بقلم: د. محمد رزوق*
عرفت العلاقات المغربية الإفريقية تواصلا فكريا مستمرا قبل دخول الاستعمار إلى المنطقة، كما يتجلى ذلك في التراث العربي الإفريقي المشترك. لكن بمجرد ما وطئت أقدام الفرنسيين ارض إفريقيا الغربية انقطعت كل صلة بين المنطقتين طبقا لاستراتيجية محددة الهدف منها فصل المغرب عن جذوره الإفريقية. وقد حاول المغاربة بجهودهم الذاتية إحياء هذه الصلاة، لكن ظلت هذه المجهودات محدودة ولا ترقى إلى مستوى ما تبذله فرنسا لطمس الحضارة العربية الإسلامية بإفريقيا، أو على الأقل تشويهها.
لقد أنجزت عدة دراسات حول إفريقيا بالمغرب، يمكننا أن نتعرف على مستواها وتطورها من خلال المراحل التي مرت بها.
أولا : المرحلة الكولونيانية :
كان البحث موكولا في هذه المرحلة إلى الجهاز الاستعماري من موظفين كبار، وضباط، وباحثين، وكانت الدراسات تركز على شيئين :
1- إظهار أن الوجود المغربي بالسودان الغربي، أضر بهذا الأخير على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وأن هدف المغاربة كان دائما : الذهب والرقيق.
وقد كانت هذه الدراسات على شكل مقالات مطولة تم نشرها في مجلات متعددة(1). إن مقاربتها منحصرة في ضرب سياسة أحمد المنصور السودانية، وإفراغها من أية مشروعية، كما أنها تحمل شحنة استعمارية أضفت عليها عدم المصداقية، إذ غالت في التركيز على دور العناصر القشتالية أو الأوروبية في الحملة، إلى درجة يعتقد معها أنها حملة إسبانية، كما اعتبرت أن أحفاد هؤلاء هم الذين سهلوا عملية التدخل الفرنسي بإفريقيا الغربية.
كما اعتبرت المغرب هو المسؤول الأول عن خراب السودان، قبل أن تصل إليه العناصر الأوروبية التي حملت إليه حضارة مزدهرة(2).
2- محاولة إبعاد المغاربة والأفارقة عن نضالهم المشترك :
وصل خبر دخول المستعمر إلى بلاد السودان في القرن 19 إلى المغرب، ونتج عن ذلك ردود فعل خاصة، بعد أن بعث أمراء السودان رسائل استغاثة إلى سلطان المغرب المولى الحسن الأول، منها :
– رسالة من الأمير يحيى بن الكاهي، أمير تبكتو.
– رسالة من أمير التكرور أحمد الكبير بن الحاج عمر بن سعيد الفوتي(3).
كانت هذه الرسائل تدعو إلى الجهاد المشترك بين المغاربة والأفارقة ضد المستعمر الفرنسي. وبالتالي فمن الطبيعي أن تمنع تداول هذه الوثائق التي تبرز العلاقات الوثيقة بين المغرب والسودان الغربي، وبالتالي تدحض افتراءات ضباط الجهاز الاستعماري حول العلاقات المغربية الإفريقية.
أما بالنسبة للكتابات المغربية في هذه الفترة، فنذكر بالخصوص كتابات الزعيم المغربي علال الفاسي، الذي كان يؤمن بالمصير المشترك لكل من المغرب وإفريقيا، ويقول في هذا الصدد، معلقا على قرار الإقامة العامة إلى إفريقيا الغربية : “ولقد فكر الجنرال نوجيس(4) في كل شيء، ولكنه لم يفكر أبدا في أن منفى الغابون أو الكونغو سيكون مجالا للقيام بحركة تحررية لفائدة البلاد…”(5).
