بقلم: حسن عبد ربه المصري*
لولا أن الهجمات الأربعة وقعت جميعها في نفس اليوم 26 يونية الجاري ولم يفرق بنيها إلا ساعات معدودة، لقلنا انها مصادفة لا تتكرر إلا بمرور سنوات طوال.
ولولا أن تنظيم داعش أعلن مسئوليته عنها، لقلنا انه يدعي قدرات تنظيمية وتكتيكية وتخطط وتنفيذ!! وكلها أمور ليست في إستطاعته.
ولولا أنها جميعاً تمت وفق أساليب دموية سبق لمجاهديه الدمويين ان مارسوها علنا وعلي رؤوس الأشهاد، لقلنا ان بعضا ممن قاموا بها تقمصوا دورهم فوق مسارح الأحداث المتفرقة بين القارات الثلاث لجذب الاضواء.
ماذا جري؟؟ وكيف وقع؟
فجأة قبل إنتصاف ذلك اليوم إحتلت أنباء الإرهاب العالمي ودموية تنظيم الدولة غير الإسلامية في الشام والعراق نشرات أخبار العالم بلا إستثناء مصحوبة بصور لأشلاء ورأس مقطوعة ودماء ودمار، وتراجعت على أثر ذلك كافة الأخبار الأخري.
هذا العقل المدبر الذي خطط لإندلاع سيل الدماء من منطقة الإيزير الصناعية في فرنسا ثم إلي مسجد الصادق المهدي بوسط الكويت وبعده شاطئ سوسة التونسي ومنها إلي مركز قوات السلام بجنوب الصومال، ليس من داخل داعش ولكنه من خارجها.
هذا العقل الدموي في ذاته، حتى لو كان ذو إيمانيات دينية مغايرة و قناعات سياسة متحررة، هو الذي يحرك هذا السرطان الذي زرعه في قلب الشام والعراق ويدفع خلاياه النائمة للقتل والتدمير ويشجع المؤيدون لقيام دولة الخلافة والحالمون بالفردوس علي تفجير انفسهم والآخرين طمعأً في الفوز بالحور العين..
هذا العقل الساعي لتدمير الدولة القومية في الشرق الأوسط يعرف كيف يحرك دمي داعش القائمة والنائمة وحتي الذائب المنفردة منها المتعطشة للدماء ويوجهها ويخطط لها..
حتى علي مستوي تقدم قوات الدولة غير الإسلامية نحو تكريت والرمادي وتدمر!! ومخطط عودتها إلي كوباني، العقل المدبر هو الذي يحركها بهدف إستكمال تمزيق الوطن العراقي وإستكمال تدمير الوطن السوري وتهديد الإستقرار في الاردن!! وقرص أذن رجب طيب اردوجان!! والتهديد بالإقتراب من حدود السعودية.
داعش لا تملك مقومات التخطيط لمثل هذه التحركات.
داعش ليست قادرة بمفردها علي صك الدينار الذهبي “عملة الدولة الإسلامية “.
مباشرة أقول.
داعش ألعوبة في يد الصانع الذي اطلق يدها في الشام والعراق..
جرائم الارهاب الدولي في فرنسا منذ نهاية العام الماضي وحتى يوم الجمعة الدموي تهدف إلي بعث رسالة تقول ان المجتمعات الأوربية التى تحتضن أقليات عربية، ليست بعيدة عن الإرهاب طالما تتقاطع سياسياتها مع النهج الأمريكي..
وجرائمه المتعاقبة في الصومال تبعث برسالة تقول ان محاولات اعادة توحيد هذه الارض ستفشل، لأن نموذج التمزيق والتفتيت الذي فرضه الواقع المأسوي علي هذا البلد يجب أن يتكرر في دول الهامش الإسلامية الأخري..
أما في تونس فالرسالة لها أكثر من وجه وهدف..
يقول واحد منها، لا حياة للشعب التونسي بغير العودة إلي الدين، الأمر الذي يتطلب إغلاق المنافذ السياحية وكل ما يتصل بالتركة التى خلفتها علمانية العهد السابق..
ويقول ثان، لا تظنوا أن التيار السياسي الإسلامي هزم، إنه يعيد إنتاج نفسه في ثوب جديد لكي يحافظ علي نهجه الدموي كما هو..
ويقول ثالث، ليس هناك مجال للهروب من فكي الدعوة لقيام حكومة إسلامية في هذه البلاد..
رسالته لشعب الكويت مختلفة نوعاً ما..
