الحقيقة التي يكابر النظام الجزائري في قبولها: ملف الصحراء حسم أمميا

بقلم: هيثم شلبي

لا يزال إعلام النظام الجزائري يعاند في قبول حقيقة الموقف البريطاني والدولي من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بحجج كل واحدة منها أوهى من الأخرى. إنكار للواقع بدأ مع الإصرار على اعتبار الموقف الأمريكي المعترف بمغربية الصحراء مجرد “تغريدة” للرئيس دونالد ترامب، لا قيمة سياسية لها، وأتبعها بهجوم حاد على الموقفين الإسباني والفرنسي، مختصرا ما أقدما عليه بأنه لا يعدو “طبيعة استعمارية” متجذرة في بنية الدولتين! أما الموقف البريطاني الذي يعتبر نسخة حرفية من موقف سابقتيها، فيصر الإعلام الجزائري على أنه مختلف.

هذا الإصرار العجيب على المغالطة، واختراع تعريفات جزائرية خاصة للمفاهيم الراسخة في الدبلوماسية والقانون الدوليين، يعكس عمق الأزمة التي يعيشها النظام، ومبلغ استشراء مرض “إنكار الواقع” المتمكن لدى قادته، مدنيين وعسكريين. وفي هذا السياق، لا يعترف النظام الجزائري وإعلامه، بأن مواقف الغالبية المطلقة لدول العالم اليوم تكاد تنحصر في ثلاث فئات: فئة أولى تعترف صراحة بمغربية الصحراء وعدم وجود أي وجه لمنازعة المغرب على أقاليمه الجنوبية؛ وفئة تعتبر أن مبادرة المغرب للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي “الأساس الأكثر جدية ومصداقية وواقعية” لحسم هذا النزاع المفتعل؛ وفئة ثالثة ترحب بالمقترح نفسه باعتباره “جادا وواقعيا وذي مصداقية” دون الإشارة إلى خيارات أخرى، ليست مطروحة حقيقة على طاولة البحث الأممي. بموازاة مع هذه الحقيقة الناصعة، والتي تجعل الفئات الثلاث في المحصلة تصب في خانة دعم الموقف المغربي، توجد حقيقة أكثر رسوخا تقول أن الدول التي لا تزال تعترف بمرتزقة البوليساريو ودولتها الوهمية، تنحصر في 26 دولة: 11 منها تدعم الرؤية الجزائرية للنزاع، و9 منها تراوح بين الاعتراف وسحبه، ولا تزال تفاضل بين مصالحها مع المغرب والجزائر، و6 أخرى وضعت اعترافاتها في “ثلاجة التاريخ” وأعطت الأولوية لعلاقاتها الاقتصادية المتشعبة مع المغرب، في انتظار الإعلان عن تغيير مواقفها وسحب اعترافها رسميا. هذا من الناحية العددية، أما من الناحية الاستراتيجية، فالغالبية الساحقة لهذه الدول الـ26 محصورة في قارتي أفريقيا وأمريكا اللاتينية، دون أهمية حقيقية على الساحة القارية والدولية.

بناء على الحقائق الرقمية السابقة، يمكن القول بثقة أن الدبلوماسية المغربية التي تتحرك بتناغم تام مع باقي أدوات التأثير السياسية والاقتصادية والروحية، بتوجيه مباشر من “مايسترو” أوحد هو “سيد” البلاد، الملك محمد السادس، تعمل خلال الفترة التي تفصلنا عن الاحتفال بمرور 50 سنة على المسيرة الخضراء، التي أهلت المغرب لاسترجاع أقاليمه الجنوبية، على ثلاث جبهات أساسية: مجلس الأمن، الجمعية العامة للأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، فكيف ذلك؟!

لنبدأ من الجبهة الأخيرة: الاتحاد الأفريقي. فالمغرب الذي يمتلك حاليا أغلبية مريحة، يجتهد في استكمال تأمين أغلبية الثلثين داخل الاتحاد من أجل تعديل ميثاق الاتحاد، لحصر عضويته في الدول التي تحظى باعتراف الأمم المتحدة، وبالتالي طرد “جمهورية تندوف” من صفوف أعضائه. وهنا، ومع تجميد عضوية خمس دول من أعضاء الاتحاد الأفريقي المستندين للطرح المغربي (السودان، غينيا، مالي، النيجر، بوركينافاسو)، يحتاج المغرب إلى موافقة صريحة على مقترحه من طرف عضوين إضافيين من بين الأعضاء الستة التي تتطور علاقاته السياسية والاقتصادية معها بشكل جلي وواضح، وهو الهدف الذي يكاد يكون شبه مضمون التحقق. وبهذا سيتسنى له جمع الأصوات الـ37 المطلوبة لطرد البوليساريو من الاتحاد الأفريقي، بل وتجاوزها.

