العلاقات الجزائرية التونسية.. شعارات ناعمة وواقع مر

بقلم: أزراج عمر*

في إطار زيارته الأخيرة التي تمت هذا الأسبوع للجزائر رفقة وفد كبير، وأسفرت عن توقيع عدد من الاتفاقيات ذات الطابع الأمني، والاقتصادي والسياحي والتعليمي وغيرها من الاتفاقيات، فضلا عن مذكرات التفاهم حول الموقف المشترك تجاه الأوضاع في ليبيا وقضايا دولية أخرى، صرح رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد لوسائل الإعلام الجزائرية مبرزا أن العلاقات الجزائرية التونسية في تحسن مطرد، وأكد بقوله “بأنها علاقات وطيدة جدا”.
وفي ما يتصل بالزعم القائل بأن وزير الدفاع التونسي قد اتهم الجزائر مؤخرا بتصدير الإرهاب إلى تونس فقد نفاه الحبيب الصيد جملة وتفصيلا، وذلك في المقابلة التي أجرتها معه يومية الشروق الجزائرية ونشرتها يوم الاثنين الماضي حيث أوضح أن هذه المزاعم “كاذبة وعارية من الصحة”، وأنه “لا أزمة بين الجزائر وتونس وهناك أطراف تحاول الوقيعة بيننا”. ثم أضاف مبرزا أن “هناك إرهابيين ينتقلون من تونس إلى الجزائر، والإرهاب موجود في الحدود بين البلدين، وأن الجزائر لا تصدر الإرهاب إلى تونس، وتونس لا تفعل ذلك أيضا”.
في سياق آخر فنَد الحبيب الصيد وجود أي قرار تونسي في الوقت الراهن يسمح للولايات المتحدة الأميركية بإقامة قاعدة عسكرية في البلاد التونسية بالقول “موقفنا واضح، نحن ننسق مع الدول وخاصة دول الجوار، والدول الصديقة، ولكن لا نتخذ قرارات على استعجال أو دون سند قانوني. هذه الأمور، وأقصد هنا أن إقامة القواعد العسكرية تخضع للسيادة الوطنية ولضوابط قانونية محددة، ولنا اختياراتنا وسياستنا الخارجية الواضحة. ولكن حاليا أودَ أن أبلغ الجميع أن الحديث عن قاعدة أجنبية غير صحيح وغير وارد”.
يبدو واضحا أن الموقف الرسمي التونسي واضح تماما، وأن ترويج بعض الجهات الجزائرية لخطابات ومزاعم عارية من الصحة للنيل من تونس تدخل في نطاق التشويش على التغييرات السياسية التي تشهدها، وخاصة ما يتعلق بالانتخابات النزيهة والشفافة التي تعتمدها تونس لتحقيق الإصلاحات السياسية وتجسيد مبدأ التداول الديمقراطي على الحكم.
وفي الحقيقة فإن العلاقات الاقتصادية والثقافية والتربوية والتنموية بكل أنماطها لا ترقى فعلا إلى الشراكة الحقيقة والمصيرية منذ استقلال الجزائر إلى يومنا هذا، رغم أن تونس قد قدَمت عبر التاريخ الكثير للشعب الجزائري وخاصة أثناء الكفاح المسلح الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، حيث لعبت دورا حاسما في احتضان القضية الجزائرية آنذاك، وفتحت حدودها لتدفق السلاح إلى الثوار الجزائريين، وفتحت بيوتها ومدارسها لآلاف الطلبة ليواصلوا تعليمهم في الزيتونة ومدرسة الصادقية وغيرهما من المؤسسات التعليمية، كما سخرت دبلوماسيتها لنصرة القضية الجزائرية مما دفع بفرنسا إلى الهجوم العسكري على ساقية سيدي يوسف وقتلت المئات من الأبرياء التونسيين.

