دا ميستورا

دي مستورا ينهي مساره المهني الباهت بمحاولة فاشلة لإحياء “مقترح بوتفليقة- بيكر” لتقسيم الصحراء المغربية!

بقلم: هيثم شلبي

جاء الاقتراح “اليائس” من طرف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي مستورا بتقسيم الصحراء المغربية إلى شمالية تتبع المغرب، وجنوبية تحت إدارة البوليساريو، ليكتب الفصل الأخير في مهمته الحالية، ومساره المهني على الأغلب، حيث يناهز عمره حاليا 78 عاما. ويعلم دي مستورا شخصيا، قبل أي شخص آخر، أن نسبة فرص إحياء المقترح “المقبور” ووضعه محل النقاش (ناهيك عن موضع التنفيذ) لا تتجاوز الصفر، لأسباب تستعصي على الحصر، ليس من طرف المغرب فقط، بل من طرف المنتظم الأممي برمته، فلماذا اقترحه إذا؟! لكن قبل الإجابة على هذا السؤال، من المفيد التذكير بخلفية المقترح وتوضيح أهم مبررات اعتباره “مستحيلا”.

مقترح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، والذي قدمه في أحد تقاريره خلال عمله كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الفترة من 1997 إلى 2004، هو في حقيقته مقترح جزائري، ورد على لسان الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة، واكتفى بيكر بتضمينه في التقرير ملخصا تطورات مهمته خلال العام، معتبرا أن هذا الاقتراح (تقسيم الصحراء) واحدا من خيارات أربعة، يجب أن يحسم المنتظم الأممي في إمكانية “فرضها” على أطراف النزاع، بعد أن تعذر توافق الأطراف المعنية على أحدها (بجانب الاستفتاء والحكم الذاتي)، قبل الوصول إلى الحل الرابع الحتمي: إخراج المينورسو وترك النزاع لأطرافه لتحله بطرقها الخاصة!! وعليه، لم يكن متوقعا من دبلوماسي “فاشل” كدي مستورا أن يجترح حلا من خارج الصندوق، ولا أن يمتلك الجرأة لاقتراح أي حل لقضية الصحراء المغربية، وذلك قياسا على أدائه عديم الأثر خلال شغله مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام إلى كل من جنوب لبنان (2001- 2004)، والعراق (2007- 2009)، وأفغانستان (2010- 2011)، وسوريا (2014- 2019)، والصحراء المغربية (2021-2024)!! ولعل مراجعة سريعة لعمله خلال السنوات الثلاث الماضية، تثبت بما لا يدع مجالا للشك، بأن تقلب الرجل في المهمات المختلفة، وتمتعه بجميع مزايا الوظيفة الدولية يعود لأسباب لا توجد الكفاءة والإنجاز من بينها!! فزياراته المحدودة للمنطقة، لم تدفع وسيلة إعلامية واحدة إلى كتابة خبر عن دي مستورا، بحيث اقتصر وجوده الإعلامي طيلة مهمته الحالية، على زيارته لجنوب أفريقيا، واقتراحه تقسيم الصحراء!! وهما محاولتان فاشلتان لإثبات أن الرجل يفكر “خارج الصندوق”، فهل هناك حظ أكبر من ذلك؟! أن تتقاضي رواتب أربع سنوات مقبل لقاء مع وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، وتقديم إحاطة لمجلس الأمن؟!!

