بقلم: هيثم شلبي
لا أظن أحدا يحسد الإعلام الدعائي للنظام الجزائري بجميع أدواته وقنواته، المقروءة والمرئية والمسموعة والإلكترونية.
فعلى صعيد الإعلام الداخلي، يراد منهم إقناع المواطنين الواقفين في طوابير المواد الغذائية، والذين يركبون حافلات تعمل دون تغيير منذ أيام الرئيس الأسبق هواري بومدين، بأن “الجزائر الجديدة” هي ثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا، بل وبدأوا يشيرون إلى أنهم يحتلون المركز الأول في الشهور الأربعة الأولى من عام 2025!! أما على الصعيد الخارجي، فمنوط بهم الترويج لانتصارات سياسية ودبلوماسية تنسجم مع كون الجزائر الجديدة “قوة ضاربة” عالمية، هذا وهم يركلون من أمام أبواب “البريكس”، ويتراجع تأثيرهم على أفريقيا، وتحديدا على صعيد “قضيتهم المركزية”، قضية “الوحدة الترابية.. المغربية”!!
الحرب الدعائية على المغرب تتوسع لتشمل جميع مناحي الحياة، دون أن تقترب طبعا من المساحات التي تسجل فيها المملكة المغربية تفوقا واضحا على جار الشرق.
وضع، ومع ازدياد صعوبته يوما بعد آخر، وتعذر اللحاق بالمغرب في المجالات التي بدأ العمل فيها منذ عقود، خلال شهور معدودة، تزداد مهمة الإعلام الدعائي الجزائري صعوبة، فيلجأ إلى الكذب والتلفيق وفبركة الأخبار والصور، وهو الأمر الذي تزداد سهولة كشفه مع التطورات التكنولوجية المتلاحقة، الأمر الذي يحول إعلام الجنرالات -والنظام برمته من ورائهم- إلى مصدر لسخرية الجزائريين والمغاربة والعرب والعالم في آن واحد.
وتتعدد مظاهر هذا الإفلاس الدعائي بطريقة يصعب حصرها، لذا سنكتفي بمثال واحد فقط، يكفي للتدليل بشكل ساطع على هذا الإفلاس والبؤس، دون أدنى مجال للمكابرة او الإنكار؛ ونعني هنا طريقة تغطيتهم لحدث احتضان المغرب لكأس أمم أفريقيا لكرة القدم، نهاية العام الحالي، وتحديدا قضية الملاعب المغربية التي ستحتضن الحدث.
فمنذ الإعلان عن فوز المغرب بشرف احتضان الحدث، وخسارة الملف الجزائري (الذي أوضحت الشركة العالمية الألمانية المكلفة بفحص الملفات المرشحة مدى ضعفه وتهلهله)، بدأت الآلة الإعلامية الدعائية الجزائرية في حملة شرسة للتشكيك في كل جانب من جوانب احتضان المغرب لهذا الحدث.
ولأن الملف المغربي مؤهل أصلا لاحتضان كأس العالم (بالمشاركة مع إسبانيا والبرتغال) لعام 2030، فمن البديهي أن متطلبات احتضانه للحدث الأفريقي ستكون أقل صرامة. ومع ذلك يصر الإعلام الدعائي الجزائري على أن البنية التحتية المغربية غير مؤهلة؛ وأنه لا يملك فنادق كافية؛ وان ملاعبه ليست جاهزة، وأنها ستكون “فضيحة” البطولة. طبعا أمام هذه الادعاءات، لا يفيد تذكير إعلام “العالم الآخر” أن المغرب يحتضن شبكة طرقية وسككية لا مثيل لها في القارة الأفريقية، وأن فنادق المغرب أهلته لاحتلال المركز الأول أفريقيا من حيث استقبال السياح لعام 2024، بعدد تجاوز 17.5 مليون سائح!
لكن بالتدقيق في أكثر جانب يتجند الإعلام الجزائري لإثارة اللغط حوله، ونقصد الملاعب التسعة المحتضنة للحدث، تتبدى لنا فضائح ومهازل، يصعب إيجاد تفسير لها.
إذ كيف نستطيع إيجاد منطق يساعدنا على فهم أشياء غير منطقية. وقبل الخوض في متاهة ادعاءاتهم المضحكة، من المفيد تذكيرهم ببعض الحقائق الموضوعية، التي ربما غابت عنهم بسبب الفجوة الزمنية التي تفصلهم عن العالم.