للمزيد: هل تمر العلاقات بين الجزائر وتونس بمرحلة فتور؟

وبهذا الخصوص أرَخ المرصد التونسي لما قدمته تونس للجزائر مبرزا أن “الكثير من المثقفين الجزائريين ورموز الثّورة الجزائريّة تلقّوا تعليمهم وتشبّعوا بروح الثقافة العربية الإسلاميّة في رحاب جامع الزّيتونة، نظرا للمنهج الثقافي الذي اعتمدته فرنسا في الجزائر في إطار مشروعها لإلحاق هذه الأخيرة بالتراب الفرنسي وما يتطلّبه ذلك من تغيير جذري في الثقافة الجزائرية وتوطين اللغة والثقافة الفرنسية، ما جعل المقاومة الجزائريّة لا تتوقّف عند البعد العسكري وحده، بل كان البعد الثقافي الحضاري أحد أهم مجالات المعركة ضد الاستعمار فمن هؤلاء المثقفين نجد الشيخ ابن باديس ومفدي زكرياء ومحمد السعيد الزاهري ومحمد العابد الجيلالي والطاهر وطار وعبدالحميد بن هدوقة وعبدالمجيد الشافعي وغيرهم، والذين كان لهم الدّور الفعّال في ما بعد في ترميم الثقافة والهوية الجزائريّة وإعادة تأصيلها في جميع المجالات».
رغم هذا البعد التاريخي والروحي الرابط بين الشعب التونسي والشعب الجزائري، فإن النظام الجزائري لم يستثمره ويفعّله استراتيجيا وماديا وثقافيا وروحيا وسياسيا بما يخدم بناء الشراكة والمصير الواحد. فالجزائر التي نهب فيها في مدة 16 سنة الأخيرة، مبلغ 1000 مليار، وكانت احتياطاتها بالعملة الصعبة تقدر بمبلغ 200 مليار دولار لغاية بداية سنة 2015، لم تضخ الأموال للاستثمار في تونس، ولم تقدم الدعم المنتظر منها للمساهمة إيجابيا في تحريك عجلة التنمية التونسية.
ففي اللحظات الساخنة التي فجرتها حركة التغيير السياسي في تونس التي وقعت بين 2010 و2011 بقيت الجزائر تتنزه من بعيد، وفي أعقابها اكتفت بتقديم قرض مالي بمبلغ 100 مليون دولار، وهبة مالية مجهرية لتونس قدرها 10 مليون دولار عن طريق الرئيس الباجي قائد السبسي، علما أن مثل هذا المبلغ الزهيد لا يمكن أن ينعش ولو قطاعا صغيرا من قطاعات الاقتصاد التونسي لمدة شهر.
إن العلاقات الجزائرية التونسية التي توصف بأنها وطيدة وإستراتيجية لا توجد لها ترجمة فاعلة وجدية في الواقع الملموس، ولاشك أن الوقائع تؤكد هذا التحليل وهذه المعاينة لها إذ أنه إذا قمنا مثلا، برصد الحقائق الثابتة ذات الصلة بحجم التبادل التجاري الثنائي الكلي بين البلدين، فإن جميع التقارير والمعطيات تؤكد بالأرقام أنه لا يتجاوز 2 مليار دولار، وهو حجم ضعيف جدا إذا قارناه بحجم التبادل التجاري بين أوروبا والجزائر الذي يتراوح بين 39 مليار و45 مليار دولار وتجني منه فرنسا 10 مليار أورو وإيطاليا 8 مليار أورو.
أما الاستثمار والتبادل الثقافي والتعليمي، وخاصة في عدد من المجالات الحيوية التي تمثل القوة الناعمة ويفترض أنها الأرضية الصلبة التي تنطلق منها الأدوار الحيوية الإستراتيجية التي تضمن التجسير الروحي بين الشعبين، مثل الإنتاج السينمائي والتلفزيوني والمسرحي والشراكة الحقيقية والفعلية في حقل الطبع والنشر والتوزيع، ورفع مستوى حقلي التربية والإعلام، فإن الواقع لا يفصح عن وجود لها عدا بعض النشاطات الثقافية التي يقوم بها هذا الفرد أو تلك الجماعة بشكل تلقائي ثم سرعان ما تنطفئ ويتبخر أثرها جراء غياب سند الدولة الجزائرية المادي والمعنوي لها.
ففي هذا الأسبوع بالتحديد اعترف رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال بلهجة دبلوماسية بهشاشة العلاقات الجزائرية التونسية، بمناسبة زيارة رئيس الحكومة التونسية للجزائر، بأن هذه العلاقات لا يمكن أن تتجسد وتزدهر إذا لم يتوفر شرط “التفاعل بين فئات الشباب والطلبة، فضلا عن تسهيل التنقل والإقامة لرعايا البلدين”.
إن هذا الاعتراف يؤكد لنا ضمنيا أن الشعارات البراقة المرفوعة من طرف المسؤولين الجزائريين بخصوص التكامل بين الجزائر وتونس، ليست سوى نمط من أنماط التفكير الرغبي، لأن حقائق الواقع تنفي وجود هذا التكامل أو حتى وجود أي تخطيط عملي لتجسيده.

*كاتب جزائري/”العرب”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *