الجامع والجامعة والمجتمع: الثالوث الغائب في الجزائر

إن الاستقرار الذي ننشده جميعا في الجزائر سياسيا و اجتماعيا لا يمكن أن يتحقق بلمسة سحرية من السلطة السياسية الحاكمة التي تبالغ بعض الجهات الحزبية والشعبية في تحميلها مسؤولية كل ما يقع وربما ما سيقع من أحداث مخلة بالنظام العام، وقد يصل الأمر إلى اتهام السلطة بافتعال بعض الأزمات ثم البحث بعد ذلك عن حلحلة للأمور بطريقة أو بأخرى.
هذا المنطق الاتهامي للسلطة حقيقة لا تنكرها الجهات التي تتولى كبره، وهو منطق لا نريد أن يسود، لأن بناء الدولة مهمة تتحملها السلطة وجميع المؤسسات الاجتماعية، التي أعتقد أنها لا تؤدي واجبها الوطني في تأسيس منظومة السلم الاجتماعي في الجزائر بالكيفية التي نتوق إليها نحن الجزائريين. و قد يعتقد بعض السياسيين وحتى بعض المواطنين أن هذا الكلام نوع من المداراة والمحاباة للسلطة أو أنه إمعان في تبييض صورتها أمام الرأي العام، وأنه ينم عن جهل أو تجاهل للحقيقة التي ترتسم في أرض الواقع، و أحسب أنني لست من هذا الصنف المتملق المتسلق، و لا من الذين يقلبون الحقائق أو يوهمون الناس أو يرومون تحقيق غاية ذاتية، و لكنني في الطرف الآخر لست من الذين يمعنون قي اتهام السلطة بحق و بغير حق، و كأنها سلطة أجنبية أو استعمارية، لست بيقين من هذا الصنفين، فالحقيقة كل الحقيقة أنني أقر بأن السلطة جهة تكرس نفسها لخدمة الشعب فإن اجتهدت و أصابت فلها أجران و إن اجتهدت و أخطأت فلها أجر، فجل من لا يخطئ.
إن منطق اتهام السلطة في كل مرة منطق لا يسعف أصحابه، لأننا نرى أن هناك ثالوثا غائبا في الجزائر لا يؤدي دوره بالكيفية اللازمة، أو أنه يجعل نفسه قي حل مما يحدث في الجزائر، لأنه لا يحسن إلا النقد والتجريح و التخوين . أول هذا الثالوث الجامع أو المسجد- بغض النظر عن التفريق الذي يكرسه الفقه الإسلامي بين المسجد والجامع- فهذه المؤسسة الدينية الاجتماعية على العموم لا تؤدي وظيفتها الكاملة في تنوير الرأي العام وترشيد الأقوال و الأفعال، في إطار منظومة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتجد أغلبها مولعا بتكرار الموضوعات التي لا تسمن و لا تغني من جوع، أو يحرص أئمتها و القائمون عليها على اجترار بعض المسائل التي ملها الناس من كثرة تكرارها .
لست من الداعين إلى أن تتخلى الجوامع عن وظيفتها الوعظية، و لكن أريد أن تؤدي إلى جانب هذه الوظيفة الوعظية وظيفة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، من قبيل الاهتمام بالأحداث التي تقع في الجزائر العميقة، ومنها على سبيل المثال أحداث غرداية التي لم تحظ من خطب الخطباء إلا بالاهتمام القليل الذي لا يكاد يذكر، ثم تلقى المسؤولية كل المسؤولية على السلطة.
و إلى جانب الجامع، لا نجد للجامعة دورا ظاهرا في تأسيس و تكريس السلم الاجتماعي، و السبب في ذلك أن بعض الجامعيين حصروا مهمة الجامعة في إنتاج المعرفة، ونسوا أنها بوابة مهمة ينبغي أن تنفتح على المجتمع، وأن تخرج من شرنقتها لكي تستوعب محيطها الاجتماعي و الاقتصادي، فالجامعة ليست مؤسسة علمية وحسب، بل هي مؤسسة علمية عمومية يجب عليها أن تسهم بنسبة كبيرة في دعم مسعى الاستقرار الاجتماعي.
وإلى جانب الجامع و الجامعة نجد ثالث هذه الثلاثة المجتمع، الذي يسلك أفراده   أو أغلبهم لتجنب التعميم- مسلكا سلبيا في التعامل مع الأحداث التي تحدث بين الفينة و الأخرى، كأنه أعلن استقالته النهائية من كل مسعى وطني لتحقيق الاستقرار الاجتماعي و السياسي.
“الشروق” الجزائرية  

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *