تتميز العلاقات المغربية الأفريقية بالانفتاح والتعاون المثمر على أصعدة متعددة، فإضافة إلى العلاقات السياسية والاقتصادية، تعرف العلاقات الدينية بين المملكة المغربية والغرب الأفريقي نشاطاً متميزاً منذ القدم، فتحدثنا كتب التاريخ على أن الفضل يعود إلى المملكة المغربية وملوكها في نشر الإسلام السنّي المالكي في أفريقيا، وعلى الخصوص في عهد الدولة المرابطية، ثم أثمر بعد ذلك، وعلى الخصوص، بعد توغل الإسلام داخل القارة الأفريقية وأدغالها، وقد بقيت الدول الأفريقية مرتبطة بالمملكة المغربية منذ القرن السادس الهجري ارتباطاً اتخذ أشكالاً متنوعة، وإن ما نشهده اليوم من ترابط العديد من دول الغرب الأفريقي بالمرجعية الدينية في المغرب لهو خير دليل على هذا الإرث التاريخي على المستوى الديني عموماً: فقهاً وعقيدة، وهو الذي يعتبر بالمفهوم السياسي ولاء للمملكة المغربية.
المزيد: الدراسات الإفريقية بالمغرب واقع – وآفاق …
إن مرجعية الإسلام المغربي التاريخي الأصيل ظل على طول التاريخ والجغرافيا منبعاً ثقافياً ودينياً في بناء الشخصية الأفريقية بمختلف أبعادها الحضارية المتميزة، وهنا نستذكر دراسة المذهب المالكي، حيث انطلقت فيه الإمبراطوريات المغربية العظمى من الصحراء، خصوصاً الدولة المرابطية والدولة الموحدية، كما شكّلت مدينة فاس مدينة العلم والعلماء، وحيث يوجد جامع القرويين مرجعية دينية وفقهية وعلمية وثقافية لكل طالبي العلم من أفريقيا.
كما كان لمؤسسة إمارة المؤمنين، التي تتميز بها المملكة المغربية عن بقية الدول الإسلامية، دورها الريادي منذ عهد دولة الأدارسة الأشراف، إلى قيام الدولة العلوية الشريفة، كما كان لمنهج الوسطية والاعتدال في التربية والتأهيل في المجال الديني وإعداد الأئمة والخطباء التي تميزت به المملكة أن ساعد على شد الرحال إليها من دول عديدة للاستفادة من منهجها واستراتيجيتها.
لقد جاءت موافقة المملكة المغربية على التعاون في الشأن الديني مع الجمهورية التونسية وليبيا وغينيا، على غرار التعاون المغربي المالي في تأهيل الأئمة، لتكرس المكانة الدينية التى تحظى بها المملكة المغربية أفريقياً، باعتبارها نموذجاً رائداً في التعايش الديني. وساهمت هذه العناصر وغيرها في العمل على إحداث مؤسسة دينية أطلق عليها اسم: «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة»، وهي مؤسسة تم الإعلان عنها في الدرس السادس من الدروس الحسنية التي تلقى في حضرة جلالة الملك بقصر الدار البيضاء، وتوجت بها سلسلة الدروس الرمضانية، وحضر الإعلان عن هذه المؤسسة أكثر من أربعمئة عالم وعالمة من مختلف دول أفريقيا، إلى جانب علماء المملكة المغربية، وهي عبارة عن حدث تاريخي في غاية الأهمية، سيكون له شأن ودور استراتيجي على المدى البعيد.
كاتب وباحث/”القبس”