«أنا لست طبيباً لأقيّم الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، ولم آت للجزائر بصفتي طبيباً ولكن ما يمكنني قوله بعد أن التقيته ساعتين اليوم، أنه يحافظ على كامل قواه العقلية والقدرة على تحليل الوضع السياسي والدولي، مع أنه لا يمكنه التنقل منذ فترة». هكذا أجاب فرنسوا هولاند على أسئلة صحافي في الجزائر في ختام زيارته السريعة إلى العاصمة الجزائرية التي تمت بدعوة من نظيره الجزائري، فقد عملت فرنسا خلال رئاسة هولاند على تحسين العلاقة الفرنسية الجزائرية التي كثيراً ما كان يشوبها التشكيك والخلافات لأسباب تاريخية واجتماعية. ومنذ كان هولاند مسؤولاً في الحزب الاشتراكي الفرنسي كانت تربطه علاقات جيدة بأوساط عديدة من أصل جزائري. وأراد دفع العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين والسعي الى تجاوز الخلافات الكثيرة بينهما.
إن كل مسؤول فرنسي يزور الجزائر يتجنب الدخول في تفاصيل عند حديثه عن الوضع في هذا البلد، لإدراكه أن كل كلمة تفسر من الجزائريين بخلفية التشكيك، لأن النظام الجزائري يلهي شعبه بالتشكيك بالدولة التي كانت تحتله لتغطية فشله في تحسين أوضاع بلد كبير وغني وجميل. ومن يزر الجزائر يحزن على إمكانات هذا البلد الضخمة التي أهدرت، وهذه ليست مسؤولية فرنسا، بل هي ثمرة سياسة شلة عسكرية جزائرية حاكمة عملت لعقود على الحفاظ على مصالحها الخاصة وعلى نفوذها، فضلاً عن إخراج البلد من وضع اقتصادي بقي يتبع نموذج الاقتصاد السوفياتي. فنسبة البطالة بين الشباب تصل إلى ٥٠ في المئة في بلد عدد سكانه حوالى ٤٠ مليون نسمة، وهذه قنبلة موقوتة تهدد مصير بلد عمل المؤسسة العسكرية فيه هو إيجاد رئيس يحمي مصالحها، فعندما مرض بوتفليقة وتم نقله الى مستشفى فال دو غراس العسكري في باريس للعلاج، نقلت أوساط جزائرية عن المؤسسة العسكرية قبل الانتخابات الرئاسية وعن بوتفليقة وشقيقه سعيد أنهم لدى مشاهدتهم الربيع العربي في تونس وفي ليبيا ومصر، وعندما شاهدوا صور قتل القذافي على شاشات التلفزيون، صدموا وذعروا وقرروا أن بوتفليقة وحده، على رغم مرضه، من شأنه أن يطمئن المؤسسة العسكرية.
ولكن مع بداية الولاية الرابعة لبوتفليقة في ٢٠١٤ كانت أسعار النفط مرتفعة وعائدات الجزائر مرتفعة، ما أتاح له وللفريق الذي يؤيده أن يوزع أموالاً طائلة للتصويت له ولتأييد بقائه على رغم حاله الصحية. ولكن اليوم مع انخفاض سعر النفط وهبوط مبيعات الغاز الجزائري ستواجه المؤسسة العسكرية صعوبة في إخماد استياء الشعب من أوضاع معيشية واجتماعية متدهورة، فالسياحة في بلد جميل وغني مثل الجزائر مأساة، فقد تم بناء فنادق فخمة من قبل شركات عالمية ولكن الخدمات فيها تعيسة مثل كل ما يتعلق بالقطاع السياحي في الجزائر. ووضع بوتفليقة الصحي جعل الصحافة الجزائرية تكتب أن زيارة هولاند إلى الجزائر يوم الإثنين الماضي مرتبطة بخلافته، ولكن هذا غير وارد من قبل الرئيس الفرنسي الذي يتجنب الخوض في أمور حساسة يعرف أنها خاصة بالمقربين من بوتفليقة وبعض الجنرالات. فهولاند وقبله نيكولا ساركوزي وجاك شيراك كلهم شديدو الحذر في العلاقة مع الجزائر، ولكن كل منهم بأسلوبه، فشيراك ذهب يتجول في باب الواد ممسكاً بيد بوتفليقة بعد الزلزال الذي ضرب الجزائر وكانت الهتافات تطالبه بالتأشيرات الى فرنسا، وهي اليوم لا تزال مطلباً أساسياً، بسبب جاذبية فرنسا القوة المستعمرة تاريخياً للجزائر. وعلى رغم هذا التاريخ الجزائري الفرنسي، بقيت العلاقة بين البلدين تتسم بحب وكراهية، ومهما اهتمت فرنسا بانطلاق العلاقة مع الجزائر يبقى هذا البلد في وضع مخيب لأمل شبابه ومستقبله بسبب عدم رغبة المؤسسة العسكرية في إخراجه من النموذج السوفياتي المميت.
*كاتبة وصحفية/”الحياة”