إن الذي يحاول أن يفصل ما يجري في ليبيا عما سيحدث في تونس والجزائر والمغرب، بل وكل دول الساحل والصحراء، هو إنسان يتجاهل حقائق الجغرافيا والتاريخ. حيث أن هذه المنطقة المفتوحة من موريتانيا حتى السودان ومصر، يصعب عزلها عن بعضها ومنع تأثير أي طرف منها على الآخر في عصر الإبل وما قبل عصر البخار، فكيف لنا اليوم في عصر ثورة الاتصالات أن يتم ذلك.
إن مصير تونس الأمني والسياسي والاقتصادي ستحدده تطورات الأوضاع في ليبيا. وإن محاولة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مغازلة المتطرفين في ليبيا، ورفعه لشعار “نتحالف مع الشيطان من أجل تونس” لن يقود تونس إلا إلى المزيد من الإرهاب والتخريب، ويكفي أن نقول إن هناك 16 ألف تونسي يحملون السلاح، أو في طريقهم إلى حمله، وكما يقول ماو تسي تونغ إن عدونا يرفع سلاحه من أجل القتل، وعلينا نحن أن نحمله لذات الغرض، وفعلا هؤلاء الإرهابيون يحملون السلاح في ليبيا من أجل تحويل تونس إلى قاعدة أخرى للإرهاب في المغرب العربي وفي شمال أفريقيا.
وعندما يتم السيطرة على تونس سوف تفاجئ الجزائر بحجم الخديعة التي تعرضت لها بمغازلة الإسلاميين المتطرفين، وهي تعلم، اليوم، وحسب مصدر من أمغار الطوارق أن هناك ما يقارب 3000 جزائري يتدربون في غات وأوباري ومنطقة أخرى تقع غرب سبها.
إن تصريح نوري أبوسهمين، الذي يمثل زعيم الجناح السياسي للمتطرفين في ليبيا، بأنه يعارض المسودة الدولية قد تزامن مع العملية الإرهابية في تونس، والتي حسب مصادر في الجماعة الليبية المقاتلة أنها عملية ليبية صرفة، من التمويل مرورا بالتدريب والتسليح، وانتهاء بحماية أحد منفذي الهجوم.
ولقد كان الهدف الأساسي من العملية هو إرباك تشكيل حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، وغلق الحدود وطرد الليبيين وخلق عدو خارجي لليبيين، وخاصة سكان غرب ليبيا الذين يشكلون غالبية سكان البلاد.
والآن يحاول المؤتمر الوطني، المنتهية ولايته، أن يناور لتمديد المفاوضات حتى شهر سبتمبر القادم، وهو تاريخ انتهاء الفترة القانونية للبرلمان حتى تصبح كل الكيانات السياسية في ليبيا غير شرعية، وتصبح الميليشيات المسلحة كيانات متساوية في شرعيتها مع بقية الكيانات السياسية.
إن الأزمة الليبية لا يمكن أن تحل إلا بتوافق داخلي، والذي، هو أيضا، لا يمكن أن يحصل إلا بإجماع إقليمي ودولي وهنا مربط الفرس.
أولى الخطوات المهمة لتطويق الإرهاب في ليبيا وتجفيف منابعه، هي وجود رؤية وقناعة واحدة من دول الجوار لحقيقة ما يجري في ليبيا وكيفية معالجته. وأن يتم النظر إلى المنطقة والإقليم كوحدة واحدة ويتم تجاوز السياسات القطرية القاصرة.
وأن يتم كذلك تبيان حقيقة الموقف السوداني والجزائري، والاقتناع بأن التحالف مع تركيا أو قطر فيما يخص الشأن الليبي سيضر بمصالح السودان والجزائر أكثر مما ينفعهما.
كما يتوجب على دول الجوار أن تضغط من أجل فرض إدخال مكونات سياسية ليبية أخرى لإنجاز مهمة المصالحة الوطنية.
وينبغي كشف حقيقة العناصر الإرهابية وأعدادها من هذه الدول، أو دول أخرى وأماكن تواجدها في ليبيا وبرامجها، حتى تتم مواجهتها بدون شفقة أو رحمة.
*كاتب ليبي/”العرب”