المغرب وغانا

لماذا سحبت غانا اعترافها بالبوليساريو وغابت الجزائر عن حفل تنصيب رئيسها؟!

بقلم: هيثم شلبي

لا يزال حدث سحب غانا اعترافها “بجمهورية تندوف” ومرتزقة البوليساريو يتفاعل في الأوساط الأفريقية المختلفة، نظرا لحجم وأهمية هذه الجمهورية غرب الأفريقية، اللهم باستثناء الإعلام الجزائري الذي يبدو أنه لم يتلق أي أوامر من جنرالاته بعد للتعليق على الحدث، نظرا لكونهم لم يفيقوا من الصدمة حتى الآن! عليه، وجبت محاولة الإجابة على الأسئلة التي لا تزال تتناسل حول هذا الحدث؛ مقدماته؛ أسبابه؛ ومآلاته.

بداية، يعتبر القرار الاستراتيجي للملك محمد السادس بالعودة إلى الاتحاد الأفريقي المفتاح الذي بدأ بفتح مختلف الأقفال والأبواب في القارة السمراء، والمدخل لفهم ما يجري من تحولات، لاسيما بعد أن اقترن هذا الرجوع بمبدأين في غاية البساطة والأهمية، يؤكدان على ضرورة “التعاون جنوب- جنوب”، وفق معادلة “رابح- رابح”، وهو ما يشكل قطيعة وبديلا للتعامل الاستعلائي الذي رسخته الدول الكبرى على مدى عقود وقرون استعمار القارة. ولعل ما يحسب للعاهل المغربي، أنه لم يرهن علاقات التعاون بين بلاده المغرب، والاستفادة من خبراتها وشراكاتها، باتخاذ هذه الدول لمواقف محددة، نظرا للحق السيادي المكفول لكل دولة بإقامة ما تشاء من علاقات مع من ترغب من الدول. وهكذا، كانت ولا زالت، أكبر مشاريع ضمان الأمن الغذائي مثلا، عبر بناء مصانع أسمدة فوسفاتية ضخمة، موجودة في دول تعترف بالبوليساريو (إثيوبيا، نيجيريا، رواندا، كينيا، وتنزانيا، وغانا)، وهو أمر لم يكن متصورا قبل عشر سنوات فقط! هذا التعامل “الراقي” الذي لم تعتد عليه الدول الأفريقية، أكسب المغرب احتراما كبيرا، وجعل باقي الدول الأفريقية التي لا تزال تعترف بالبوليساريو تسارع إلى محاولة ربط الشراكة مع المغرب، مع اتخاذها طوعا مواقف أقل تصادما مع المغرب (تخفيض سقف التواصل مع مرتزقة البوليساريو، وعدم مجاراة جنرالات الجزائر في تحركاتهم العدائية تجاه المغرب، الخ). النتيجة أن هذه الدول، التي تتشابك مصالحها مع المغرب يوما بعد آخر، نظرا لتغلغل القطاع الخاص المغربي فيها، قامت بتجميد اعترافاتها بالبوليساريو عمليا، وتنتظر الفرصة المواتية من أجل اتخاذ مواقف مشابهة للموقف الغاني.

وبلغة المصالح، تجد نيجيريا نفسها قريبة من اتخاذ موقف مشابه لجيرانها في الغرب الأفريقي، بعد أن نجح المغرب في تأمين سحب اعتراف 11 دولة هي مجموع ما يمر منها أنبوب الغاز النيجيري المغربي (باستثناء موريتانيا التي لا تزال تتخذ موقف الحياد!)، بل إن 8 دول منها قامت بافتتاح قنصليات في الأقاليم الجنوبية، وجاء سحب غانا لاعترافها بالبوليساريو، لتنضاف إلى بنين اللذان لا يعترفان بالبوليساريو، ويحتفظان بعلاقات ودية مع المغرب، دون أن يمتلكان قنصليات في الصحراء المغربية. وعليه، لا نحتاج إلى منجمين للتنبؤ بقرب إقدام نيجيريا على خطوة مماثلة حتى لا تبقى الاستثناء في منطقة الغرب الأفريقي، التي يفترض أنها تتزعمها!!

وبالعودة لغانا، فقط جاء انتخاب جون دراماني مهاما رئيسا جديدا لغانا خلفا للرئيس المنتهية ولايته نانا أكوفو أدو، ليتوج خطوات “خجولة” للتقارب بين البلدين (غانا والمغرب)، من بوابة الاقتصاد أساسا، دون أن يخلو الأمر من محاولات جنوب أفريقية للتشويش على هذه العلاقات مستغلة علاقتها بأكوفو أدو. وقد بدا لافتا أن غانا كانت من ضمن الموافقين على عودة المغرب للاتحاد الأفريقي، وهو الموقف الذي شذ عن إجماع الدول التي تعترف بالبوليساريو. وعليه، فالقول بحدوث “مفاجأة” في الموقف الغاني الجديد هو أمر مجانب للصواب، حيث إن كثيرا من المقدمات قد سبقته.

ونأتي الآن إلى الأسئلة الجوهرية المرتبطة بالحدث، والتي تجد الدول ال 16 التي لا تزال تعترف بالبوليساريو نفسها مجبرة على محاولة إجابتها: بالمنطق السياسي، ما هو مبرر الاستمرار في استعداء المغرب من أجل ميليشيا مسلحة لا تملك عنصرا واحدا من عناصر المشروعية كدولة؟! بل ولماذا الاستمرار في تجاهل التطورات الدولية خلال العقدين الماضيين، ومقترح الحكم الذاتي الذي يتيح لسكان هذه الأقاليم (على غرار باقي أقاليم وجهات المملكة المغربية) أن يتحكموا في العملية التنموية الخاصة بهم، وتوجيه مواردها الوجهة التي يرتضيها مواطنو هذه المناطق؟! هل من الحصافة الاستمرار في تجاهل مدى حماقة وخطورة منطق جنرالات الجزائر العدائي مع كل جيرانه، لاسيما المغرب؟! وبالمنطق الاقتصادي، لأجل من وماذا يطلب من الدول الأفريقية تجاهل منافع الشراكة والتعاون مع دولة بوزن المغرب؟! هل دعم أوهام النظام العسكري الجزائري يستحق أن يدفع ثمنا له التضحية بعلاقات صحية وسليمة مع المغرب وشركائها الدوليين؟! ثم بمنطق التاريخ النضالي، هل يمكن لأفريقي نزيه أن ينسى الدور المساند الذي قدمه ملوك المغرب في سياق معارك الاستقلال والتحرر في أفريقيا، بدءا من الجزائر نفسها؟! هل يمكن للغانيين تحديدا أن ينسوا جهود رئيسهم كوامي نكروما مع الملك محمد الخامس وبعض القادة التاريخيين الأفارقة في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية؟ فكيف يتم التنكر لنضالات مملكة كالمغرب، والقبول باستهدافها بحجة الدفاع عن “حق تقرير المصير” لمجموعة من سكانها؟! ثم أين هي الدولة الأفريقية التي يمكنها القول بثقة أنها نسيج مجتمعي واحد لا يعرف أي تباينات، وبالتالي فدفاعها عن “حق تقرير المصير” لجماعات سكانية فرعية، لن يرتب عليها أي تبعات داخلية عندها؟!

وبالنسبة للجزائر، وسواء غابت بإرادتها عن حفل تنصيب الرئيس الغاني الجديد، احتجاجا على سحب الاعتراف بالبوليساريو، أم لم توجه لها الدعوة أصلا، فلا بد لجنرالات هذا البلد أن يأخذوا الموقف الغاني الجديد على محمل الجد، ويتخذونه نموذجا لما هو متوقع في مقبل الأيام، حيث أن كل الدلائل تشير إلى أنهم من المرجح أن يعيشوا نفس الصدمة خلال الأسابيع والشهور القليلة المقبلة من طرف العديد من الدول الأفريقية، نذكر منها على الخصوص: نيجيريا، أثيوبيا، تنزانيا، كينيا، موريتانيا، مالي، النيجر، رواندا، وغيرها، ولنفس الأسباب السياسية والاقتصادية التي ذكرناها آنفا. إن نظرة بسيطة على الإهانات التي أصبح “الحلفاء” الأفارقة يتسابقون في توجيهها لوزير الخارجية أحمد عطاف، يكشف زيف كل الدعاية الكاذبة حول الجزائر الجديدة، القوة الضاربة في أفريقيا!! ومن الأفضل ألا يعتقد جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، بأن الحل يكمن في استبدال عطاف، لأنه يتضح للجميع يوما بعد آخر، أن المطلوب هو تغيير السياسة، وليس تغيير السياسيين، حيث لم يكن سجل لعمامرة، مساهل، بوقادوم، وأسلافهم خلال العقدين الماضيين بأكثر توفيقا من عطاف، الذي جعله سوء حظه يأتي والنظام الجزائري يحتضر في عهد ثنائية شنقريحة- تبون!!

ختاما، فالأيام المقبلة تتجه إلى إنصاف عدالة الموقف المغربي، والانتصار لحقائق التاريخ والجغرافيا الناطقة بمغربية صحرائه. وأي موقف يعاند هذه الحقائق، داخل القارة الأفريقية وخارجها، سيستمر في تسجيل الخسائر، وتأجيل مكاسب الشراكة المثمرة مع المملكة المغربية الشريفة. فهل يحسن جنرالات الجزائر قراءة “العناوين المكتوبة على الحائط”، أم أن العمى الذي أورثهم إياه عداؤهم المرضي لجيران الدم والتاريخ سيحجب عنهم كل ما هو واضح؟!