الآن، نأتي إلى الأسباب التي جعلت المغرب يجهض مقترح بوتفليقة- بيكر الأصلي، ويكتفي بإشارة التوقف عن الكلام لدي مستورا، عندما حاول فتح الموضوع مع الخارجية المغربية! بكلمات بسيطة، وبعيدا عن أبعاد السيادة والوطنية، المهمة بطبيعة الحال، فإن تقسيم الصحراء هو “مربط فرس” هذا النزاع المفتعل برمته، وهو أخطر من الاستفتاء بالصيغة الجزائرية (الذي تكفلت الأمم المتحدة بوأده!) وذلك لسبب بسيط، وهو أنه يحقق الهدف الذي ناضلت القوى الاستعمارية، ووكلاؤها في المنطقة،  للوصول إليه منذ منتصف القرن التاسع عشر: عزل ومحاصرة المغرب بين الصحراء والبحر، وقطع صلاته مع عمقه الأفريقي، الفضاء الذي تتنفس من خلاله “الإمبراطورية الشريفة”، وذلك لأن المملكة المغربية هي البلد الوحيد في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط التي يمكن أن تشكل قطبا إقليميا وقاريا وندا لجيران الشمال، بسبب ممارستها لهذا الدور على مدى قرون سابقة!! وإذا كانت الجزائر قد تكفلت بحصار المغرب شرقا وقطع صلاته مع عمقه المغاربي، بقيت مهمة حصاره جنوبا وقطع أواصره مع الغرب الأفريقي، وهو ما يحلمون بأن تتكفل به دويلة البوليساريو. من هنا، يمكن فهم استحالة تنفيذ هذا المقترح الجزائري- الاستعماري، واستعداد المغرب للذهاب في مقاومته إلى أبعد مدى يمكن تصوره. ومع فهم خريطة علاقات المغرب الدولية منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، وما يعرفه من تطور اقتصادي في العقد الأخير، ندرك أن فرص نقاش مثل هذا المقترح تكاد تكون معدومة على صعيد الأمم المتحدة، وتحديدا مجلس الأمن، لينضاف إلى مقترح الاستفتاء المقبور بدوره لاستحالة الاتفاق على معاييره، ليتبقى في الختام مقترحين من مقترحات جيمس بيكر- كوفي عنان مطلع القرن: فرض الاستفتاء أو انسحاب الأمم المتحدة من الملف، وهما المقترحان اللذان أبدى المغرب ترحيبه بهما منذ البداية؛ أي أن تصورات المغرب للحل هي التي انتصرت في النهاية، بينما انهزمت، وبشكل نهائي المقاربة الجزائرية: الاستفتاء أو التقسيم!!

وكما كان متوقعا، فقد خلا تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أي إشارة لمقترح دي مستورا، وطالب بتجديد ولاية المينورسو لعام آخر، تقول معظم المؤشرات أنه سيكون الأخير. تأجيل يأتي انعكاسا لعدم استعداد القوى الكبرى في مجلس الأمن بعد، للاتفاق على فرض خيار الحكم الذاتي، لانشغالها بقضايا أهم. فالولايات المتحدة وروسيا والصين منخرطة في حروب كونية (الشرق الأوسط، أوكرانيا، تايوان، وشبه الجزيرة الكورية)، بينما تغرق فرنسا وبريطانيا في مشاكل داخلية مستعصية، الأمر الذي تتضاءل أمامه أهمية الحسم في ملف الصحراء المغربية، الموجود في درجة دنيا من التوتر.

كخلاصة، فإن تأجيل الحسم في ملف الصحراء المغربية وصولا إلى إقفاله باعتماد مقاربة الحكم الذاتي تحت سيادة الوطن الام، سيمنح الدبلوماسية لمغربية عاما آخر لاستكمال جهودها لطرد جمهورية “تندوف” من الاتحاد الأفريقي، ومزيدا من الزخم لحملة سحب الاعترافات المتبقية بالبوليساريو، كما وتمنح القوات المسلحة المغربية الفرصة للتأمين التام لكامل الأقاليم الجنوبية، إلى الحدود الدولية مع موريتانيا والجزائر، وإعداد العدة لمسح عصابات البوليساريو عند أي خطأ في حسابات جنرالات الجزائر. وفي الخلال، فقد أثبت المبعوث الأممي دي مستورا عدم الحاجة لمنحه راتبا خلال الشهور الستة المقبلة، لن ينجح خلالها في مجرد زيارة الرباط، وأن الأجدى لغوتيريش إقالته، أو قبول استقالته، قبل نهاية الشهر، وعدم تعيين بديل له إذا لم يكن المنتظم الأممي مستعدا لممارسة ضغط حقيقي على النظام الجزائري للجلوس مع المغرب للتفاوض بشأن إنهاء هذا النزاع المفتعل بطريقة واقعية.

اقرأ أيضا

الجزائر وجنوب إفريقيا

للتغطية على فشله.. النظام الجزائري يستنجد بجنوب إفريقيا لمعاكسة المغرب

مع توالي الاعترافات بمغربية الصحراء، يضيق هامش المناورة أمام النظام العسكري  الجزائري بخصوص أطروحته الانفصالية الواهية، ما يدفعه، من حين لآخر، لسلك خطوة خبيثة جديدة،

الصحراء المغربية.. الجمعية العامة للأمم المتحدة تجدد التأكيد على حصرية العملية السياسية الأممية

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارا يجدد تأكيد دعمها للعملية السياسية الجارية تحت الإشراف الحصري لمجلس الأمن الدولي من أجل تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.

سانت لوسيا تجدد تأكيد دعمها الكامل لسيادة المغرب على صحرائه

جدد الوزير الأول لسانت لوسيا، فيليب جوزيف بيير، اليوم الخميس بالرباط، التأكيد على دعم بلاده الكامل لسيادة المغرب على صحرائه، معربا عن بالغ تقديره لرؤية الملك محمد السادس من أجل تعاون جنوب-جنوب متضامن وفاعل.