كشفت ردود الفعل اثر قرار اعلان حالة الطوارىء وإقامة حاجز على الحدود التونسية الليبية لمقاومة التهريب والارهاب ان تونس للأسف لم تعد بلدا واحدا وأننا نعيش اليوم انقساما غير مسبوق في الموقف من القضايا الوطنية الكبرى مثل الامن والتنمية والاستقرار التي كان من المفروض ان يكون لكل التونسيين موقف واحد حولها لان هذه البلاد بلادنا وليس لنا وطن غيرها وان ضاعت ضعنا!
الجدل الذي اثاره قرار الرئيس الباجي قائد السبسي حول اعلان حالة الطوارىء وقرار رئيس الحكومة الحبيب الصيد بإحداث جدار عازل لحماية تونس اثبت اننا وصلنا الى منطقة الخطر، فعلى صفحات التواصل الاجتماعي وفي بعض المنابر الإعلامية قرانا وسمعنا وشاهدنا من يدافع عن مواقف مجموعات سياسية ليبية ويتبنى أطروحاتها علنا ضد بلاده وضد أمنها وسيادتها وعزتها التي مات من اجلها الاف التونسيين . ان الانقسام الذي يشق الشارع التونسي اليوم يهدد بجدية الوحدة الوطنية وان لم تنتبه الطبقة السياسية بكل تياراتها لضرورة التخلي عن خطاب الحقد والكره والتشكيك والالتفاف حول موقف وطني موحد لانقاذ تونس من الهاوية فإننا نسير بسرعة نحو مصير بلدان اخرى اصبحت اثرا بعد عين مثل الصومال وافغانستان وغيرهما.
ان الاختلاف في المواقف السياسية او الرؤى الفكرية مطلوب وضروري لكن عندما يتعلق الامر بأمن تونس وسيادتها فلا اعتقد ان هذا يمكن ان يكون محل اختلاف الا لمن كان له ولاء آخر لغير بلادنا وهم في الحقيقة كثر لا يملكون الشجاعة لإعلان ولائهم لكنهم يمارسون ذلك في صمت عن طريق التشكيك في كل قرار يهدف الى حماية البلاد وإنعاش اقتصادها الذي دخل مرحلة الغيبوبة وقد لا يخرج منها في وقت قصير . فلا خيار اليوم امام التونسيين الا الاتفاق على الاولويات وأهمها الامن والاقتصاد لانه لا أمن في غياب التنمية ولا تنمية في غياب الامن والخراب الاقتصادي سيكون هو المدخل للفوضى وبالتالي انهيار الدولة والاقتتال الأهلي .
ويبدو ان عددا من قيادات الاحزاب السياسية بحسن نية او سوء تقدير لا يتصورون ان هناك دولا اندثرت بفعل سوء تقدير ابنائها وخاصة طبقتها السياسية وان هذا السيناريو ليس مستحيلا في تونس التي انهكت فيها الدولة ودمر الاقتصاد وأصبحت حسب كل المؤشرات تقترب من الغرق النهائي خاصة بعد كارثتي باردو سوسة وتنامي التهديدات الإرهابية ولنتذكر دائما ان الطريق الى الجحيم محفوف بالنوايا الطيبة وان الأحلام الثورية الجميلة لا تبني بلدا بل احيانا ـ حين تغيب عنها الواقعية ـ تكون بداية الطريق الى الهاوية.
اللهم احم بلادنا من سوء تقدير أبنائها ومن عبثهم بأمنها!
*صحفي تونسي/”الشروق”