انتقد علال الفاسي في كتاباته مؤتمر برازفيل (1944)، إذ وجد أن جدول أعمال المؤتمر لا يتناول أية نقطة لها علاقة بإمكانية منح الاستقلال للمستعمرات الفرنسية، وقد ادعى رئيس المؤتمر “روني بليفين” René Pleven أن الأفارقة أنفسهم لم يكونوا يفكرون في الاستقلال وقت انعقاده بل أن هؤلاء : “يفكرون في الاستقلال بشكل أقل مما يفكر فيه الفرنسيون المشاركون في مؤتمر برازافيل”(6). والسبب هو أن الأفارقة “يحسون أنهم فرنسيون وأنهم لا يريدون الاستقلال عن فرنسا”(7). لقد انتقد علال الفاسي بشدة مقررات المؤتمر والطريقة التي تم بها تأويل الفصل الثالث من الميثاق الأطلسي المتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها، والذي : “حاول بعض الأوروبيين إسقاطه على الدول الأوروبية فقط”(8). كما يتجلى ذلك في موقف علال الفاسي من تطبيق دستور 1946 بإفريقيا الغربية والاستوائية، إذ تقرر العمل بنظام “الاتحاد الفرنسي”، الذي يعني أن المستعمرات الفرنسية بإفريقيا الغربية والاستوائية تعتبر جزءا من المتروبول(9).
لقد قام علال الفاسي بتحليل دستور سنة 1946، وتبني انعكاساته على المستعمرات، حيث بين أنه سقط أحيانا في التناقض وأحيانا أخرى في الغموض المقصود. إن الخطأ الذي وقع فيه هذا الدستور حسب – علال الفاسي – في محاولته لدمج شعوب إفريقيا الغربية والاستوائية في المتروبول هو “أخذه لهذه الشعوب بمعناها الاجتماعي وليس بوصفها جماعة قانونية”(10).
إن الإصلاحات التي قامت بها فرنسا في إفريقيا الغربية والاستوائية والحريات التي تدعي انها منحتها للأهالي تعتبر – حسب علال الفاسي- خالية من أية أهمية، ذلك لان أهمية الإصلاح تقاس دائما بدرجة إخلاص من تقوم بتطبيقه، وإذا كان هؤلاء أجانب فمن المؤكد أنه لن يكون هناك إخلاص(11).
من جهة أخرى قام علال الفاسي انطلاقا من دستور 1946 بمقارنة بين المغرب وإفريقيا الغربية والاستوائية في إطار المحاولات الفرنسية لدمج المنطقتين في “الاتحاد الفرنسي”، وقد بين أنه إذا كان ضم إفريقيا الغربية والاستوائية إلى هذا الاتحاد يعتبر أمرا غير مشروع، فإن ضم المغرب إليه هو إجراء لا ستند إلى أي أساس قانوني، لأنه رغم ارتباط المغرب بفرنسا بواسطة عقد الحماية، فغن الأمر يتعلق بدولة مستقلة عن فرنسا، وبالتالي فضمه إلى “الاتحاد الفرنسي” لن يكون من اختصاص هذه الأخيرة، وإنما من اختصاص منظمات دولية كالأمم المتحدة(12).
ثانيا : مرحلة الستينات إلى غاية الثمانينات :
وقع الاهتمام في هذه المرحلة بالتراث الإفريقي المخطوط بالمغرب، إذ اهتم مجموعة من العلماء بهذا التراث وعرفوا به، وأبرزوا أهميته. نذكر من بينهم على الخصوص محمد إبراهيم الكتاني ومحمد المنوني.
ونشر الأستاذ محمد إبراهيم الكتاني – بحكم إشرافه على قسم المخطوطات بالخزانة العامة بالرباط – مجموعة من الدراسات في هذا الشأن، نذكر من بينها :
“مؤلفات علماء غرب إفريقيا في المكتبات المغربية”(13).
” مجموعة مختارة من النصوص العربية المتعلقة بإفريقيا الموجودة في دور الوثائق المغربية”(14).
أما الأستاذ محمد المنوني فله في هذا الشأن إسهامات متعددة نذكر من بينها :
“المصادر العربية لتاريخ المغرب”، وقد ضمها العديد من المصادر السودانية(15).
” التكامل الثقافي بين المغرب وإفريقيا”، أورد في ملحق البحث بعض مصادر تاريخ إفريقيا في العصر الحديث(16).
– “العلاقات المغربية الإفريقية “(17).
“المدرسة الكنتية بالمغرب” ضمن هذه الدراسة مؤلفات الكنتيين بالمغرب(18).
كما أنجز دراسة في موضوع: المصادر العربية لتاريخ إفريقيا لفائدة اليونسكو.
كما أنجز الأستاذ حسن الصادقي دراسة في موضوع : “مخطوطات أحمد بابا في الخزائن المغربية”(19)، كما قام ببحث حول مؤلفات الكنتيين المخطوطة بالمغرب، إذ عثر على نسخ جديدة، منها بعض الرسائل(20)، وأنجز بحثا في موضوع : “مخطوطات في موضوع فاس وإفريقيا (21).
وفي مجال الأبحاث نذكر بحث الأستاذ محمد الغربي حول : “بداية التدخل المغربي في السودان الغربي”(22) وهو أكبر محاولة مغربية جمعت الأخبار حول الوجود المغربي بالسودان الغربي منذ بدايته إلى القرن التاسع عشر، كما قدمت تفاصيل كثيرة حول الإدارة المغربية في السودان الغربي، وكذا مختلف التحولات التي أحدثها المغاربة في هذا البلد.
كما نشير إلى بعض الكتب المتداولة آنذاك بالمغرب ككتاب “مملكة سنغاي في عهد الأسقيين” للباحث الجزائري عبد القادر زبادية، وكتاب الممالك الإسلامية في غرب إفريقيا للباحث المصري زاهر رياض، كما نذكر مقالات د. شوقي عطا الله الجمل في مجلة المناهل.
كما عرفت هذه المرحلة نشر عدة مصادر سودانية ومغربية بإفريقيا، نذكر من بينها على الخصوص كتاب “مناهل الصفا ” لعبد العزيز الفشتالي، الذي خصص صفحات هامة للسودان الغربي، وكتاب فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور للولاتي، ورسالة في أمور السلطنة لمحمد عبد الكريم المغيلي(23)، كما ترجم كتاب وصف إفريقيا للحسن الوزان، وكتاب إفريقيا، لمرمول كربخال.
وهكذا تعتبر هذه المرحلة بداية انتعاش الدراسات الإفريقية، وذلك بفضل نشر عدد من المصادر مغربية وسودانية، إذ ساهمت بصفة عامة في إثارة عدد من النقط التي تحتاج إلى دراسات دقيقة.
لكن ماذا يوجد في الجانب الإفريقي ؟
خلال الستينات من القرن العشرين، وإثر موجة الاستقلال التي عرفتها دول إفريقيا جنوب الصحراء، ظهرت كتابات إفريقية وطنية أنجزت في العديد من معاهد الدراسات الإفريقية في أوروبا وإفريقيا(24).
وتتميز هذه الكتابات بالإجحاف الكبير في حق المغرب، حيث ذهب أصحابها إلى أن الحملة السعدية على السودان تعد المسؤولة عن جميع ويلات هذه المنطقة، إذ دمرت الحضارة المزدهرة بها، كما أوقفت نهضة كبيرة خلال حكم آل اسكيا، لذا اعتبرت المد المغربي إلى السودان الصدمة التي أذهلت هذا البلد كله، الذي كانت وراء كل الأزمات التي هزت كيانه، وحالت دون إقلاعه ومنعته من مسايرة تحولات عصره. فقد اعتبر سيسكو (الباحث المالي المشهور) كارثة عظيمة نزلت بالسودان، لا تقل في خطورتها عن القنبلة التي أسقطها الأمريكيون على مدينة هيروشيما اليابانية سنة 1945(25)، كما وصفه كيزيربو بأنه يتميز بالوحشية والنهب والسلب وإتلاف الثروات، الشيء الذي تسبب في سقوط البلاد في سلسلة من الأزمات الاقتصادية أعقبتها أوبئة ومجاعات دمرت البلاد وحولتها إلى خراب.
غير أن هناك دراسات تختلف عن الدراسات السابقة من حيث بنائها المنهجي، ومن حيث صياغتها النظرية، نذكر من بينها على الخصوص دراسة دراماني زكري(26)، إذ تتميز بإضافات هامة قدمتها حول العلاقات الخارجية لبلاد السودان مع مختلق دول البحر المتوسط عند إقدام المغرب على ضمه السودان، وكذا بالإيضاحات التي قدمتها بشأن أسباب انهزام اسكيا إسحاق، حيث أكدت على المشاكل البنيوية التي تعاني منها امبراطورية سنغي قبل اصطدامها بالمغاربة سنة 1591.
وهناك أبيطبول(27)، إذ تعتبر كتاباته من الأبحاث العلمية القيمة التي تناولت أوضاع الرماة المغاربة في السودان، كما أرخت للحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالسودان الغربي إبان حكم الباشوات، وللإنجازات التي حققها المغاربة بهذا البلد.
تقويم المرحلة :
لقد حاول الباحثون المغاربة في إطار الحماس الذي كان يعيشه المغاربة آنذاك إبراز العلاقات التاريخية بين المغرب وإفريقيا لاستثمارها في التعاون المغربي الإفريقي، ولمواجهة المد الكبير للكتابات الغربية والإفريقية التي تسير في ركابها. لكن هذه المحاولات ظلت محدودة، ولم تؤد إلى نتائج تذكر، ويرجع ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسية :
– ضعفها، وعدم قردتها على مواجهة الكتابات الغربية
– لم يكن لديها استراتيجية واضحة ومضبوطة.
– عدم استجابة الطرف الإفريقي لهذه المبادرة بالشكل المطلوب.
ثالثا : مرحلة الثمانينات إلى الوقت الراهن :
تتميز هذه المرحلة بتكثيف الاهتمام بإفريقيا، وذلك إثر بروز قضية الصحراء الغربية(1975)، إذ اتضح للمغرب آنذاك ضعف الاتصال مع القارة السمراء، فكان لابد من اتخاذ خطوات في اتجاه تقوية التعاون.
ويتجلى ذلك فيما يأتي :
– إنشاء جمعيات علمية مغربية إفريقية (رابطة علماء المغرب والسنغال – مثلا).
– إرسال بعثات دينية إلى بعض الدول الإفريقية.
– إعطاء منح للطلبة الأفارقة للدراسات بالمغرب.
– تشجيع المستثمرين المغاربة للاستثمار بإفريقيا.
– التهيء لمشروع الربط بين المغرب وإفريقيا (طريق الرباط – لاجوس – نيجريا).
غير أن أهم ما أنجز في هذا الشأن هو الذي تم على مستوى الجامعة المغرية. فقد تم فتح وحدة للدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط قصد التهيء لدرجة لدرجة الدكتوراه، والتحق بها عدد من الطلبة المغاربة للدراسة بها، وتخرج منها فعلا عدد من الباحثين المختصين في تاريخ إفريقيا، لكنها أغلقت بعد مدة، وذلك لتعدد المشاكل التي تعرقل سير هذه الوحدة.
ويمكن تلخيص هذه المشاكل فيما يأتي :
– ضعف التأطير، إذ لم يكن يوجد بالوحدة مختصون بالشكل الكافي.
– عدم وجود أقسام لتدريس اللغات الإفريقية.
– قلة المصادر المتعلقة بإفريقيا بالمكتبة.
ضعف الاتصال مع الجامعات الإفريقية، ومراكز الدراسات الإفريقية بأوربا وأمريكا.
الأطاريح المنجزة حول إفريقيا بالجامعات المغربية :
تناولت الأطاريح عدة مواضيع تهم السياسة والدين والاقتصاد والمجتمع.
في المجال الديني نذكر :
– سامي سعيد، مساهمة في دراسة تاريخ الحياة الدينية في السودان الغربي خلال العصر الوسيط (فاس 1991).
– شكراوي خالد، الدين والسلطة في إفريقيا الغربية : مساهمة في دراسة بعض البنيات السياسية بالسودان الغربي (الرباط 1991).
-أحمد الأزمي، الطريقة التجانية في المغرب والسودان الغربي (فاس 2000).
– عبد العزيز العلوي، الحياة الدينية في السودان الغربي، (فاس 2000).
في المجال الفكري نذكر :
– سعيد حراش، العلاقات الفكرية بين العالم العربي الإسلامي وإفريقيا جنوب الصحراء (الرباط 1993).
في المجال السياسي نذكر :
– الهادي الدالي مبروك، التاريخ السياسي والاقتصادي والحضاري لمنطقة السودان الغربي، الدار البيضاء 1997.
– سالم المعلول، مملكة برنو – كانم، الدار البيضاء 2000.
– مبارك أيت عدي، حملة أحمد المنصور الذهبي للسودان الغربي، (الرباط 2003).
-أحمد الشكري، مملكة غانا وعلاقتها بالحركة المرابطية، الدار البيضاء 1997.
في المجال الاقتصادي نذكر :
– خالد أوشن، النشاط الاقتصادي في النيجر الأعلى من 1230- 1591، الرباط 2001.
– كريمي ماجدة، العلاقات بين المغرب والسودان الغربي في العصر المريني.
– عبد العزيز العلوي، العلاقات بين المغرب والسودان الغربي في العصر الوسيط.
وقد نشرت بعض هذه الأطاريح، وأصبحت رهن إشارة الباحثين، والبعض الآخر ما زال برفوف مكتبات الجامعات المغربية.
إننا نحتاج إلى تقويم عام لهذه الأطاريح في إطار بحث شمولي حتى نتمكن من الوصول إلى حد أدنى مشترك للبحث في ميدان الدراسات الإفريقية بالمغرب.
كما نشير إلى تكوين مجموعة البحث في تاريخ المغرب وإفريقيا في إطار كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء، وقد انفتحت على عدد من الدول الإفريقية منها بالخصوص مالي والسنغال، وذلك عن طريق إبرام معاهدات مع جامعاتها، كما قامت بتنظيم ندوتين تتعلق بالعلاقات المغربية الإفريقية، وهما تنتظران النشر، وفي إطار التعاون الجامعي بين جامعة عبد الملك السعدي بتطوان وكلية الدعوة الإسلامية بطرابلس بالجماهيرية الليبية عقدت ندوة التواصل الثقافي والاجتماعي بين الأقطار الإفريقية جنوب الصحراء سنة 1998، وقد كانت ندوة هامة شارك فيها عدد من الباحثين العرب والأفارقة، وطرحت فيها قضايا تاريخية عديدة تصب في اتجاه خلق تفاهم بين العرب والأفارقة.
غير أن أهم حدث على الإطلاق في هذه المرحلة هو إنشاء معهد الدراسات الإفريقية بتعليمات خاصة من الملك الحسن الثاني سنة 1987.
يختص معهد الدراسات الإفريقية – حسب نظامه الأساسي – بكل ما يتعلق بدراسة مختلف مظاهر الحضارات الإفريقية والتراث المغربي المشترك، واللغات، واللهجات الإفريقية.
ويناط به لهذه الغاية :
– القيام بالبحث العلمي والنهوض به.
– العناية بالتراث المغربي المشترك، ودراسة مختلف الميادين الإفريقية لما في ذلك اللغات واللهجات وجميع مقومات الحضارات الإفريقية.
– تنظيم حلقات دراسية وندوات ومحاضرات ومعارض يساهم فيها باحثون مختصون من المغرب وخارجه.
– إقامة علاقات التعاون العلمي مع المؤسسات الجامعية والهيئات الدولية التي تسعى لنفس الأهداف.
– المساهمة في المهام العلمية داخل المغرب وخارجه.
– طبع ونشر مجلة المعهد وجميع الدراسات، ونصوص المحاضرات والندوات التي تدخل ضمن اهتماماتها.
وفعلا فقد قام المعهد بتنظيم عدة ندوات، منها :
– المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء في بداية العصر الحديث، مراكش 1972.
– فاس وإفريقيا، فاس 1993.
– المغرب وإفريقيا بعد الاستقلال، الرباط 1994.
ويصدر المعهد نشرة إخبارية خاصة بالمعهد، ومجلة “المغرب الإفريقي”، كما أصدر عدة أبحاث ونصوص، منها :
– مملكة غانة وعلاقتها بالحركة المرابطية، الرباط 1977.
– خديم محمد امباكي، الطرق الصوفية في السنغال، 2002.
ومن النصوص :
– تحفة الفضلاء لأحمد بابا، تحقيق سامي سعيد (1992).
– معراج الصعود لنفس المؤلف، تحقيق فاطمة الحراق وهويد (2000).
– إنفاق الميسور لمحمد بيلو (تحقيق بهيجة الشاذلي) 1996.
من المسؤول عن عدم تقدم الدراسات الإفريقية بالمغرب ؟
هناك – في تقديرنا – عدة أسباب، لكننا سنركز على عاملين أساسيين :
– غياب تاريخ إفريقيا في الكتاب المدرسي :
لقد تصفحنا مقررات المرحلة الإعدادية والثانوية، فلم نعثر إلا على أشياء قليلة لا تفيد التلميذ كثيرا في توعيته بانتمائه إلى إفريقيا.
خلال المرلحة الإعدادية وجدنا إشارات، ولكنها تضر أكثر مما تنفع، ففي مقررات السنة الأولى الثانوية – مثلا – لم نعثر إلا على فقرة صغيرة في إطار الحديث عن الدولة المرابطية، فعوض إبراز العلاقات بين المغاربة والأفارقة من خلال التواصل الحضاري، لجأ المقرر في الفقرة المخصصة لإفريقيا لأشياء خطيرة كما يتضح من خلال النص :
” الجهاد ضد مملكة غانا:
شرع الحلف الصنهاجي بقيادة عبد الله بن ياسين في نشر الإسلام بين القبائل الزنجية المستقرة على ضفاف نهر السنغال، والقيام بالجهاد ضد مملكة غانا الوثنية واحتواء تجارة التبر والعاج القادمة من السودان”.
قد يستفيد التلميذ ما يأتي من النص :
– استخدام العنف في نشر الإسلام بإفريقيا.
– عدم وجود أية حضارة في السودان.
– كان هدف المرابطين هو التبر والعاج!
هل هذه هي الطريقة التي تقدم بها تاريخ إفريقيا للتلميذ المغربي؟ هل تساعد مثل هذه الطريقة على بناء جو من التفاعل والوعي المشترك بين المغرب وإفريقيا؟
– الإعــــلام :
نعتقد أن الإعلام المغربي مسؤول مسؤولية كبرى في عدم تقدم الدراسات الإفريقية بالمغرب.
على المستوى الإعلام المرئي : نلاحظ أن المادة المتعلقة بإفريقيا نادرة، وحتى إن وجدت فهي توجد عن طريق الإعلام الغربي، بمعنى أن المتلقي المغربي يشاهد إفريقيا بمنظور الغرب، وهنا تكمن الخطورة، كما أن الصحافة المكتوبة لا تتطرق إلا نادرا للقضايا الإفريقية، وحتى إن تطرقت لها فإنها تتحدث عنها بمناسبة الحديث عن الجهل والمرض والتخلف.
تلك كانت نظرة عن تطور الدراسات الإفريقية بالمغرب، وصفناها من خلال ثلاث مراحل، واتضح لدينا أن لكل مرحلة خصوصيتها، لكن تبقى مع ذلك عدة أسئلة مطروحة:
ما هي المشاكل الحقيقية التي تعوق تطور الدراسات الإفريقية بالمغرب بالشكل المطلوب؟ هل الإرادة السياسية أو ضعف الإمكانيات كما يروج له؟ هل ساهمت المشاريع المنجزة فعلا في تعزيز العلاقات المغربية الإفريقية؟ ما هي استراتيجية التعاون المغربي الإفريقي؟ ما هي آفاق التعاون في المستقبل؟
الــهـوامــش
1)- نذكر على سبيل المثال :
– M. Delafosse, les débuts des troupes noirs au Maroc, Hespéris T. III, 1923, pp. 483-493.
G. Pianel, les préliminaires de la conquête du Soudan par Moulay Ahmed Al Mansor, Hespéris, 1953, 1er et 2° Tr. Pp 185-197.
– Deslane, la conquête du Soudan par les marocains, revue africaine, T.1, 1856- 57, pp. 287-297.
2)- أنظر في هذا الصدد، مبارك أيت عدي، حملة أحمد المنصور الذهبي إلى بلاد السودان، ص14 – 20.
3) – توجد هذه الرسائل بخزانة علال الفاسي بالرباط تحت رقم ع710.
4)- المقيم العام الفرنسي بالمغرب.
5)- الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، ص 271.
6)- Gerti, Hesseling, Histoire politique du Sénégal, p.154.
7)- Ibid, p.154.
8)- الحركات الاستقلالية في المغرب الغربي، ص 278.
9)- Hesseling, op. cit. p. 156.
10)- الحركات الاستقلالية، ص 151.
11)- الحرية، ص6.
12)- الحركات الاستقلالية، ص 154.
وانظر مزيدا من الإيضاح عند عبد الواحد أكمير، إفريقيا جنوب الصحراء في فكر علال الفاسي، مجلة : المغرب الإفريقي، عدد 1، 2000- ص 3- 43.
13)- محاضرة ألقاها بجامعة ان اربر مشغان بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1967.
وقد نشرها في مجلة دعوة الحق، الرباط، العدد 1، 1967، وكذلك بمجلة هسبريس – الرباط – سنة 1968.
14)- قدمها لمنظمة اليونسكو سنة 1973، وقد نشرها بمجلة أكاديمية المملكة المغربية – الرباط – العدد 4، 1987.
15)- منشورات كلية الآداب بالرباط، 1984 – 1989.
16)- مجلة دعوة الحق، عدد 269، 1988.
17)- مجلة كلية الآداب بالرباط، العدد 15، (89 – 1990).
18)- ضمن أعمال ندوة العلاقات بين المغرب وإفريقيا، الرباط، 1992.
19)- منشورات معهد البحوث والدراسات الإفريقية بالرباط 1996.
20)- مخطوطات في موضوع فاس وإفريقيا، ضمن أعمال فاس وإفريقيا، ص14.
21)- ضمن أعمال ندوة فاس وإفريقيا، ص13 – 26.
22)- نشر ببغداد سنة 1972.
23)- مجلة كلية الآداب – فاس – سنة 1989، ص 89-111.
24)- نذكر على سبيل المثال :
– Sissoko, S.M. Histoire de l’Afrique occidentale, moyen âge et temps moderne, Paris 1966.
– Ki Zerbo. J. Histoire de l’Afrique noire, Paris 1972.
25)- Histoire de l’Afrique occidentale, p. 156.
26)- l’Afrique noire dans les relations internationales XVI Siècle, Paris, 1982.
27)- J.M. ABITBOL, Tombouctou et les armes, Paris, 1979.
*كلية الآداب والعلوم الإنسانية الدار البيضاء – المغرب
** اعادة نشر للفائدة صفحة ديوان اصدقاء المغرب