أولى هذه الحقائق، أن الكاف تحتاج لاستلام الملاعب قبل شهر من انطلاق البطولة، أي في نوفمبر المقبل وليس الآن، حتى يتم الحديث عن كونها ليست جاهزة بعد.
ثاني الحقائق، أن اليوتيوب يعج يوميا بعشرات الفيديوهات المصورة بالدرون لأصغر تفاصيل تقدم الأشغال في الملاعب المعنية، وان هذه الفيديوهات متاحة بالمجان لكل جزائري يود التحقق من صدق دعاية نظامه حول الموضوع.
ثالث هذه الحقائق يتعلق بأن شرط الكاف لتنظيم البطولة يتحدث عن وجود ستة ملاعب جاهزة، وليس تسعة كما اقترح المغرب، وهو الأمر المتحقق منذ بضعة أشهر (الدار البيضاء، فاس، أكادير، مراكش، ملعب الرباط الأولمبي، وطنجة/ مولاي عبد الله في الرباط)، حيث تحتضن الملاعب الخمسة الأولى فعليا مباريات في كرة القدم، بينما اكتمل البناء تماما في آخر ملعبين مع بقاء رتوش بسيطة في الأسقف.
بل إن هناك ازيد من عشرة ملاعب احتضنت منافسات الكاف الدولية بين المنتخبات الأفريقية، ناهيك عن كأس أفريقيا للسيدات (بركان، الجديدة، وجدة، العربي الزاولي، المحمدية، الخ). إن الحقيقة الأخيرة جعلت المغرب يرفع السقف عاليا، بالإعلان عن توفير ملعب “دولي” للتدريب لفائدة كل منتخب أفريقي مشارك (24 ملعبا ل 24 فريقا)، وبالتالي فملاعب التداريب فقط، تتجاوز من الناحية الكمية والنوعية جميع ملاعب جمهورية الجزائر!!
أما التدليس المتمثل في بث لقطات قديمة للأشغال في ملاعب طنجة؛ البريد، مولاي عبد الله، مولاي الحسن بالرباط، والادعاء المضحك بأنها لن تكون جاهزة قبل الكان، فهو ادعاء مبني على عدة ركائز لا تقل غرابة: أولها الافتراض بأن وتيرة البناء في المغرب تماثل نظيرتها في الجزائر.
لذا فإذا كان بناء ملعب يحتاج في الجزائر إلى أزيد من عشر سنوات لإكماله، فهم يعتقدون أن من حقهم ان يحكموا باستحالة قدرة الشركات المغربية على إنجاز نفس العمل في أقل من سنة واحدة!
ثاني المرتكزات أن الجزائريين سيقبلون الفيديوهات المفبركة دون البحث عن تحديثها عبر اليوتيوب. ثالث المرتكزات افتراض أن نفوذ فوزي لقجع داخل الكاف يؤهله لانتزاع موافقة هذه الهيئة على إجراء مباريات البطولة في ملاعب تحت الإنشاء، بأرضية ترابية وجلوس جماهيري على “الدص”.
آخر المرتكزات تقول بوجود معلومات مؤكدة لدى إعلام الجنرالات، بأن القيامة ستقوم قبل ديسمبر المقبل، وبالتالي فلن يكون هناك أحياء في المغرب أو الجزائر من أجل أن يشهدوا ما إذا كانت الملاعب قد اكتملت أم لا، وبالتالي كشف زيف ادعاءات النظام الجزائري وإعلامه.
كخلاصة، فإن البؤس والإفلاس الذي وصلت إليه وسائل إعلام النظام الجزائري يتجلى في أبهى صوره في الطريقة التي تعامل بها مع قضية ملاعب المغرب التي ستحتضن كأس أمم أفريقيا نهاية العام 2025.
فإن كان مقبولا -وإن مستغربا- أن يرددوا الادعاءات بعدم قدرة المغرب على تجهيز ملاعبه في الوقت المطلوب، مباشرة بعد الإعلان عن نيله شرف احتضان البطولة، فمن الجنون أن يستمر في تكرار نفس الادعاءات على بعد 4 شهور من الافتتاح، وبعد أن استلم الكاف فعليا خمسة ملاعب، وبقيت رتوش تتعلق بسقف ملعبين، واكتمال عملية تغليف ملعبين آخرين، وهي المهام التي يعلم أي مبتدئ أنها لا تحتاج من أجل إنجازها إلى مهلة الشهور الثلاثة المتبقية، من طرف شركات أنجزت جميع الأشغال في غضون ثمانية أشهر!! فهل بعد هذا العمى الدعائي، يمكن أن نشهد انحدارا آخر لإعلام الجنرالات؟!
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير