بقلم محمد الحريزي
في الزاوية المظلمة من المسرح السياسي الجزائري، حيث تكتب النصوص الرديئة وتعاد مشاهدها المملة، خرج علينا رئيس ما يسمى “حزب البناء الجزائري” في وصلة جديدة من وصلات بيادقة الجنرالات الذين لا شاغل لهم سوى مهاجمة المغرب.
كان المشهد أشبه برؤية ممثل ثانوي في فيلم من الدرجة الثالثة يحاول سرقة الأضواء في اللحظة الأخيرة، لكنه – ويا للعجب – تعثر في أول خطوة!
يا رجل، بالله عليك، هل تعتقد أن تصريحاتك الصاخبة سيسمع له صوت بالمغرب؟ هل تتصور أن المغاربة سيتوقفون عن أعمالهم، ويهرعون إلى التلفاز ليتابعوا “حكمة الزمان” التي نطقت بها؟! دعني أخبرك بسر صغير: تصريحاتك لم تتجاوز عتبة مقرك الحزبي، وربما بالكاد وصلت إلى مكتب الجنرال الذي لقّنك إياها.
من أنت أصلاً؟! عذرًا على الصراحة، لكن المواطن الجزائري نفسه قد يحتاج إلى “GPS سياسي” ليعرف موقع حزبك في خريطة السياسة. حزب البناء؟! عن أي بناء تتحدثون وأنتم عاجزون عن بناء جملة سياسية مفيدة؟! أنتم تحتاجون أولاً إلى إعادة بناء خطابكم المتهالك الذي لا يتجاوز قاموسه عبارات “المؤامرة”، و”الخيانة”، و”العدو الخارجي”.
ولكن دعني أُحسن الظن قليلاً… ربما كان تصريحك نابعًا من إحساس مفاجئ بالبطولة، أو لنقل “نزوة سياسية”، فالجميع يعلم أن السياسة في الجزائر تشبه إلى حد كبير لعبة الشطرنج، حيث الجنرالات يوزعون الأدوار، والبيادق يُدفع بها إلى الأمام عند الحاجة إلى ضجيج مؤقت. والحمد لله، أنت كنت البيدق الذي تحرك هذا الأسبوع!
ولأنك بيدق، دعني أخبرك بحقيقة مُرّة: من كان بيته من ورق، لا يرمي الناس بالحجارة. ومن كان مُقادًا كالبيدق، لا يحق له الحديث عن سيادة الأوطان. تصريحاتك ضد المغرب لم تكن سوى صدى باهت لتعليمات الجنرالات الذين اعتادوا أن يُخرجوا أمثالك في مواسم “التصعيد الإعلامي”، ثم يعيدونك إلى الدرج بعد انتهاء المهمة، كأنك منشور دعائي قُرئ لمرة واحدة ثم أُهمل في الرفوف المظلمة. أو كورق حمام استعمل ورمي في المرحاض.
لكن دعني أكون منصفًا معك، يا رئيس حزب “البناء”. ربما كان الحزب نفسه ضحية لاسم أكبر من إمكانياته. “البناء”؟! عن أي بناء تتحدثون؟! هل هو بناء الأوهام السياسية؟ أم بناء الخطب المكررة التي نسمعها منذ السبعينيات؟ ربما تقصد بناء الحواجز بين الشعوب، أو بناء المزيد من الخطابات العدائية لتغطية العجز الداخلي. وإن كنت فعلاً تؤمن بالبناء، فلِمَ لم نسمع لك صوتًا في بناء جسور الحوار مع المعارضة الجزائرية المكمّمة؟ أم أن البناء عندكم لا يُقام إلا في اتجاه واحد… نحو الميكروفونات؟
أخبرني، يا رئيس الحزب، هل لديك مشروع سياسي واحد في بلادك سوى التصفيق في البرلمان والتهليل في المناسبات الرسمية؟ هل لديك رؤية اقتصادية أو اجتماعية لتطوير الجزائر، أم أن كل ما تملكه هو دفتر صغير تكتب فيه خطبك العدائية كلما طُلب منك؟
يا رجل، العالم تغيّر، والمنطقة كلها تتطوّر، إلا أنتم ما زلتم تعيشون في أجواء الخطاب العسكري الذي عفا عليه الزمن. هل تريد أن تُصبح بطلاً حقًا؟ لديك ملفات ساخنة في وطنك، لديك أزمات اقتصادية واجتماعية، لديك شباب يحلمون بالمغادرة، لديك إعلام مكمم، لديك حقول من الفساد تحتاج إلى “بناء” جديد. لمَ لا تبدأ من هناك؟!
لكن، يبدو أن البطولات اللفظية أسهل بكثير من النزول إلى الواقع. فأن تصرخ في وجه المغرب أسهل بكثير من أن تصرخ في وجه الفساد، وأن تتهم الجار أسهل من أن تُصلح دارك.
في لعبة الشطرنج، البيدق دائمًا في المقدمة؛ يدفعونه إلى الساحة، يواجه المعارك، يتلقى الضربات، لكنه في النهاية يُضحّى به دون أسف، لأن قيمته في نظر اللاعبين لا تتجاوز حدود مهمته المؤقتة. وهكذا، يا رئيس حزب البناء، ستظل بيدقًا يُحرّك عند الحاجة إلى الصراخ، ويُعاد إلى رفوف النسيان بعد انتهاء العرض.
أما المغرب، فقافلته تسير، وأوراشه تتقدم، واقتصاده ينبض بالحياة، تاركًا خلفه كل النباح الذي لا يُسمع إلا في زوايا مظلمة، حيث لا شيء يتحرك إلا الألسنة المأمورة بالصراخ.