لم تتوقف اغلب المنابر الإعلامية في اسبانيا خلال الأسابيع الأخيرة،عن رصد وإحصاء أخطاء وزلات حزب “پوديموس” الذي احتفل يوم السابع عشر من يناير الماضي، بإكمال سنة على ميلاده.
ولم تنجح تلك الحملة الإعلامية المنسقة، والضارية، على مدى الأسابيع الماضية، في ثني الرأي العام الاسباني عن التجاوب والتعاطف مع مشروع الوافد الحزبي الجديد الذي يتوقع، بإجماع الملاحظين، ان يربك المشهد السياسي في شبه الجزيرة الايبيرية ويخلط بالتالي، الأوراق فيها، رأسا على عقب، مثلما تلوح في الأفق شواهد تداول صعب وغامض على السلطة، إثر الانتخابات التشريعية المقبلة، اذ لا يتوقع ان يحصل على الأغلبية المطلقة احد الحزبين الرئيسين: الشعبي المحافظ الحاكم والاشتراكي العمالي المعارض، ما يعني نهاية دراماتيكية للقطبية الثنائية التي حكمت الساحة السياسية في اسبانيا، منذ عودة الديموقراطية وإرساء المؤسسات الدستورية أواخر عقد السبعينيات من القرن الماضي.
ويضع هذا التطور المتوقع اسبانيا، دولة ومجتمعا وجغرافية وقوميات، أمام إشكالات عصيبة، خاصة وان الأحزاب التاريخية لم تفلح حتى الآن، في بلورة حل بديل ومعقول لتجاوز الأخطار وسبل التعاطي معها.
و في سياق هذا المعطى السياسي اللافت والمتلاحق الفصول، لم يكن غريبا ان يؤكد آخر استطلاع للراي اجري منتصف الشهر الماضي، اعلنت نتائجه صباح اليوم الأربعاء، المنحى الذي برزت علاماته القوية في غضون الاشهر الاخيرة، بعد اقتحام حركة “پوديموس” ساحة المنافسة الحزبية وتبشيرها بنمط حكم جديد، يزيح من الطريق القوى التقليدية المسؤولة، من وجهة نظرها، عن الأزمات الاقتصادية وانتشار الفساد وإفقار الشعب الاسباني الذي يرى الخلاص في سياسيين جدد غير ملوثين بروائح ملفات الفساد قادرين على إشاعة الحق والعدل في الأرض.
ووضع الاستطلاع الأخير، الحزب الاشتراكي العمالي في المرتبة الثالثة بعد، پوديموس، بينما احتفظ الحزب الشعبي الحاكم، بالصدارة المؤقتة للمشهد، دون ان يتمكن من حكم البلاد بمفرده.
وتعد نتيجة الاستطلاع، انقلابا غير مسبوق، وتحديا بل تهديدا للاشتراكيين قبل غيرهم وهم الذين يطمح أمينهم العام في العودة الى قصر “لا منكلوا” مؤملا ان تصوت أغلبية الاسبان لصالح حزبه، معلنا، اي الامين العام، رفضا قاطعا ومسبقا لأي تحالف ممكن او ضروري مع الحزب الشعبي، في أفق تشكيل حكومة ائتلافية قادرة على إزاحة “پوديموس” عن تدبير الشأن العام، والحيلولة دون تكرار السيناريو اليوناني السياسي، الجارية فصوله في “أثينا” في الظرف الراهن بعد ان أصبح مرجعية محفزة لعدد من الأحزاب الشعبوية في اوروپا، باتت ترى نفسها قريبة من الوصول الى سدة الحكم.
وبرأي محللين لنتائج احدث استطلاع إسباني، فان الحزبين اللذين تناوبا على حكم البلاد بأغلبية مطلقة أو نسبية، صارا مجبرين على إعادة النظر في الحسابات السياسية العتيقة بأن يضعا في الاعتبار ان حركة “پوديموس” الفتية لم تعد مجرد نزوة سياسية او تعبيرا عن رفض رومانسي وتلقائي، أفصح عنه الشباب الغاضب الاسبان في الميادين الكبرى، تأثرا بالربيع العربي؛ وانما اصبح التنظيم، لاعبا اساسيا وفاعلا محوريا في فضاء التدافع السياسي في إسبانيا، يجب ان يحسب له اي، پوديموس، الف حساب.
وليس مستبعدا ان يضطر الحزبان الكبيران في الأيام القادمة، الى مراجعة للخطط والبرامج الانتخابية التي سيعرضانها وأسلوب اتصالهما بفئات الشعب الاسباني. وقد تدفع المراجعة، زعيم الاشتراكيين الى التخفيف من درجة تفاؤله المفرط بالنصر، وعدم استبعاد فكرة الاتلاف الاضطراري مع الحزب الشعبي الذي سبق ان لمح في السابق الى انه جاهز لذلك الاحتمال، ان فرضته صناديق الاقتراع وإرادة الناخبين. اما التحالف مع، پوديموس، فهو منذر بأوخم العواقب السياسية، ما يفسر سبب غضب الزعيم الاشتراكي، من لقاءات سرية عقدها الأمين العام الأسبق، خوصي لويس ثباطيرو، مع زعيم، پوديموس.
الى ذلك كشف الاستطلاع المذكور، عن مفارقات سياسية، بينها ان المستجوبين يعتبرون زعيم الاشتراكيين، پيدرو سانشيث، افضل شخصية سياسية قبل رئيس الحكومة ماريانو راخوي، وزعيم “پوديموس ” پابلو ايغليسياس؛ ما يدل على ان المستجوبين يطبقون معايير أخرى، أثناء تفضيلهم شخصية سياسية على أخرى، مثل الكاريزما والوسامة والعمر، وهي صفات متوفرة بنسبة في القيادي الاشتراكي لذلك نال إعجاب الناس بمظهره العام وليس ببرنامجه المقترح عليهم. وبالمقابل منح المصوتون مرتبة متقدمة لحزب، ايغليسياس، مع انه جديد في الساحة ولا يتمتع بالصفات التقليدية للزعماء الكبار: فهو ليس خطيبا مفوها واقرب الى النحافة والقصر، ارسل سواليف شعره الى الخلف وربطها بمشد، وكأنه يتشبه بمغنين او ببعض صور المسيح عليه السلام.
ودفعت صور قائد، پوديموس، بعض المحللين الى تحليل مضمون خطب وفك إشارات وحركات، بابلو ايغليسياس، أثناء التجمعات الجماهيرية وتواصله مع الحشود، فاستنتجوا ان الزعيم الجديد يتصرف كراهب او كداعية ديني، باعتماده على المواعظ الأخلاقية والجمل ذات الحمولات الدينية، واستدل المحللون على رأيهم، بالخلطة الإيديولوجية العجيبة ذات البهارات المختلفة المشكلة لبرامج “پوديموس” اذ تجمع بين ما هو عاطفي وحالم ومبشر بالعدالة المطلقة الى جانب قوالب سياسية جاهزة، وبالتالي فستنهار عند احتكاكها بأرض الواقع.
ويخشى اغلب رموز النخبة السياسية في اسبانيا، رؤية بلادهم وقد آلت مقاليد الأمور فيها الى شباب بدون تجربة، يتعاطون السياسة كهواية، سيدفعون بالبلاد الى المجهول حتى ولو خلصت نواياهم. وما يقوي تلك التمنيات ان اسبانيا باعتقاد كثيرين، لا تشبه اليونان، على مستوى الكثير من الأصعدة والخصائص.
اقرأ أيضا
رئيس الحكومة يتباحث مع رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية
أجرى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، اليوم الخميس بالرباط، مباحثات مع رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار …
ملفات مهمة على طاولة مجلس الحكومة الخميس المقبل
ينعقد، يوم الخميس المقبل، مجلس للحكومة. وذكر بلاغ لرئاسة الحكومة أن المجلس سيتدارس في بدايته …
التدابير الاستباقية لمواجهة موجة البرد تسائل الحكومة
يسائل برلمانيون، الحكومة بشأن التدابير الاستباقية لمواجهة موجة البرد بالعالم القروي والمناطق الجبلية.