هذا النجاح، سيدعم حجة المغرب سياسيا، ويقويها عدديا من أجل تأمين 130 صوتا (يمتلك حاليا قرابة 126 صوتا منها) اللازمة للخروج بتوصية من الجمعية العامة، تصحح الخطأ التاريخي الذي يسمح ببقاء ملف الصحراء داخل اللجنة الرابعة، واعتبار أن “تصفية الاستعمار” قد تمت فعلا بتحريرها من الاستعمار الإسباني، ولا معنى لاستمرار اعتبار الإقليم خاضعا للاستعمار بعد عام 1975، وتبرر إدراجه في أعمال اللجنة الرابعة.

وبموازاة الجهود المغربية على صعيد الجمعية العامة، يبدو رهان كسب تصفية الملف على صعيد الهيئة العليا في الأمم المتحدة، مجلس الأمن، والخروج بتوصية واضحة من هذا الأخير، تنص صراحة في أكتوبر المقبل، على اعتبار أن مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، هو الخيار “الوحيد” المطروح لحل النزاع المفتعل، باعتباره تجسيدا حقيقيا لتقرير مصير ساكنة الإقليم، وهو ما يستتبع بالضرورة تحويل مهمة المينورسو إلى مراقبة تجسيد هذا الحكم الذاتي على أرض الواقع، وإنهاء “خرافة” تنظيم الاستفتاء بشكل رسمي.

هذا السيناريو الأخير، يقوي من احتماله حقيقة أن أعضاء مجلس الأمن بتركيبته الحالية، جاهزون لتمرير هذا القرار بأغلبية تتجاوز التسعة أصوات المطلوبة من أصل 15. فالأعضاء الدائمون، عبر ثلاثة منهم صراحة عن مواقفهم من “حصرية” خيار الحكم الذاتي، ونعني الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، مع شبه استحالة لاستخدام الصين وروسيا للفيتو ضده، على اعتبار العلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين بالمغرب، ناهيك عن حساسيتهما الشديدة تجاه القضايا المتعلقة بالوحدة الترابية!

أما الأعضاء غير الدائمين، فتسعة منهم يدعمون مبادرة الحكم الذاتي (سيراليون، الصومال، باكستان، بنما، غويانا، الدنمارك، اليونان، كوريا الجنوبية، وسلوفينيا)، لتبقى الجزائر وحيدة في مواجهة 14 صوتا بين مؤيد وممتنع عن التصويت.

وعليه، فإن الواقع الحقيقي لا المتخيل، يقول بأن مسيرة المغرب لكسب الرهانات الثلاثة السابقة “مفروشة بالورود”، وأن حظوظ النظام الجزائري في تعطيل أي منها تكاد تكون معدومة! هذا الأمر، يفسر مهلة الثلاثة أشهر الممنوحة لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي مستورا، من أجل جلب الأطراف المعنية (الجزائر على وجه الخصوص) إلى مائدة التفاوض، من أجل نقاش بند حصري لا ثاني له: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. أما ما عدا ذلك فلا يعدو كونه لعبا في الوقت الضائع في مباراة محسومة النتيجة سلفا!

كخلاصة، فالأمر الوحيد المطروح على مائدة النظام الجزائري هو كيفية التوائم مع الحقائق السابقة على الأرض. فإما الرضوخ لهذا الواقع، مع ما يتطلبه ذلك من تعطيل لـ”فيتو” الجنرال شنقريحة “بأي وسيلة كانت”!! أو المغامرة باستمرار ربط مصير النظام برمته بمآل هذا النزاع المفتعل، وهي النتيجة المحسومة سلفا! وعليه، فالأيام المقبلة لا تحمل الإجابة فقط حول مصير هذا النزاع المفتعل، بل حول مصير النظام العسكري في الجزائر نفسه!

اقرأ أيضا

الإكوادور تؤكد أهمية مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية

أكدت جمهورية الإكوادور، اليوم الجمعة بالرباط، أن مبادرة الحكم الذاتي تعد “الأساس لتسوية النزاع” الإقليمي …

الصحراء المغربية

غواتيمالا تعتبر مبادرة الحكم الذاتي الأساس الجاد والموثوق والواقعي الوحيد لتسوية نزاع الصحراء

أكدت جمهورية غواتيمالا، اليوم الخميس، أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007، "هي الأساس الجاد والموثوق والواقعي الوحيد للمضي قدما نحو اتفاق دائم لتسوية نهائية لهذا النزاع المفتعل، في ظل الاحترام التام للوحدة الترابية للمملكة وسيادتها الوطنية".

العرباوي وسانشيز

للخروج من العزلة.. النظام الجزائري يعود إلى أحضان مدريد

بعد أن أدرك أن قطع العلاقات مع إسبانيا، الشريك الأوروبي الهام، كان له تأثير سلبي، يسعى النظام العسكري المستولي على الحكم في الجارة الشرقية في الوقت الراهن لتخفيف هذه التداعيات