يتجه المغرب، في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، وأمين عام حزب العدالة والتنمية، ذي الخطاب الإسلامي، نحو وضع خطة عمل وطنية لمعالجة إشكالية الإجهاض.
وقال وزير الصحة السيد الحسين الوردي، أمس الأربعاء بالرباط، إن هذه الخطة التي تنكب عليها وزارته، تعتمد على نظرة شمولية وترتكز على ثلاثة محاور متكاملة للتدخل.
وأوضح الوزير، في كلمة افتتاحية خلال لقاء وطني حول “الإجهاض :التأطير القانوني ومتطلبات السلامة الصحية”، أن المحور الأول لهذه الخطة يهتم بتطوير سبل الوقاية من الحمل غير المرغوب فيه بتطوير برامج للتربية الجنسية والإنجابية، وهو دور منوط أساسا بالمدرسة والآباء ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى وزارة الصحة، وكذلك تيسير الولوج للمعلومات الصحية الشاملة لفائدة جميع مكونات المجتمع ولخدمات تنظيم الأسرة ذات جودة وتوفير حبوب منع الحمل في الحالات الطارئة بخلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف.
أما المحور الثاني فيهدف، يضيف السيد الوردي، إلى تيسير ولوج النساء ضحايا الإجهاض السري لخدمات الصحة الإنجابية دون أي خوف من المتابعة مع تحسين جودة التكفل بالمضاعفات الناتجة عنه، فيما يهم المحور الثالث مناقشة الإطار القانوني والتنظيمي الخاص بالإجهاض الطبي في المغرب في أفق مراجعته للاستجابة للحاجيات والتحديات المطروحة حاليا، وذلك مع الاحترام الكامل للقيم الدينية والأخلاقية والخلفيات الثقافية للبلاد ووفقاَ لحقوق الإنسان المتعارف عليها دولياً.
وأشار السيد الوردي إلى أن وزارة العدل والحريات تشتغل حاليا على محور مناقشة الإطار القانوني والتنظيمي الخاص بالإجهاض الطبي في أفق مراجعته، حيث عقدت في هذا الإطار مجموعة من اللقاءات، مؤكدا أن نجاح هذه الخطة الخاصة بمعالجة إشكالية الإجهاض رهين بإشراك جميع المعنيين خلال مراحل بلورتها وتظافر جهود الكل خلال تنفيذها.
و حسب السيد الوردي، فإن الإجهاض السري غير مأمون ويتم غالبا في ظروف غير صحية والتي لا تحترم أبسط قواعد السلامة، موضحا أن مجموعة من الفتيات و النساء خوفا من تبعات القانون الجنائي الحالي المتعلق بالإجهاض، والذي يعاقب سواء مرتكبه أو الوسيط أو المستفيدة منه بعقوبات حبسية تتراوح ما بين سنة و خمس سنوات، يلجأن إلى وسائل بدائية باستعمال أدوات حادة غير معقمة أو أعشاب سامة أو أدوية خطيرة، الشيء الذي تنتج عنه مضاعفات صحية من تعفن أو نزيف حاد أو قصور في جهاز التنفس، وكذلك على مستوى الكبد، مما قد يؤدي إلى الوفاة في ظروف جد مؤلمة.
وذكر بأن التقرير الثاني للجنة الخبراء الوطنية الخاص بالتدقيق السري لوفيات الأمهات لسنة 2010، بين أن مضاعفات الإجهاض تتسبب في حوالي 4,2 في المائة من مجموع وفيات الأمهات و 5,5 في المائة من وفيات الأمهات الناتجة عن التعقيدات المباشرة للولادة.
وبخصوص القانون الجنائي المتعلق بمسألة الإجهاض في الفصول ما بين 449 و 458 والذي لا يسمح بالإجهاض الطبي إلا إذا استوجبته ضرورة المحافظة على حياة أو صحة الأم في الفصل 453 ، فقد اعتبر الوزير أن هذا القانون أصبح اليوم متجاوزا ولا يستجيب للتحديات الحالية الخاصة بالحفاظ على صحة الأم بالمغرب وتمتيعها بجميع حقوقها الإنجابية .
من جانبها، أبرزت السيدة أمينة أفروخي عن مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل والحريات أن القانون الجنائي يجرم الإجهاض برضى المرأة أو بدون رضاها وبأي وسيلة (449) ، كما ينص على تشديد العقاب في حالة الاعتياد ويعاقب على بيع الأدوية والأشياء المتعلقة بالإجهاض أو الإرشاد إليها ، كما يعاقب المرأة التي تجهض نفسها أو تقبل بذلك، وكذا التحريض على الإجهاض .
وأوضحت، في عرض حول الإطار القانوني لتجريم الإجهاض في أفق مراجعة القانون الجنائي، أنه يتم الإعفاء من العقاب على الإجهاض الذي يقوم به الأطباء علانية بإذن الزوج، إذا تطلبته ضرورة المحافظة على صحة الأم ولا يطالب بإذن الزوج إذا كانت حياة الأم في خطر.
أما الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان السيد محمد الصبار، فقد أكد أن هذا التجريم لا يلغي واقعيا ممارسة الإجهاض بل يساهم عكس ذلك في مضاعفة ممارسته في ظروف مضرة بصحة المرأة التي تلجأ إليه، مضيفا أنه بالفعل وحسب معطيات قدمتها الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة يقدر عدد عمليات الإجهاض ب600 عملية يوميا، في حين ترى الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري أن العدد يتراوح بين 800 و1000 حالة يوميا.
وقال السيد الصبار إنه باعتبار النساء هن المعنيات الأوائل ويتحملن العواقب الجسدية والاجتماعية والاقتصادية لعمليات الإجهاض غير المؤمنة وللحمل غير المرغوب فيه، فإن لهن الحق في اتخاذ اختيارات مسؤولة تخصهن، لاسيما النساء الشابات المنحدرات من المناطق المهمشة اللائي لديهن الحق في فرصة ثانية وفي المستقبل.
بدوره، اعتبر رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة السيد مصطفى بنحمزة، أنه لا يجوز التصرف في حياة الجنين الا اذا كان يشكل خطرا حقيقيا على صحة الام و يحرم إجهاضه لمجرد الرغبة في إخفاء الحمل أو تحت ذريعة وجود تشوهات خلقية قد تكون في بعض الاحيان بسيطة أو لكون الحمل ناتج عن زنا المحارم، لأنه لا يحق تحميل الجنين أثر فعل لا يد له فيه.
ودعا، في عرض حول الموقف الديني من الإجهاض، وزارة الصحة إلى بذل المزيد من الجهود على المستويين العلمي والطبي من أجل استباق والوقاية من تشوهات الجنين لتقليل من فرص ظهورها .
وتواصل هذا اللقاء ببحث مواضيع تهم أساسا الاستعجالية الاجتماعية لتعديل قانون الإجهاض، وبتقديم مداخلات لمنظمات دولية ولهيئات حقوقية.