ما الذي تريده حركة النهضة من تونس

أجرت حركة النهضة الإخوانية التونسيّة أيّام 28 و29 و30 مارس 2014 المنقضي استفتاء داخل قواعدها يتعلّق بتأجيل مؤتمر الحركة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة القادمة في تونس. والحقيقة أنّ إجراء هذا الاستفتاء مريب في مضمونه وفي توقيته وفي دلالاته السياسيّة وفي تأثيره على المشهد السياسيّ في تونس. وللتذكير، فإنّ حركة النهضة حركة قديمة تعود إلى السبعينات من القرن الماضي. وكانت تجري مؤتمراتها حتّى في عهد الاستبداد ولكن بسريّة طبعا. وبعد الثورة، تيقّظت كلّ الخلايا النهضويّة النائمة واستعادت نشاطها وتنظّمها وواصلت عملها الذي كانت قد بدأته منذ عقود.
آخر مؤتمر كانت حركة النهضة قد عقدته هو المؤتمر التّاسع والذي انعقد في يوليو 2012. وكانت حركة النهضة قد فازت بأغلب مقاعد تلك الانتخابات بفضل برنامجها الانتخابي الشعبوي القائم على الوعود الزائفة والذي استفاد من القانون الانتخابيّ الذي تأسس على أكبر البقايا.
وهو ما أدّى إلى أزمات سياسيّة عاصفة في تونس أرجعها رئيس المرصد العربيّ للأديان والحريّات محمّد الحدّاد إلى فشل مؤتمر حركة النهضة ذاك. وقد حاول الحدّاد في الفترة السّابقة لانعقاد الاستفتاء دفع حركة النهضة إلى عقد مؤتمرها العاشر خشية مخاطر التأجيل. ولكنّ استفتاء الحركة انتهى إلى ما أراده قياديّوها أي تأجيل المؤتمر إلى ما بعد الانتخابات التي لم تقرّر بعد، بل لم تتمّ المصادقة على القانون الانتخابيّ إلى حدّ الآن رغم توافقات خارطة الطريق التي أزالت “الترويكا” عن الحكم وعجّلت بالانتهاء من ختم الدستور.
مرّة أخرى، تخيّر حركة النهضة أن تؤجّل مؤتمرها الانتخابيّ إلى ما بعد الانتخابات كما فعلت في المؤتمر التّاسع السّابق. وهو أمر غريب ومريب أيضا لأنّ المعروف أنّ الأحزاب تجري مؤتمراتها قبل الانتخابات الوطنيّة حيث تصدر لوائحها وبرامجها للرأي العام حتى يتسنّى للنّاخبين اختيار مرشّحيهم عن رويّة واقتناع. والغريب أنّ حركة النّهضة أقرّت الاستفتاء حول الدعوة إلى تأجيل مؤتمرها دون بيان أسباب ذلك.
وهذا ما يدفع إلى القراءات التي تحاول الفهم وإنارة الرأي العام. فإذا كان انعقاد المؤتمر يعني الشجاعة والمصارحة والثقة في النّفس فإنّ عدم انعقاده يعني بالضرورة الخوف واهتزاز الثقة بالذّات والتباس الرؤية وغياب البرامج والتنظيرات الاستراتيجيّة. والسؤالان المطروحان هما: ما الذي تخشاه حركة النهضة؟ وما الذي تريده من تونس؟
يبدو أنّ حركة النهضة قد فقدت توازنها وفقد قياديوها ثقتهم في النجاح في تمرير مشاريعهم ورؤاهم بين منتسبي الحركة ولعل ما أدخل عليها الارتباك هو فشلها في إدارة شؤون البلد لمّا تسلّمت الحكم، ممّا اضطرّها إلى تسليم الحكم بعد عجزها عن توفير قروض إضافيّة وصراع الأجنحة داخلها واستقالة رئيس المكتب التنفيذيّ حمّادي الجبالي وقيادات أخرى كرياض الشعيبي.
كما أنّ ما كشفه رئيس الحكومة التوافقيّة المستقلّة مهدي جمعة من عجز في ميزانيّة تونس، ومن تراكم للديون وتعطّل للمشاريع التنمويّة يزيد من اهتزاز صورة الحركة في تونس وفي الخارج وحتى بين قواعدها. أمّا الموقف المتردّد من تنظيم “أنصار الشريعة” فيزيد من تعقيد صورة النهضة. فعلي لعريّض رئيس الحكومة النهضويّ الأسبق صنّفه تنظيما إرهابيّا، واعتبره راشد الغنّوشي رئيس الحركة مسؤولا عن التهديدات بالاغتيال التي يتعرّض لها، فيما لا يخفي الكثير من قياديّي النهضة تعاطفهم مع التنظيم ومع التيارات الجهاديّة عموما.
كما أنّ تأجيل عقد مؤتمر الحركة يخفي ممارسة غير ديمقراطيّة فيما يوهم بعكس ذلك، إذ أنّ هذا التأجيل يضمن للقيادات التي فشلت في تجربة الحكم على غرار نور الدّين البحيري وعلي لعريّض ورفيق عبدالسّلام وسمير ديلو ولطفي زيتون وحسين الجزيري الحفاظ على المواقع القياديّة التي قد يخسرونها لو غامروا بإجراء المؤتمر.
كما أنّ هذا التأجيل لا يخدم تونس ولا يخدم الديمقراطيّة النّاشئة فيها، باعتبار أنّ الشعب التونسيّ سيكون مدعوّا إلى الاقتراع على شعارات الإسلام السياسيّ نفسها التي دخلت بها النهضة انتخابات 2011 بسبب غياب البرامج والمضامين واللوائح.
ولن يعزّ على الحركة اصطناع برنامج شعبويّ غير ملزم، طبعا، بما أنّه لم يصدر عن مؤتمر، شبيه بذلك الذي قدّمته في الانتخابات الماضية والذي وعد بتشغيل نصف مليون عاطل عن العمل. وهذا ما يفقد حركة النهضة المسؤوليّة والمصداقيّة. حركة النهضة تريد صكّا على بياض كذاك الذي أخذته في الانتخابات الماضية وخرّبت به تونس واقتصادها ومؤسّساتها.
” العرب “

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *