يُنظر في الغرب إلى المسلمين عادة كجماعات متطرفة يتقدمها تنظيم «القاعدة» و «الدولة الإسلامية». ويُدعى مناصرو هذه الجماعات بـ «السلفيين الجهاديين». وقد استعملت المملكة العربية السعودية جزءاً من ثروتها في نشر الأفكار السلفية بواسطة تمويل بناء الجوامع والمدارس والمستشفيات في أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي. ويُعتقد في الغرب بأن السلفية هي الحركة الأكثر نمواً.
تتعدد جماعات السلفيين ولكنهم يتفقون على أمور أساسية هي الارتباط بأصحاب الرسول، الذين يُدعون بالسلف الصالح، وتطبيق الشريعة، وهي القانون الإسلامي للأحوال الشخصية وللعلاقات الاقتصادية والتربوية بين المسلمين. ولا يتفق السلفيون على أفكار موحدة، فقسم منهم يفضل الابتعاد عن السياسة، في حين تنخرط اليوم أعداد كبيرة منهم فيها.
وينقسم السلفيون إلى قسمين، أولهما السلفية الجهادية التي تمثلها «القاعدة» و «الدولة الإسلامية»، والسلفيون الذين يبتعدون عن العمل السياسي يفضلون طاعة أولي الأمر، وهم هنا الحكام في العالم الإسلامي، تجنباً للفتنة والفوضى.
تصاعدت أعداد السلفيين خلال أحداث «الربيع العربي»، عندما هُدمت الهوة بين السياسة والدين. ووجدوا أن اتخاذ المواقف أصبح ضرورة وليس خياراً تجاه الأحداث المتسارعة التي فاقت التصور. ووجد الكثير منهم أن هناك فرصة لتطبيق الشريعة عن طريق النشاط السياسي الديموقراطي. وقد حصل حزب النور السلفي في مصر على 20 في المئة من الأصوات في الانتخابات النيابية الأولى. وقــد ظهر التوجه الإسلامي في الدستور السابق، الذي ألغاه الانقلاب العسكري.
اتخذت المؤسسات الدينية الرسمية مواقف معادية «للربيع العربي» وقد قالت جماعة العلماء في السعودية «إن الإصلاح لا يمكن فرضه بواسطة التظاهرات وأعمال العنف الأخرى التي تقسم المجتمعات»، أما الشيخ الأردني علي الحلبي فقال «إن التظاهرات مدفوعة بأفكار مادية، وان البلاد العربية لم تجن من الأحداث إلا الخراب والدمار وفقدان الأمن».
شارك السلفيون في مصر، والذي يمثلهم حزب «النور» في الأحداث التي أدت إلى عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي. وأدى تأييد ذلك الحزب للانقلاب العسكري إلى انفضاض كثير من أنصاره عنه.. وبرغم نجاة ذلك الحزب من الزوال، فإن نشاطه الحالي منعدم كلياً.
وقد أدى الفشل السياسي للسلفيين إلى إفادة الجهاديين. وتزود تونس (البلد الأول الذي أطلق عاصفة الربيع العربي) «الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة» بالعدد الأكبر من المقاتلين. وفي الأردن والمغرب بقي نشاط الجماعات السلفية محدوداً. وقد حاول المغرب ضم سلفيين إلى الحكومة.. وقال نادر بكار الناطق باسم «حزب النور» في مصر «نُتهم الآن بأننا خُنا الثورة ولكننا نجونا بأنفسنا». ولكن من يدري، ربما كان العالم العربي والإسلامي قد تجنب طوفان الدم الـذي يغوص فيه حالياً، لو انتصر «الربيع العربي».
*باحث وأكاديمي لبناني/”السفير”