاف.
أما ” نايضة في الدوار”، فهو انعكاس للتفكير المتخلف لدى البعض، الذي ينظر إلى العالم القروي نظرة متعالية، ويصوره وكأنه يعيش خارج الزمن، غارقا في الصراعات الجانبية بين “دوار” و” دوار”، بينما الواقع يقول إن للناس هناك تطلعات أخرى ترتبط بحقهم في العيش الكريم، وبحاجتهم الشديدة إلى مختلف المرافق الضرورية، مثل المدرسة والمستشفى والإدارة والطريق والماء، وغير ذلك من مقومات الحياة..
والطامة الكبرى هو هذا الاجتياح الكبير لحصص الإشهار للتلفزيون المغربي، بمختلف قنواته، وخاصة ” الأولى” و” الثانية” و” ميدي 1 تي في”، حتى أصبح بين كل إشهار وإشهار، إشهار آخر في تتابع فظيع، رصده بريشته اللاذعة عبد الغني الدهدوه.
والخلاصة، إن المشاهد المغربي، في رمضان هذا العام، يعاني من الأمرين، كما رسمه أحد الفنانين الشباب، هو عبد الله درقاوي، فهو موزع بين هموم القفة اليومية في ظل ارتفاع أسعار السوق، وانحطاط المنتوج التلفزيوني الذي يثير الغثيان، ويرفع من ضغط الدم، حتى بالنسبة لمن لم يسبق له أن شكا يوما من أي علة صحية.