ليس المقصود بالتفجير الذي وقع في مسجد الصادق المهدي هو إحداث وقيعة بين أبناء الشعب من الشيعة واخوانهم من السنة، بل الهدف الكويتيون جميعاً..
وليس القصد من ورائه ضرب الإستقرار الذي ينعم به الكويت، بل رسالة تقول بوضوح أن النجاح في هذه البقعة سيمتد إلي باقي دول الخليج العربي دون إستثناء..
تساءل المحلل السياسي باتريك كوبين في مقال له بصحيفة الإندبندنت البريطانية صباح الأثنين (29 يونيه) من الذي أشعل الحروب التى تكاد تحرق سبع دول إسلامية من أفغانستان إلي الصومال إلي نيجيريا مروراً بالعراق وسوريا واليمن وليبيا؟ ويقول رغم تزايد أعداد الناقمون علي تنظيم داعش إلا أنه قادر علي الإنتشار، ويؤكد أن الحرب المزعومة التى تقودها الولايات المتحدة والقوي المحلية والتنظيمات المعادية له، لم تؤثر فيه..
ليس لدي رأي جازم لماذا ترك الكاتب البريطاني نهاية تحليله مفتوحة..
ولكني على يقين أن هذه الحروب القابلة للزيادة علي مستوي عدد الدول العربية التى يمكن أن تضم إلي قائمتها الحالية، والقابلة للتوسع من ناحية أخري علي مستوي مساحتها المشتعلة حالياً سورياً وعراقياً ويمنيا وليبياً.. لماذا؟
لأن القوي الفاعلة والمؤثرة فيما يسمي بالشرق الأوسط الكبير لن تتنازل عن مخطط التفتيت والتجزئة الذي رسمته لدوله طال الزمن أو قصر، تواصلت الفوضي الخلافة او تماسك المجتمع وبدأ يعيد ترتيب اوراقه بعيدا عن الانفلات الأمني والسياسي..
لا أري في الجهود التي تبذلها الحكومات الغربية لمحاربة الإرهاب العالمي الذي شاركت في صنعه بشكل أو بأخر، أي فائدة تُذكر خاصة بعد أن فرض عليها الشيطان الذي صنعته لإخافة الآخرين ان تتحصن وراء حدودها السياسية كي لا يصيبها قدر أكبر من الضرر..
الولايات المتحدة قلصت مشاركتها في أي حروب خارجية إلي أدني مستوي، وتركت الأمر للقوي المحلية من منطلق “ان هذا مرض أصابكم وعليكم أن تعالجوا أنفسكم منه”..
وها هي المملكة المتحدة تُصر علي القيام فقط بما تستطيع من هجمات جوية فوق أراضي سوريا والعراق لمحاربة تنظيم داعش، أملاً في تعزيز قدراتها الإستباقية لإفشال أي محاولة إرهابية قد تقع فوق أراضيها.. وبالرغم من تشبيه ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني للحرب ضد الإرهاب والتطرف بالحرب الباردة ضد الشيوعية، ألا أنه غير قادر علي المشاركة الفعالة الناجعة في الشرق الأوسط للقضاء علي “الجني” الذي نشأ وتنامي تحت مظلة الفتاوي المنظمات التى احتضنتها عواصم غربية وإستخدمتها عواصم غربية أخري بهدف تفتيت العقيدة والدولة وطمس معالم الجغرافيا والتاريخ علي مستوي العالمين العربي والإسلامي..
هي مؤامرة..
نعم بكل المقاييس..
مؤامرة منذ إستخدمت أمريكا الإسلام السياسي في حربها ضد القوات الروسية التى كانت تحتل افغانستان.. ومنذ فتحت الشارع السياسي لنزاع طائفي في أكثر من بلد عربي.. ومنذ شاركت النظم التسلطية أفكارها وعملت ما في وسعها لدعم كراسيها الحاكمة، ثم انقلبت عليها.. ومنذ حاولت إستغلال ثورات الرييع العربي لتنصيب من يُنفذ مخططاتها لمواصلة الهيمنة، بأسم الدين والشريعة تحت ستار الإصلاحات السياسية وبرامج تطوير النهج الديموقراطي..
ابحثوا عن القوة الداعمة لتنظيم الدولة غير الإسلامية، تتعرفوا بشفافية علي من وقف وراء تفجيرات يوم التاسع من رمضان.. ومن ثم تستعدوا لمواجهته لأن سيكون هو نفسه الواقف وراء ما سيقع غداً وبعد غد من تفجيرات هنا وهناك..
* استشاري إعلامي/”إيلاف”