لم يكن محمد علي كلاي مجرد ملاكم عظيم بفضل خفته وقدرته على تسديد اللكمات الخاطفة بقوة وسرعة كبيرة مثل “لسعات النحلة” كما كان يقول.
محمد علي كان أيضا أيقونة للزنوج الأمريكيين إبان فترة الميز العنصري، حيث اعتبر إلى جانب رموز كبار مثل مارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس، من بين أبرز من قادوا النضال ضد النظام الذي كان يصر على الاستمرار في جعل السود الأمريكيين في وضع اجتماعي وثقافي واقتصادي وتعليمي أقل من البيض.
محمد علي هو أيضا الملاكم ذو المواقف الشجاعة والنبيلة، من خلال رفضه المشاركة في حرب الفيتنام القذرة ضد شعب أعزل، وهو ما كلفه سنوات من مسيرته الاحترافية كبطل في الملاكمة.
بالنسبة للعديدين، وبغض النظر على من تعاقبوا على حلبات الفن النبيل من أساطير مثل مايك تايسون أو فلويد مايوذر، يبقى محمد علي هو أعظم من ارتدى قفازين ورقص داخل الحلبة موجها لكمات قوية لمنافسيه، ومتفاديا ضربات الخصوم الذين كان يبرع في استفزازهم قبل وأثناء النزال.
هو رياضي وإنسان بوجوه متعددة. خارج الحلبة، كان يبدو مثل الأخرق الذي يحاول إثارة الانتباه من خلال حركاته البهلوانية وإطلاقه لتحديات كبيرة في وجه ملاكمين أكبر منه حجما وأكثر خبرة.
لكن داخل الحلبة كان كلاي يعطي الدليل القاطع أنه يجيد تسديد اللكمات القوية كما يجيد الكلام، وبالتالي كان مشاهدته وهو يعذب خصومه بكل أناقة لا يجيدها سوى كبار الملاكمين، متعة لا تضاهى لأجيال الستينات والسبعينات.
“وفاة محمد علي”، جملة يصعب كتابتها وحتى استيعابها، تقول صحيفة “ذي غارديان” البريطانية. ورغم أن خبر الوفاة كان أمرا متوقعا، بعد 32 عاما من الصراع مع مرض باركنسون لتنتهي المعركة بإعلان رحيل الملاكم الأسطورة عن سن 74 عاما، إلا أن ذلك لم يحل دون أن يشعر محبو كلاي بالصدمة.
“الأعظم عبر التاريخ ظل مقاتلا إلى النهاية”، تقول صحيفة “هيرالد بوسطن” الأمريكية، التي كتبت أن محمد علي مات ولكنه لن ينسى لأنه يذكرنا دائما أن العظام ليسوا كذلك فقط داخل الحلبة.
وكان للمغرب حظ في منح محمد علي كلاي، الرياضي والإنسان، بعضا مما يستحقه من الاعتراف بعظمته، حيث استقبله الملك الراحل الحسن الثاني قبل 18 سنة ووشحه بوسام ملكي.
رحل محمد علي كلاي لكن ذكراه ستظل حاضرة في عقول وقلوب من شاهدوه يقدم أروع اللوحات في الفن النبيل، ومن لم يعاصروه ولكنهم تأثروا به، ببساطة لأن الأيقونات عابرة للزمن.